رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: الهجوم على انتخابات مجلس النواب.. أصحاب الغرض وأصحاب المرض

محمد الباز
محمد الباز

لا تزعجنى إطلاقًا حالة الشد والجذب التى تسيطر على زاوية انتخابات مجلس النواب المقبلة، وهى زاوية مهمة من زوايا المشهد السياسى العام، لأن معناها أن هناك شيئًا حقيقيًا يتم على الأرض.
ما يزعجنى أن تكون اللغة التى يعتمدها المختلفون هى تبادل الاتهامات والشتائم التى لا تتوقف، والسباب المطلق الذى لا سقف له، وهى لغة لا يسعى مَن يستخدمها إلا للتشويه وإهالة التراب على ما يحدث بالجملة، وتعكس خللًا سياسيًا- لن أكون مبالغًا إذا قلت نفسيًا أيضًا- فى المشهد العام الذى يعتقد كثيرون أنهم يقفون على ثغوره، ويعرفون ببواطن أموره أكثر من الآخرين.
خلال الأيام الماضية زادت نبرة الاتهامات لكل ما يتعلق بالانتخابات البرلمانية المقبلة، ولنكن أكثر تحديدًا، فقد انصرفت هذه الاتهامات للقوائم الانتخابية- لدينا ٨ قوائم تتنافس فى ٤ قطاعات جغرافية- ولم يترك المحتجون عليها تفصيلة واحدة من تفاصيل هذه القوائم إلا وأشبعوها ركلًا وطعنًا وتشويهًا وتحطيمًا.
قد يكون من حق المتنافسين فى الصراع الانتخابى أن يتبادلوا الاتهامات، فالانتخابات فى العالم كله، وليس فى مصر وحدها، تتحمل مثل هذا السلوك.. لكن ما يثير انتباهك أن هناك اتهامات تستهدف الحالة الانتخابية من خارجها، بعيدًا عن أطراف الصراع المباشرين.
وهنا يظهر ما يمكننى التعامل معه على أنه حقى وحقك، لأننا العنصر الأقوى فى العملية الانتخابية والسياسية كلها، فنحن الذين نقوم بعملية الاختيار ومنح الشرعية لمن يمثلوننا تحت قبة البرلمان، وعليه فلا أقل من أن نفهم ما يحدث على الأرض.
قبل أن نفهم ما يجرى فى الغرف المغلقة، وقبل أن نحاول رسم خريطة الاتهامات التى تلاحق الانتخابات البرلمانية المقبلة بضراوة، قد يكون من المناسب أن نفصل فى أمر مهم للغاية، أن نجيب عن سؤال لا بد أن نضعه فى حجمه تمامًا.
السؤال هو: مَن الذين يهاجمون الانتخابات البرلمانية، ويحاولون التحرش السياسى بكل ما يتصل بها؟
دون عناء يمكن أن نقسِّم المهاجمين إلى نوعين:
النوع الأول أصحاب المرض، وهؤلاء نعرفهم جميعًا، فهؤلاء يطلون علينا من المنصات الإعلامية المعادية، يتحركون بأوامر واضحة ومباشرة من جماعات وأجهزة أمنية وقوى إقليمية، هدفها الأساسى هز استقرار مصر والعبث بأمنها، حتى تصبح لقمة سهلة الالتهام والهضم.
هؤلاء لا يستهدفون الانتخابات البرلمانية ولا قوائمها ولا الأحزاب المشاركة فيها، ولا القوى السياسية التى قررت أن تساهم وتكون موجودة على الأرض بشكل خاص، بل يستهدفون أى خطوة إيجابية يمكن أن تتم على أرض مصر.
يرعبهم أن تمضى الحياة السياسية إلى الأمام، يزعجهم أن تستقر المؤسسات النيابية فى مصر، لأن استقرارها تحطيم لحلمهم بسقوط مصر وعودتهم إلى حكمها مرة أخرى، وهو الحلم الذى لن يتخلوا عنه أبدًا، ولذلك فهم يحاولون خلخلة أى مستقر يمكننا أن ننعم به من خلال نشر الأكاذيب والترويج للشائعات حول كل شىء وأى شىء يحدث فى مصر.
