رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

21 أغسطس.. العالم يحيي اليوم الدولي الثالث لذكرى ضحايا الإرهاب

ضحايا الإرهاب
ضحايا الإرهاب

يحيي العالم في 21 أغسطس من كل عام اليوم الدولي الثالث لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب، حيث يتأثر عدد أكبر من البلدان بالإرهاب اليوم، وأن عدد الضحايا يتركز إلى حد كبير في عدد صغير من الدول الأعضاء.

ويواصل ضحايا الإرهاب الكفاح من أجل إسماع أصواتهم ودعم احتياجاتهم والحفاظ على حقوقهم. وغالبا ما يشعر الضحايا بالنسيان والإهمال بمجرد أن تتلاشى الآثار المترتبة على هجوم إرهابي مباشرة، مما قد يكون له عواقب وخيمة عليهم. وهناك قلة من الدول الأعضاء لديها الموارد أو القدرة على تلبية الاحتياجات متوسطة وطويلة الأجل اللازمة للضحايا للتعافي الكامل وإعادة التأهيل والاندماج من جديد في المجتمع. ولا يمكن للضحايا التعافي والتعامل مع صدماتهم إلا من خلال دعم متعدد الأبعاد طويل الأجل، بما في ذلك الدعم الجسدي والنفسي والاجتماعي والمالي، من أجل الشفاء والعيش بكرامة.

وتقع المسؤولية الأساسية لدعم ضحايا الإرهاب والحفاظ على حقوقهم على عاتق الدول الأعضاء. وتلعب الأمم المتحدة دورًا مهمًا في دعم الدول الأعضاء لتنفيذ الركيزتين الأول والرابع من استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب من خلال الوقوف في التضامن وتقديم الدعم للضحايا، والمساعدة في بناء القدرات، وإنشاء شبكات من المجتمع المدني وتقديم الدعم له. ولا سيما جمعيات ضحايا الإرهاب، وتشجيع الدول الأعضاء على تعزيز وحماية واحترام حقوق الضحايا. وتعمل الأمم المتحدة على توفير الموارد وتعبئة المجتمع الدولي وتحسين تلبية احتياجات ضحايا الإرهاب.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد حددت في قرارها 16572 عام 2017، يوم 21 أغسطس باعتباره اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب وتكريمهم من أجل تكريم ودعم ضحايا الإرهاب والناجين منه وتعزيز وحماية جميع ضحايا الإرهاب، والتمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

لقد شهد "مؤشر خريطة الإرهاب العالمي العام 2019 " كثيرًا من المؤشرات والاتجاهات الإيجابية، بعد أعوام الجمر والرماد التي واكبت انطلاقة موجة إرهاب تنظيم داعش، الذي وصل ذروته عام 2014. فقد انخفض العدد الكلي لقتلى العمليات الإرهابية بنسبة 52 %، مقارنة بـ ذروته عام 2014، وذلك للعام الرابع على التوالي؛ حيث بلغ العدد الإجمالي لعدد العمليات الإرهابية 15.952 ألف ضحية، ويعود سبب الانخفاض بشكل رئيس لانخفاض العدد الكلي لقتلى الإرهاب في العراق ثم الصومال.

فقد شهد العام 2019 أهم حدثَين في مسيرة الإرهاب العالمي على صعيد تنظيم داعش: الأول، هزيمة تنظيم داعش في معاقله الرئيسة في سوريا وتشتته وذوبانه في العراق ؛ والثاني، مقتل زعيم التنظيم وعدد من القياديين المهمين فيه.

وقد تجلى هذا في انخفاض عدد قتلى العمليات الإرهابية التي تنسب إلى داعش بنسبة 69%، كما انخفض عدد عمليات التنظيم بنسبة 63% عام 2019، وانخفض العدد الكلي لأعضاء التنظيم في سوريا والعراق من 70 ألف مقاتل إلى 18 ألف مقاتل عام 2019.

وفي المقابل مع أن ظاهرة الإرهاب العالمي شهدت بعض الانحسار، فقد شهدت خريطة الإرهاب بعض الاتجاهات السلبية وعلى رأسها أنه ورغم انخفاض عدد القتلى نتيجة العمليات الإرهابية، إلا أن نطاق العمليات الإرهابية توسع وتعولم أكثر، حيث طال الإرهاب (عملية إرهابية واحدة على الأقل) ما مجموعه 103 دول في العالم، وهو ما يعني حاجة المجتمع الدولي إلى استمرار التعاون في مكافحة الإرهاب.

