رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لبنان.. غاز وألغاز.. ولا حكومة!


حالة جديدة من التوتر السياسى، القائم والمستمر، دخلها لبنان بعد اعتذار مصطفى أديب عن عدم تشكيل الحكومة، الذى لا يمكن فصله عن الوضع الإقليمى المرتبك، والمناوشات الأمريكية الإيرانية، وتشابكات المصالح الروسية التركية، والتطورات التى تشهدها المنطقة بشأن تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، بالإضافة إلى الصراعات المرتبطة بغاز شرق المتوسط، والخلافات اللبنانية الإسرائيلية بشأن ترسيم الحدود البحرية.
خلال كلمة ألقاها، أمس السبت، أرجع رئيس الوزراء المُكلَّف اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة إلى غياب التوافق وعدم تلبية الكتل السياسية شروطه بعدم تسييس التشكيل، متمنيًا «لمن سيتم اختياره للمهمة الشاقة» كامل التوفيق «فى مواجهة الأخطار الداهمة المحدقة» بلبنان وشعبه واقتصاده، وبينما وجه ميشال عون، رئيس الجمهورية اللبنانى، الشكر لأديب على جهوده وأبلغه بقبول اعتذاره، نقلت وكالة «رويترز» عن مصدر مقرب من الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، أن اعتذار أديب يعنى أن الأحزاب السياسية اللبنانية ارتكبت «خيانة جماعية».
تم تكليف مصطفى أديب بتشكيل الحكومة، أواخر الشهر الماضى، بعد ثلاثة أسابيع تقريبًا من استقالة حكومة حسان دياب، على خلفية انفجار مرفأ بيروت، وكان من المفترض أن يتم تشكيل الحكومة الجديدة منتصف الشهر الجارى، طبقًا للمبادرة الفرنسية، أو الإطار الزمنى الذى وضعه الرئيس الفرنسى خلال زيارته الثانية إلى بيروت، بداية هذا الشهر. لكن حال دون ذلك إصرار الثنائى الشيعى، «حزب الله» و«حركة أمل»، على تسمية الوزراء الشيعة، والحصول على وزارة المالية، وإلى لا شىء انتهى اجتماع ذلك الثنائى مع أديب، الخميس الماضى. رؤساء الحكومة السابقون، نجيب ميقاتى، فؤاد السنيورة، وتمام سلام، أعربوا، فى بيان مشترك، تناقلته وسائل إعلام محلية، عن وقوفهم «إلى جانب أديب فى اعتذاره عن عدم الاستمرار فى مهمته»، آملين «أن يصغى الجميع للضرورات والاحتياجات الوطنية، وأن يدركوا مخاطر التصدع والانهيار بدون حكومة قادرة وفاعلة وغير حزبية»، ومن جانبه قام سعد الحريرى، رئيس الوزراء الأسبق، بتحميل المسئولية لمن وصفهم بـ«المعرقلين الذين لم تعد هناك حاجة لتسميتهم»، مؤكدًا أن الإصرار على إبقاء لبنان رهينة أجندات خارجية بات أمرًا يفوق الاحتمال.
مع تأكيده على أن الأوروبيين لن يتنازلوا عن رفضهم العقوبات الأمريكية ضد إيران، كان لبنان حاضرًا فى كلمة الرئيس الفرنسى، أمام القمة الافتراضية للجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء الماضى، وبمبادرة فرنسية، انعقد الأربعاء، اجتماع «المجموعة الدولية لدعم لبنان»، برئاسة أنطونيو جوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، وجان إيف لودريان وزير الخارجية الفرنسى.
فى كلمته، طالب الرئيس الفرنسى بـ«التجاوب مع تطلعات الشعب اللبنانى واحترامها ودعمها، رغم أخطاء الطبقة السياسية اللبنانية، التى لا يمكن قبولها»، وشدّد على أنه لن يتوقف عن العمل من أجل إنهاض لبنان، الذى وصفه بأنه «كنز استثنائى للبشرية كلها بسبب ديمقراطيته وتعدديته فى منطقة تعانى من الإرهاب ومن القوى المهيمنة»، وقال إن على الأمم المتحدة أن تقف «بشكل ملموس وعلى المدى الطويل، إلى جانب المجتمع المدنى اللبنانى والمنظمات غير الحكومية، لمواجهة الحاجات الملحة وإعادة البناء».
ما لم يقله الرئيس الفرنسى، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قاله وزير خارجيته، أمام «مجموعة الدعم»، وطالب السياسيين اللبنانيين بالإسراع فى تشكيل «حكومة مهمات» ودعم الإصلاحات الضرورية التى ينتظرها اللبنانيون، والشركاء الدوليون، واستئناف المناقشات «الجدية» مع «صندوق النقد الدولى» و... و... واتخاذ التدابير اللازمة لمحاربة الفساد، محذرًا من أنه: «لا مساعدات مالية دولية من غير إصلاحات، أما إذا تمت فلن ندخر جهدًا لتقديمها».
توصيات اجتماع «مجموعة الدعم» لم تختلف كثيرًا عن تلك التى طرحها مؤتمر «سيدر»، الذى انعقد فى أبريل ٢٠١٨، وأضافت إليها دعوة السياسيين اللبنانيين إلى الإسراع بتشكيل حكومة «ذات صدقية، متمكنة وقادرة على اتخاذ القرارات الضرورية لإنهاض لبنان»، ووعدت بأن تكون «جاهزة» للتجاوب مع لبنان «على قاعدة المبادرات الملموسة من الحكومة المنتظرة».
يصعب أن تكون إسرائيل بعيدة عن هذه «المعجنة»، خاصة بعد أن كشفت «القناة ١٢» العبرية، أمس الأول الجمعة، عن اقتراب توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، برعاية أمريكية، وتوقعت القناة، أن يتم توقيع الاتفاقية فى ١٠ أكتوبر المقبل. وكانت واشنطن قد دفعت، أو ضغطت، لإطلاق مفاوضات مباشرة بين الطرفين، بهدف التوصل إلى اتفاق قبل الانتخابات الأمريكية المقبلة، وقام ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكى لشئون الشرق الأوسط، الشهر الماضى بجولات ماراثونية، بين بيروت وتل أبيب.
التوتر السياسى، الذى يعيشه لبنان، سيستمر وقد يتصاعد، ما لم يهدم اللبنانيون المتاريس السياسية والطائفية، وما لم تتوقف الضغوط والألعاب الخارجية، التى تحرّك، تستخدم وتستعمل، أحزابًا وحركات وتيارات، لم تمنعها الكوارث المتلاحقة، التى سبقت وتلت انفجار مرفأ بيروت، من الاقتتال على المناصب، ومن تقديم مصالح دول أخرى على مصلحة الشعب اللبنانى.