لن أكون غريبًا أو مخالفًا للمنطق إذا قلت لك: لا تستمع إلى هؤلاء ولا تركن إليهم، فما دامت نواياهم ظهرت أمامكم، وما دامت أكاذيبهم أصبحت مكشوفة لا تحتاج إلى دليل، فما الذى يجعلك تستمع إليهم؟ لكن على أى حال لا يمكننى أن أحول بينك وبين شىء.. فهذا أمر يخصك، لكن لزم التنويه والتنبيه.
النوع الثانى أصحاب الغرض.. وهؤلاء فى حقيقة الأمر الأشد خطرًا والأكثر مخاصمة للواقع السياسى بما يقتضيه من سلوك المفروض أن يكون احترافيًا.
أعرف كما تعرف أنت أيضًا، أن هناك عددًا كبيرًا من المواطنين كانت لديهم رغبة فى اللحاق بقطار الانتخابات البرلمانية، وأن هؤلاء فى معظمهم، إن لم يكونوا كلهم، كانوا يحلمون بجنة القائمة الوطنية «من أجل مصر» تحديدًا، اعتقادًا منهم أن هذه القائمة هى المحظوظة أو المرضى عنها، أو التى تمت صناعتها على عين الدولة، وهو كلام يحتاج إلى مناقشة وتأمل ومراجعة.
ولأنه ليس من الطبيعى أن يدخل كل من يرغب إلى القائمة الوطنية، ولأنه ليس من الطبيعى أن يتمكن كل مَن يحلم بكرسى البرلمان من المشاركة فى الصراع الانتخابى، فقد تكونت لدينا قائمة طويلة ممن يعتبرون أنفسهم مبعدين عن الجنة ونعيمها، وبدلًا من أن يقنع هؤلاء بموقفهم، أو على الأقل يجربون أنفسهم فى اختبار الناس، ويعرضون أنفسهم عليهم، ليروا هل يختارهم الشعب أم ينصرف عنهم، تفرغوا للهجوم على القوائم وكل من شارك فيها أو حتى اقترب منها.
هؤلاء لا يمكن أن نثق فى كل ما يقولونه عن الانتخابات البرلمانية.
لا يمكن أن نستسلم لوجهات نظرهم وآرائهم ومعلوماتهم عمَّا جرى.
كلامهم يخرج مجروحًا تمامًا، لأنهم يتحركون على «أرضية الغرض» التى هى أقوى من «أرضية المرض» بالمناسبة، فلا يردد هؤلاء كلامهم الذى يطعنون به العملية السياسية إلا من باب أنهم يخشون على مصر مما هى مقبلة عليه، ولا تتعجب أبدًا عندما تجدهم يقولون إن ما يحدث ليس فى مصلحة البلد على الإطلاق.
من المناسب أن نتوقف أنا وأنت عند هذا التعبير تحديدًا وهو «مصلحة البلد»؟
من المزعج بالطبع أن يحتكر أحدهم الاعتقاد- مجرد الاعتقاد- بأنه يعرف وحده دون الآخرين مصلحة البلد، ومن المزعج أكثر أن يصادر على الآخرين- مهما كانت توجهاتهم وانتماءاتهم وأفكارهم وعقائدهم- اعتقادهم أنهم أيضًا يمكن أن يكون ما يقومون به فى مصلحة البلد.
فى لحظة واحدة ودون أن يدرى يتحول السياسى الذى يتحدث عن حرية الرأى وضرورة الاختلاف وتقبل الآخر إلى ديكتاتور صغير، لا يقبل برأى أحد، ولا يعترف لأحد بأنه يفهم من الأساس، وهذه فى حقيقة الأمر آفتنا السياسية الكبرى التى نعانى منها فى مصر الآن.