ويعتبر أحد أهم الاتجاهات السلبية والخطيرة للإرهاب في عام 2019، هو زيادة خطورة إرهاب "جماعات اليمين المتطرف" في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وأستراليا والجزر، ودليل ذلك ارتفاع نسبة عمليات "اليمين المتطرف" بنسبة هائلة بلغت 320 % خلال الأعوام الخمسة الماضية، وقد بلغ عدد قتلى العمليات الإرهابية التي تنسب لليمين المتطرف 77 قتيلًا، حتى سبتمبر 2019.

ومع الإشارة إلى أن هذا النوع من الإرهاب كان أكثر خلال الأعوام الـ 10 الماضية ؛ حيث سجل 322 عملية إرهابية تنسب إلى جماعات اليمين المتطرف، مقارنة بما مجموعه 1.677 عملية خلال الأعوام العشرة، بين عامي 1970 - 1980، كما أن 60% من عمليات اليمين المتطرف خلال الفترة بين 1970- 2018، نفذها أفراد ليس لهم ارتباطات تنظيمية محددة مع جماعات اليمين المتطرف، مقارنة ما نسبته 10% فقط نفذها أفراد ينتمون تنظيميًا لجماعات اليمين المتطرف.

ويلاحظ أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية والأجهزة الاستخبارية فيها بدأت ومنذ بداية العام 2019 تحديدًا بالتحذير من خطورة هذا النوع من الإرهاب والاهتمام به على كافة الصعد، خاصة البحث والدراسة الأكاديمية خاصة بعد العملية الإرهابية التي جرت في المساجد في نيوزيلندا، الجمعة 15 مارس 2019؛ حيث أُطلقت النيران من قبل (برينتون تارانت) متطرف من اليمين البديل، داخل مسجد النور ومركز لينوود الإسلامي في مدينة كرايستشرش، ونتج عنهما العديد من الإصابات و50 من الوفيات.

ومن الاتجاهات السلبية الجديدة في عام 2019؛ تزايد مشاركة النساء في العمليات الإرهابية والعمليات الانتحارية، وتشير البيانات إلى أنه خلال الفترة بين 1985- 2018، كانت هناك 300 عملية إرهابية شاركت فيها النساء (امرأة واحدة على الأقل) تسببت بمقتل 3000 شخص في العالم. وزاد هذا الاتجاه خلال الأعوام الخمسة الماضية (2013-2018) بنسبة كبيرة جدًا، بلغت 450%، ويلاحظ أن 80% من هذه العمليات نفذتها النساء في تنظيم بوكوحرام في نيجيريا والدول المجاورة لها، على العكس فقد انخفضت مساهمة الرجال في العمليات الانتحارية بنسبة 47% خلال الفترة نفسها.

وحول التوزيع الجغرافي للعمليات الإرهابية بحسب "مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2019"، فقد شهدت أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المعروفة بمينا (MENA) اتجاهات إيجابية، حيث انخفضت العمليات الإرهابية في أوروبا بنسبة 70%، كما انخفض عدد القتلى للعام الثاني على التوالي من 200 قتيل العام 2017 إلى 62 عام 2018، وقد انعكست هزيمة تنظيم داعش إيجابيًا على أوروبا حيث لم تشهد أية عملية لتنظيم داعش عام 2018.

وفي مينا (MENA) انخفض عدد العمليات الإرهابية بنسبة 65 %، باستثناء 3 دول في المنطقة عانت من اتجاهات سلبية بزيادة عدد قتلى العمليات الإرهابية فيها، وهي على الترتيب: إيران، والمغرب، والأردن. وللمرة الأولى منذ عام 2003، لم يعد العراق من أكثر الدول المتأثرة بالإرهاب بحسب مؤشر الإرهاب العالمي الصادر عن "معهد الاقتصاديات والسلام"، وأظهر المؤشر أن عدد الوفيات بسبب الإرهاب في العراق قد انخفض بنسبة 75 % بين عامي 2017 و2018.

إلا أن تحسن الوضع في العراق نسبيًا لم يساعده في الخروج من قائمة أكثر 10 دول كانت عرضة لخطر الإرهاب في عام 2018، والتي ضمت 3 دول عربية أخرى هي: سوريا، والصومال، واليمن.

