رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكاية ملك النوبة مع الوالي الأموي عبيد الله الحمار

الكاتب الراحل صلاح
الكاتب الراحل صلاح عيسي

رصد الكاتب الراحل صلاح عيسي في كتابه "هوامش المقريزي..حكايات من مصر" الصادر عن دار الكرمة للنشر٬ حكايات منسية في التاريخ المصري،عن شخصيات تاهت في أروقة التاريخ٬ التقطها ليصيغ سلاسل ومواقف بشرية من ذهب.

يحكي "عيسي" عن ملك النوبة الذي أعاد الحق للمصريين في ثرواتهم الطبيعية٬ تلك التي سرقها آخر الولاة الأمويين، فيقول: كانت الدولة الأموية قد سقطت وانتقل الحكم إلي العباسيين٬ وأرسلوا إلي الشام يطلبون آخر من بقي من ولاة بني أمية٬ ولما سمع عبيد الله بن مروان الحمار الوالي الأموي علي مصر ٬ أدرك أن دوره قد حان فدخل إلي خزائن أمواله٬ وأخذ منها عشرة آلاف دينار ذهبيا وحملها وأمتعة علي اثني عشر بغلا٬ واصطحب جماعة من العبيد والغلمان٬ وخرج من القاهرة هاربا٬ غايته النوبة في جنوب مصر.

نزل في قصر مهجور وفرشه ببعض ما كان معه من رياش فاخر٬ ثم أرسل إلي ملك النوبة يطلب منه أمانا علي نفسه.

ولما علم ملك النوبة بحلوله في أرضه٬ أرسل إليه أنه قادم للقائه٬ وأصر عبيد الله (علي الرغم من أنه حاكم مخلوع) علي أن يبدو في نظر ملك النوبة مهيبا٬ فأمر بأن يفرش القصر المهجور بما معه٬ وجعل في صدر المكان وسادة ليجلس عليها الملك إذا قدم٬ ووقف في شرفة القصر ينتظره٬ ورآه من بعيد٬ رجلا أسود طويل القامة٬ نحيف الجسد٬ وحوله عشرة حراس فقط٬ فاستصغر أمره واحتقره لكن ذلك لم يدم طويلا.

فما أن جلس ملك النوبة حتي فوجئ به الوالي المخلوع٬ وهو يستجوبه استجوابا قاسيا.
سأله الملك: كيف سلبتم ملككم وأخذ منكم وأنت أقرب الناس إلي نبيكم؟
ورد عبيد الله: إن الذي سلب منا ملكنا أقرب نبينا منا.

وأندفع ملك النوبة يعدد للوالي المخلوع ما كان يرتكبه من مظالم: فكيف أنتم تلوذون إلي نبيكم٬ وأنت لما وليت علي مصر كنت تخرج إلي الصيد٬ وتكلف أهل القري ما لا يطيقونه٬ وتفسد الزرع وتجبر الأهالي علي تقديم الأطعمة والهدايا لك ولحاشيتك٬ وكل هذا من أجل أن تصيد طائرا لا تزيد قيمته علي دراهم قليلة

طأطأ الوالي المخلوع رأسه وهو يستمع إلي عريضة اتهام طويلة٬ وكشف حساب لسيئاته التي لا تعد ولا تحصي٬ وهو صامت لا يتكلم بحرف واحد.

وقال ملك النوبة في ختام حديثه: لقد استحللتم ما حرم الله عليكم٬ وسمتم رعاياكم عذابا لا يطاق٬ فلهذا سلبكم الله ملككم وأخذه منكم٬ وأوقعكم٬ نقمة لم تبلغ غايتها عنكم٬ وأنا أخاف علي نفسي إن أنزلتك عندي٬ فتحل بي تلك النقمة التي حلت بكم٬ فارحل عن أرضي بعد ثلاثة أيام وإلا أخذت ما معك من الأموال وقتلتك، فلما سمع الوالي الهارب ما قاله ملك النوبة٬ خرج من أرضه٬ وعاد إلي الفسطاط ليتم القبض عليه وكانت نهايته.