بين أصحاب المرض وأصحاب الغرض يمكننا أن نقرأ حقيقة المشهد السياسى فى مصر، يمكننا أن نتأمل عن قرب الأرضية التى تتحرك عليها الانتخابات البرلمانية المقبلة، يمكننا أيضًا أن نقف وجهًا لوجه أمام كل ما يقال لنفهمه، لأن الفهم هو الطريق المستقيم لنحدد معًا موقفنا ونستقر على رأينا ونختار من نعتقد أنه يمكن أن يمثلنا ولا يمثل علينا.
فى هذا الحديث الذى سيطول بيننا سأكون الادعاء والمحامى أيضًا، فليس خافيًا على أحد ما يتردد فى المجال العام هذه الأيام عن الانتخابات البرلمانية وعمَّن يشاركون فيها، ستجدنى هنا معك على موجة واحدة، نستعرض سويًا ما يقال فى الشارع، ويردده الناس فى معظم الوقت دون أن يفكروا فيه أو يقلبوه على وجهه، على الأقل ليعرفوا هل ما فيه حق أم باطل.
هنا سأمارس معك حقى كاملًا فى أن أستعرض ما يقال، أن أنقده بهدف فهمه، أرفض منه ما أشاء وأقبل منه ما أريد، تاركًا لك بعد ذلك المساحة كاملة لتقول رأيك وتكوّن موقفك.
إننى أنحاز إلى حقى وحقك فى المعرفة دون ممارسة أى نوع من أنواع الوصاية، لا على عقلك، ولا على قرارك، بعد أن تعرف يمكنك أن تذهب إلى لجنتك الانتخابية وتختار القائمة التى تحددها، وتمنح صوتك للمرشح الفردى الذى يروق لك، يمكنك أن تلجأ إلى التصويت العقابى إذا وجدت أن من يشاركون فى الانتخابات «قوائم وفردى» لا يعبرون عنك، لا تمنح أحدًا منهم صوتك.. لكن المهم أن تذهب وتشارك وتقول رأيك.
هنا سنفتح القوس، ولن يستطيع أحد أن يغلقه فى وجوهنا، لأننا نمتلك السؤال ومحاولة الوصول إلى إجابة على الأقل تكون مقنعة.
يقولون إن فى مصر الآن أسئلة كثيرة دون إجابات، وهو قول باطل تمامًا، فلا توجد أسئلة فى مصر، أو فى أى مكان من هذا العالم الواسع، دون إجابات.. يمكننا أن نعدل الصياغة قليلًا ونقول لمن يرددون هذا، إن فى مصر إجابات عن كل الأسئلة، لكنها لا تروق لمن يعترضون، ولذلك يعتبرونها وكأنها ليست موجودة، وهو نوع من التسلط السياسى الغريب، فليس معقولًا أن تأتى كل الإجابات عن كل الأسئلة طبقًا لما تريده أنت.. وإلا فإنه لا إجابات.
أعرف أنك تسأل عن القائمة الوطنية، كيف خرجت إلى النور؟ وهل لعبت الأجهزة الأمنية دورًا فى تشكيلها؟ وهل انقلب حزب «مستقبل وطن» على كبار أعضائه فاستبعد من يستحقون وأدخل من لا يستحقون؟ وهل صحيح أن من يتم الاستقرار على أسمائهم فى القائمة الوطنية دفعوا ثمن الكراسى مقدمًا؟ وما حكاية المال السياسى فى العملية الانتخابية؟ ولماذا تم استبعاد كبار العائلات من القوائم الانتخابية؟ وهل نحن أمام برلمان سيكون عبارة عن صوت واحد فقط بلا تنوع فى الرؤى والأفكار؟
علامات الاستفهام كثيرة، لكننا سنحاول أن نقتحمها ولا نتركها فى العراء بلا إجابات.
اتركوا فقط الحديث يمتد بينى وبينكم.