رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بزوغ فكرة المواطنة المصرية


كما أن الفلاحين والأقباط كانوا ضحايا المجاعات التى حدثت عندما حاصرت الديون الخديوى إسماعيل فيما بعد. غير أن هذا المشروع الذى بدأه محمد على اصطدم بعقبة الاحتلال الإنجليزى عام 1882. ومنذ ذلك الحين تبخر حلم المصريين فى إقامة دولة حديثة.

هناك بعض الإرهاصات لقيام دولة مصرية مستقلة، قام بها شيخ العرب همام فى الصعيد، فى محاولة منه للاستقلال عن المماليك، ولكن المماليك أجهضوا محاولته . وجاء بعده على بك الكبير عام 1763، واستطاع بالفعل إعلان استقلاله عن الدولة العثمانية، واتخذ لنفسه لقب سلطان مصر، وسك النقود باسمه , ثم مد سلطانه إلى اليمن ومكة وفلسطين ودمشق، غير أنه لقى حتفه بمؤامرة دبرها له الأتراك، بمعاونة أحد أتباعه وهو محمد بك أبو الدهب . غير أن تلك المحاولات لم يكن يعنيها من فكرة المواطنة سوى فكرة الاستقلال، كما أن تلك المحاولات لم يكن لديها الإطارات الفكرية أو التنظيمية أو السياسية عن نظم الحكم، ولم يكن يعنيها الإنسان المصرى. ظل الأمر هكذا حتى جاءت الحملة الفرنسية . وعندما جاءت الحملة الفرنسية، فتحت الباب للأفكار السياسية التى جاء بها نابليون من أوروبا أمام المصريين، وشكلت آفاقا كثيرة تبتعد تماما عن الأفكار التقليدية التى كانت تخيم عليهم، بحث نابليون عن طبقة المفكرين المصريين، وقرر التعامل معهم الحملة الفرنسية باعتباهم الطبقة المستنيرة إلى حد ما، وقد أدخلهم الفرنسيون فى عضوية المجمع العلمى الذى أسسوه لدراسة مصر من جميع النواحى. جاء نابليون بفكرتين رئيسيتين.الأولى: فكرة فصل الدولة عن الدين. وهى فكرة لم تتقبلها الصفوة أو النخبة التى اختارها جيدا، ربما لم يفهموها جيدا، وحتى الذين تفهموها استنكروها، ولم ترق لهم، وذلك لثقافتهم الدينية المتأصلة فيهم .الثانية: فكرة العدل والمساواة .وهى من المثل العليا السياسية الجديدة التى جاء بها الفرنسيون مع ثورتهم الفرنسية ومبادئها.كانت تلك الأفكار جديدة وغريبة عن أذهان المصريين، وهو ما رآه المؤرخ المؤرخ عبد الرحمن الجبرتى من أنه «بداية اختلاف الأحوال، وفساد التدبير، وحصول التدمير، وعموم الخراب، وتواتر الأسباب». وعندما انتهت الحملة الفرنسية، وتأهبت قواتها الى الإبحار والعودة ، كان هناك أعداد من المصريين يتمسكون بالذهاب إلى فرنسا، ومعهم بعض أعضاء الجيش المصرى القبطى الذى أنشأه الجنرال المصرى يعقوب. أثار الجنرال يعقوب الجدل فيما بعد اعتبره البعض خائنا لبلده، بينما اعتبره البعض الآخر وطنيا مخلصا. أيا كان الأمر فإن الجنرال يعقوب من خلال ما أبداه من أفكار، أملاها على الفارس لاسكاريس، هى الأفكار التى صاغها الأخير باعتبارها مشروعا وطنيا.

وقد تحدث عن هذ الموضوع باستفاضة الدكتور محمد شفيق غربال فى كتابه الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس ومشروع استقلال مصر فى سنة1801.

كما كتب عنه الدكتور لويس عوض فى كتابه «تاريخ الفكر المصرى الحديث». أيا كان الأمر فإن الجنرال يعقوب كان صاحب أول مشروع مصرى ومكتوب، وإن كان يحاول تنفيذ فكرته بالتعاون مع الدول الأوروبية. ثم جاء الوالى محمد على هو أول وال عثمانى ينفذ مشرعه الاستقلالى، ولكن بالطرق السلمية . وقد تجلت عبقرية محمد على كحاكم له رؤية استقلالية فى أنه: حارب الدولة العثمانية، رغم تبنى الدولة العثمانية فكرة الخلافة كنظام للحكم. حارب الوهابيين، كنظام إسلامى متشدد. أنشا دولة مدنية علمانية.

■ خبير أمنى