رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انتخابات «القرن» الفلسطينية!


لم تغب القضية الفلسطينية عن كلمات الرؤساء العرب، عبر الفيديو كونفرانس، أمام الجمعية العامة الخامسة والسبعين للأمم المتحدة، وأمس، الجمعة، ألقى الرئيس الفلسطينى، محمود عباس، كلمته، التى تحدث فيها عن مصير عملية السلام والسلطة والمصالحة الوطنية، وأعلن «رغم كل العقبات والمعيقات التى تعرفونها» عن اعتزامه إجراء الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية، بمشاركة كل القوى والأحزاب والفعاليات الوطنية.
لم نجد أى جديد فى كلمة الرئيس عباس، ولم نكن نراهن على ذلك، بعد أن حلت «البركة التركية» على حركتى «فتح» و«حماس» واتفقتا، فى إسطنبول، على إجراء انتخابات متدرجة: انتخابات تشريعية، ثم انتخابات رئاسية للسلطة الفلسطينية، ثم انتخابات المجلس الوطنى التابع لمنظمة التحرير، وغالبًا ستحل «البركة القطرية»، وستحصل السلطة الفلسطينية على دعم مالى سخى من الدوحة، التى طار إليها وفدا الحركتين، أمس الأول الخميس.
فى أى مصيبة، فتّش عن المال القطرى، ولو فعلت، ستكتشف بسهولة أنه لعب دورًا كبيرًا فى سلخ قطاع غزة عن الضفة، وفى تعميق الانقسام الفلسطينى، ولهذا السبب، سمحت السلطات الإسرائيلية بدخوله، المال القطرى، إلى القطاع، دون التنسيق مع السلطة الفلسطينية، ولهذا السبب، أيضًا، اشترط الرئيس الفلسطينى، لإتمام المصالحة، عدم وجود أى دور لقطر.
فى مباحثات إسطنبول، قاد وفد حركة «فتح» جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية، وروحى فتوح، عضو اللجنة، وقاد وفد «حماس» إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى للحركة، ونائبه صالح العارورى، واتفق الجانبان على طى صفحة الخلافات «مهما كلف ذلك من تنازلات»، وفى تصريحات بثها التليفزيون الفلسطينى ووكالة الأنباء الرسمية، «وفا»، وتليفزيون تابع لحماس، قال الرجوب، إن حركتى «فتح» و«حماس» توصلتا لاتفاق واضح بإجراء الانتخابات التشريعية على أساس التمثيل النسبى، وفق تدرج مترابط لا يتجاوز ٦ أشهر، مشيرًا إلى أنهما ينتظران «دعوة الرئيس محمود عباس، للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، لإقرار المبدأ، وتثبيت الآليات، ابتداء من إصدار المرسوم الرئاسى وحتى المرحلة النهائية».
الحكومة الفلسطينية، من جانبها، أكدت أنها جاهزة لإجراء الانتخابات، وقال محمد اشتيه، رئيس الوزراء الفلسطينى، إن حكومته مستعدة لتوفير جميع السبل لإنجاحها، وطلب من بريطانيا، أثناء استقباله فيليب هول، القنصل البريطانى العام، فى مكتبه بمدينة رام الله، الإشراف على الانتخابات والضغط على إسرائيل من أجل السماح بإجرائها فى القدس.
حال حدوث ذلك، ستكون تلك هى الانتخابات الثالثة للمجلس التشريعى الفلسطينى: الأولى جرت، مع الانتخابات الرئاسية، سنة ١٩٩٦، والثانية كانت سنة ٢٠٠٦ وبينهما جرت الانتخابات الرئاسية الثانية والأخيرة، فى ٢٠٠٥، ثم توقف كل شىء بعد أن سيطرت حركة «حماس» على قطاع غزة سنة ٢٠٠٧، و«قررت التخلى عن القدس، والانقلاب على مشروع الدولة الفلسطينية الواحدة الموحدة، والانفصال عن الوطن، وتقسيم الشعب، وإقامة إمارتها الإخوانية الظلامية فى قطاع غزة»، وما بين التنصيص قاله على أبودياك، وزير العدل الفلسطينى، منتصف مارس ٢٠١٩، فى بيان أصدره ردًا على ممارسات قمعية قامت بها الحركة الإخوانية.
منذ ذلك الانقلاب الحمساوى، فشلت كل محاولات إجراء الانتخابات، بسبب خلافات حول الآلية، المرجعية، وبعض القوانين، وإلى الآن، لا تزال هناك أسئلة، بلا إجابات، بشأن المرجعية القانونية، لكون المحكمة الدستورية، التى شكّلها عباس، تمثل الضفة فقط، وأسئلة أخرى حول بنود فى قانون الانتخابات قد تحول دون مشاركة الفصائل الثمانية غير المنضوية تحت مظلة «منظمة التحرير»، أما السؤال الأهم فيتعلق بالقدس الشرقية، والآليات التى يمكن اعتمادها لضمان إجراء الانتخابات فيها، أو انتزاع موافقة إسرائيلية على ذلك.
كثيرون يعتقدون أن إسرائيل لن توافق على إجراء الانتخابات فى المدينة المحتلة، بعد الاعتراف الأمريكى بها عاصمة لإسرائيل، غير أننا نعتقد أن الولايات المتحدة ستدخل لحل هذه المعضلة، ولإزالة أى عقبات أخرى، كما فعلت فى انتخابات ٢٠٠٦، التى تمت تحت رعايتها أو بأوامر مباشرة منها، وتسببت فى الانقسام الفلسطينى، وكانت قطر، كعادتها، بتكليف أمريكى إسرائيلى هى عرّاب الخراب، وباعتراف الحاكم القطرى الحالى، تميم بن حمد، على شبكة «سى إن إن» الأمريكية، فى ٢٥ سبتمبر ٢٠١٤، فإن والده، الأمير السابق، قام، بناءً على طلب أمريكى، بالضغط على «حماس» لكى تشارك فى تلك الانتخابات.
دخول تركيا على الخط، بعد البيان الأمريكى القطرى، الذى تبنى الرؤية الأمريكية للسلام المعروفة باسم «صفقة القرن»، يعنى بمنتهى الوضوح أن هناك ترتيبات جديدة، لوضع السلطة الفلسطينية، تحت سيطرة «حماس»، عبر انتخابات «القرن»، أو انتخابات «صفقة القرن»، سواء بشكل صريح، أو عبر تكرار تجربة «حزب الله» اللبنانى: المشاركة فى الحكم، مع بقاء ميليشياتها المسلحة خارج سيطرة الحكومة، وبالتالى تكون السلطة الفعلية فى يد الحركة الإخوانية، مقابل سلطة صورية لحركة فتح، وفى الحالتين، سيخلع الطرفان كل ملابسهما فى الخفاء وربما على رءوس الأشهاد.