وفيما يلي عرض مختصر لأكثر 10 دول عانت من الإرهاب العالمي في عام 2018؛ حيث نلاحظ أن من بينها 4 دول عربية:

1- أفغانستان:
تدهور الوضع في أفغانستان، خلال العام 2018، حيث تم تسجيل نحو 1443 عملًا إرهابيًا، أدت إلى مقتل نحو 7379 شخصًا، وأصيب 6514 غيرهم، ما جعلها أسوأ البلاد على مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2019. وقد شهدت أفغانستان العام الماضي 16 عملية إرهابية تعد الأسوأ من بين أبرز 20 عملية وقعت حول العالم، وقد نفذت طالبان وتنظيم خراسان المتفرع من تنظيم داعش، القاسم الأكبر من هذه العمليات.

2- العراق:
فقد شهد العراق تراجعًا في نسبة العمليات الإرهابية، حيث حل في المركز الثاني عام 2018، بعد أن كان في المركز الأول على القائمة عام 2017. وقد وصلت نسبة الوفيات بسبب العمليات الإرهابية إلى 1504 أشخاص، فيما وصلت الإصابات إلى 1723 ضمن 1131 عملية إرهابية نفذت عام 2018، وقد نفذ تنظيم داعش القسم الأكبر من هذه العمليات.

3- نيجيريا:
بلغت نسبة قتلى العمليات الإرهابية في نيجيريا نحو 13 % من إجمالي العمليات حول العالم، حيث ارتفعت نسبة الوفيات بمقدار 33% عام 2018 مقارنة مع عام 2017. وقد وصل عدد القتلى بسبب العمليات الإرهابية عام 2018 إلى 2040 شخصًا، حيث أصيب نحو 772شخص ضمن 562 عملية إرهابية، وقد تسببت جماعة "بوكوحرام" في سقوط النسبة الأكبر من تلك الوفيات بجانب المجموعات المسلحة التي يغلب عليها عرقية "الفولاني".

4- سوريا:
رغم هزيمة تنظيم داعش في سوريا، إلا أنه كان المتسبب الأكبر في العمليات الإرهابية بسوريا خلال عام 2018. وقد وصلت العمليات الإرهابية بشكل عام في سوريا خلال العام الماضي إلى 131 عملية، أدت إلى مقتل نحو 662 شخصًا، وإصابة نحو 725 آخرين.

5- باكستان:
قتل في باكستان نحو 537 شخصًا خلال عام 2018، فيما أصيب نحو 1016 شخصًا في 366 عملية إرهابية، وقد نفذ القسم الأكبر من العمليات تنظيم ولاية خراسان المتفرع من تنظيم داعش الإرهابي، يليها حركة طالبان بباكستان.

6- الصومال:
معظم الهجمات الإرهابية في الصومال خلال عام 2018 نفذها تنظيم الشباب بنسبة وصلت إلى 91 % من إجمالي الهجمات الإرهابية، بالإضافة إلى هجمات أخرى نفذتها جماعة جبهة شرق أفريقيا. وقد قتل في الصومال خلال عام 2018 نحو 646 شخصًا، وأصيب نحو 638 شخصًا ضمن 286 عملية إرهابية.

7- الهند:
شهدت الهند نحو 748 عملية إرهابية، سقط فيها ما لا يقل عن 350 قتيلًا، و540 جريحًا في عام 2018، وتشهد الهند تنوعًا في مصادر الإرهاب مقارنة بأية دولة أخرى في القائمة حيث شنت هجمات إرهابية من قبل جماعات دينية متطرفة وشيوعية وانفصالية، مثل الحزب الشيوعي الهندي وحزب "المجاهدين" وجيش الإسلام والانفصاليين السيخ.

8- اليمن:
يلاحظ أن معظم القتلى في اليمن بسبب العمليات الإرهابية التي تنفذها ميليشيا الحوثي، وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة، نظرًا إلى أن تنظيم داعش ما يزال ضعيفًا مقارنة مع تنظيم القاعدة في اليمن؛ حيث قتل نحو 301 شخص، وأصيب نحو 325 ضمن 227 حادثًا إرهابيًا في عام 2018، وبهذا ينخفض معدل الوفيات بالمقارنة مع عام 2015، الذي سجل نحو 1500 حالة وفاة على صلة بحوادث إرهابية.

9- الفلبين:
تسببت حركة "جيش الشعب الجديد" التابعة للحزب الشيوعي الفلبيني في معظم العمليات الإرهابية، في سقوط 36 % من ضحايا الإرهاب حيث قتل نحو 297 شخصًا خلال هجمات الحركة ضمن 424 حادثًا. وتجدر الإشارة إلى أن الصراع بين الحكومة الفلبينية وعناصر حركة "جيش الشعب الجديد" الجناح المسلح للحزب الشيوعي الفلبيني بدأ عام 1969 مسفرًا عن مقتل نحو 40 ألف من المقاتلين والمدنيين، كما أدى هذا التمرد الشيوعي إلى تقويض جهود التنمية الاقتصادية في البلاد لأعوام، وكان له أيضًا تأثير سلبي على المناطق الريفية الفقيرة بالفلبين، كما ساهمت بعض الحركات الدينية المتطرفة مثل "حركة بانغسامورو للحرية الإسلامية"، إضافة إلى فرع تنظيم داعش هناك، في سقوط نحو 12 شخصًا.

10- الكونغو الديمقراطية:
شهدت دولة الكونغو الديمقراطية عام 2018، نحو 135 عملية إرهابية أدت إلى مقتل نحو 410 أشخاص، وإصابة 145، وذلك بسبب الهجمات التي شنتها جماعات كلّ من "القوات الديمقراطية المتحالفة"، والجبهة الديمقراطية لتحرير رواندا، وميليشيات "مايي مايي".

وكانت أقل دول عرضة للإرهاب: كوريا الشمالية ؛ وبيلاروسيا ؛ وغينيا بيساو ؛ وسلطنة عمان ؛ غامبيا.

وهذا يدل على أن الصراعات بأشكالها المختلفة هي المحرك الرئيس للإرهاب العالمي، حيث تبين أن 95% من قتلى العمليات الإرهابية كانوا مواطنين من دول تعاني من الصراعات السياسية والمسلحة، و99% من العمليات الإرهابية وقعت في الدول التي تعاني من الصراعات. ونلاحظ من البيانات أن هناك علاقة إيجابية بين الإرهاب والصراعات المسلحة، فكلّما تزايد تواجد الصراعات المسلحة تزايد تواجد الإرهاب وطال أمده، كما نلاحظه في الشرق الأوسط مثلًا.

وكشف مؤشر الإرهاب، إلي أن مشكلة عودة "المقاتلين الإرهابيين الأجانب" أصبحت من أهم وأخطر اتجاهات الإرهاب العالمي عام 2019، وهي مرشحة للاستمرار خلال الأعوام القادمة، ورغم أن الظاهرة ليست حديثة إلا أنها أصبحت مشكلة عالمية، خاصة بعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا. ويلاحظ أن كافة الدول الأوروبية المعنية بالأمر خائفة من عودة هؤلاء إلى أراضيها، لذلك تماطل في إيجاد حلول للمعضلة وتحاول بشتى الطرق نقلها للخارج، كمقاربة إقامة محاكم شبه دولية في العراق، وبعد الغزو التركي لشمال شرق سوريا دخلت تركيا على الملف، وبدأت باستخدامه لمصالحها السياسية الأمر الذي عقد من المعضلة أكثر، ومن المرجح أن تستمر أكثر خلال الأعوام المقبلة.

وقد ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية، في يونيو 2016، أن مجتمع الاستخبارات التابع لها يقدر أن ما يزيد على 40 ألف مقاتل أجنبي قد ذهبوا إلى النزاع في سوريا ومن أكثر من 100 بلد، في حين قدرت وزارة الدفاع الروسية، أن هناك حوالي 25 ألف – 30 ألف من المرتزقة الإرهابيين الأجانب يقاتلون من أجل داعش وحدها. وتثير هذه الظاهرة المخاوف في البلدان الأصلية للمقاتلين الأجانب، وهذه الظاهرة ليست جديدة لكن الحجم والأصول الواسعة النطاق في هذه الحالة غير عادية، خاصة بعد هزيمة تنظيم داعش في سوريا ومقتل زعيم التنظيم، ودخول تركيا على خطّ المشكلة، واستخدامها كورقة مساومة وابتزاز سياسي للدول الأوروبية المعارضة لسياسات أردوغان.

وقد كان من شأن اتخاذ القرار 2178 (2014) في الاجتماع رفيع المستوى لمجلس الأمن، الذي تولى رئاسته باراك أوباما الرئيس الأمريكي، في سبتمبر 2014، أن جعل مسألة المقاتلين الإرهابيين الأجانب في صدارة جدول الأعمال الدولي. وفي حين يؤكد هذا القرار التاريخي أنه ما من دولة تستطيع التصدي بمفردها لظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، فإنه يحدد عددًا من الالتزامات على الدول الأعضاء.

وتهدف الخطة التنفيذية لفرقة العمل المعنية بالتنفيذ التابعة للأمم المتحدة لبناء القدرات من أجل التصدي لتدفق "المقاتلين الإرهابيين الأجانب"، إلى دعم الدول الأعضاء في الوفاء بالتزاماتها، بموجب قرار مجلس الأمن 2178، بالتصدي للدورة الحياتية الكاملة للمقاتلين الإرهابيين الأجانب، بدءًا بتطرفهم، وسفرهم، وتدريبهم، وتشغيلهم، وتمويلهم، ثم عودتهم واحتمالات استئنافهم العنف في بلدانهم الأصلية.

وبهذا القرار، أكد المجتمع الدولي الحاجة الملحة إلى اتخاذ تدابير على نحو كامل وفوري، فيما يتعلق بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب، لا سيما أولئك المرتبطين بتنظيم داعش، وجبهة النصرة وغيرهما، فضلًا عن الجماعات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة.

وسلّم بوجوب التصدي أيضًا للعوامل الأساسية بطريقة شاملة، بطرق منها منع التطرف، ووقف تجنيد المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وإعاقة سفرهم، وقطع ما يقدم لهم من دعم مالي. وقد اتخذ القرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يعني أنه ملزم قانونًا لجميع الدول الأعضاء، البالغ عددها 193 دولة، وهو يدعو إلى العمل مع المجتمعات المحلية والجهات الفاعلة غير الحكومية لوضع إستراتيجيات لمكافحة التطرف العنيف، وينبغي تمكين الشباب والأُسر والنساء والقيادات الدينية والثقافية والتعليمية والمجتمع المدني من معالجة الظروف التي تفضي إلى انتشار التطرف العنيف. وقد واصلت الأمم المتحدة الأخذ بنهج شامل للمنظومة برمتها لتقديم المساعدة في مجال بناء القدرات إلى الدول الأعضاء من أجل مكافحة تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وتتناول خطة الأمم المتحدة التنفيذية لبناء القدرات من أجل وقف تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب دورة الحياة الكاملة للمقاتلين الإرهابيين الأجانب.

وتهدف مبادرة المكتب المعني بالمخدرات والجريمة العالمية لمكافحة المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى تعزيز تنفيذ تدابير العدالة الجنائية بشأن المقاتلين الإرهابيين الأجانب، تدمج بشكل كامل بين سيادة القانون ونهج احترام حقوق الإنسان، ويقوم المكتب حاليًا بتقديم مبادرة رئيسة لتعزيز الأطر القانونية وقدرات العدالة الجنائية وقدرات مسؤولي إنفاذ القانون على الصعيد الوطني للتصدي للتهديد الذي يشكله المقاتلون الإرهابيون الأجانب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب شرق أوروبا. لكن رغم تأكيدات الأمم المتحدة أعلاه؛ نلاحظ أن عدة دول أوروبية رفضت بشدة عودة مقاتلي داعش وزوجاتهم وأراملهم، الذين تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد، وحذرت تلك الدول من إعادة مواطنيها، الذين ذهبوا للقتال من أجل "خلافة" داعش في سوريا والعراق، خوفًا من ردود الفعل السياسية وصعوبة جمع الأدلة لإدانتهم وخطر الهجمات المتطرفة في الداخل.

وإضافة إلى المعتقلين في تركيا، تحتجز القوات الكردية السورية حوالي 11 ألف مقاتل من داعش في السجون في شمال شرق سوريا، إضافة إلى عشرات الآلاف من النساء والأطفال من أفراد أسرهم، حوالي خمس مقاتلي داعش، الذين تعتقلهم القوات الكردية في شمال شرق سوريا يعتقد أنهم أوروبيون، ووفق وزارة الداخلية الألمانية؛ تم سجن أكثر من 80 عضوًا من داعش في سوريا والعراق.

وعقب الغزو التركي لشمال شرق سوريا في نوفمبر 2019، أكد "سليمان صويلو "وزير الداخلية التركي، أن بلاده ستعيد أسرى تنظيم داعش إلى دولهم حتى إذا ألغيت جنسياتهم، منتقدًا نهج الدول الأوروبية بشأن القضية. وكان وزير الداخلية التركي قد ادعى أن بلاده ليست فندقًا لعناصر داعش من مواطني الدول الأخرى.

وأضاف صويلو، أن تركيا نقلت عناصر داعش الأجانب الذين جرى ضبطهم في رأس العين وتل أبيض، خلال عملية "نبع السلام"، إلى سجون محصنة بمنطقة عملية "درع الفرات" شمال سوريا، وتابع أنه بعد احتجاز هؤلاء لفترة في تلك السجون سيتم إرسالهم إلى البلدان التي ينتمون إليها. وإجمالًا تريد تركيا إرسال ما يصل إلى 1300 "جهادي" أجنبي إلى بلدانهم الأصلية كثيرون منهم إلى أوروبا، خاصة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وفنلندا وغيرها. وقد قامت تركيا حتى الآن، بإعادة 11 فرنسيًا، في نوفمبر 2019، دون التنسيق مع فرنسا، ودعت ألمانيا لاستعادة مقاتليها حيث يعتقد أن 100 من أعضاء داعش المعتقلين مواطنون ألمان.

وتشير البيانات من مصادر إعلامية ألمانية إلى أن "1050 ألمانيًا سافروا إلى سوريا منذ 2013، انضم أغلبهم لداعش، وقتل ثلثهم في المعارك التي دارت في الأراضي السورية، وعاد الثلث بالفعل لألمانيا. فيما ترى السلطات الألمانية أن عناصر الثلث الأخير إما محتجزون في سوريا والعراق وتركيا أو مفقودون، وتعتقل تركيا حاليًا 14 بالغًا ألمانيًا على الأقل، لانتمائهم لـداعش في سوريا، بواقع 8 نساء و6 رجال، إضافة إلى 15 طفلًا، ومن المنتظر أن تقوم أنقرة بترحيلهم على دفعات خلال الفترة المقبلة.

ورغم هزيمة تنظيم داعش عسكريًا في العراق وسوريا، وإحباط كثير من العمليات الإرهابية للتنظيم خلال عام 2019، خاصة في أمريكا وبريطانيا والنمسا والمغرب والأردن، إلا أن التنظيم لم يهزم تنظيميًا وأيديولوجيًا. ولذلك؛ فمن المتوقع أن يشن تنظيم داعش سلسلة من الهجمات الإرهابية الخاطفة والسريعة، خاصة من خلال "الذئاب المنفردة" في العالم، لا سيما في أوروبا، والعالم العربي والدول الإسلامية، وفي مناطق لم تكن عرضة للإرهاب من قبل، وذلك بهدف إثبات الوجود وتدشين بداية جديدة مع بداية عام 2020 للتنظيم مع زعيمه الجديد. فرغم هزيمة تنظيم داعش عسكريًا وتشتت التنظيم ومقتل زعيمه نهاية العام 2019، والحملة الدولية ضد دعاية التنظيم على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة حملة حذف وإلغاء حسابات التنظيم على موقع "تلغرام" الذي يبلغ عدد مستخدميه في العالم 200 مليون مستخدم، والتي بدأت في شهر ديسمبر 2019، إلا أنه تم رصد حملة واسعة للتنظيم على بعض المنصات الخاصة بالتنظيم، مثل صفحة مجلة "النبأ"، و"التقوى"، ووكالة "أعماق" الخاصة بالتنظيم، ومجموعة تطلق على نفسها "بنت الأمجاد"، تدعو صراحة باللغات العربية والإنجليزية والألمانية والفرنسية، إلى شن هجمات إرهابية " ضد الأعداء الصليبيين" في فترة أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية في كافة الدول، خاصة الأوروبية، والولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدًا من خلال هجمات "الذئاب المنفردة"، من خلال نشر بوستر بعنوان صريح "كن ذئبًا منفردا "ً. هذا إضافة إلى تهديد "بافل دروف" مؤسس موقع "تلغرام"، بالقتل والتصفية الجسدية.

ونشر بوستر له على صفحة "بنت الأمجاد"، بتاريخ 3 ديسمبر 2019، لدوره في حذف حسابات أعضاء ومؤيدي التنظيم. ومن المتوقع أن يشن اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا سلسلة من الهجمات الإرهابية العنصرية، سواء ضد المسلمين أو اليهود، نظرًا للأجواء المشحونة سياسيًا في الدول الأوروبية، خاصة في النمسا والدول الاسكندنافية مثل؛ السويد والنرويج وفنلندا، ضد الهجرة والمهاجرين من الشرق الأوسط.