رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«اطعم الفم».. أنطون تشيخوف ينتقد المثقفين في قصة «القناع»

أنطون تشيخوف
أنطون تشيخوف

يقول المثل الشعبي في مصر المحروسة "اطعم الفم تستحي العين". ربما لو سمع تشيخوف هذا المثل لقال هذا ما أردته بالضبط من قصة "القناع" التي تتشابه مع أترابها من قصصه التي نبش فيها داخل أغوار النفس البشرية ليبين لنا مواطن الضعف والقوة، فالكتابة عند تشيخوف رسالة حيث كان الرجل مهمومًا بالارتقاء بالنفس البشرية إلى أبعد الحدود، فليس للشيطان مدخل فى مؤلفاته التي تهدى إلى المحبة والعدل والسلام.

انتقد تشيخوف في قصته ضعف الصفوة بعكس قصصه الأخرى التي انتقد فيها ضعف العوام أمام جور السادة والنبلاء، والصفوة هنا هم المثقفون، الذين مدوا أيديهم فقصرت ألسنتهم وعجزت عن الدفاع والمطالبة بحقوقهم. يحكي تشيخوف بأسلوبه الفريد عن حفلة في نادٍ اجتماعي يقيم حفلة خيرية، عن خمسة من المثقفين، تنحوا عن الصخب في بهو النادي الذي رمز إليه بحرف "س" وجلسوا في قاعة المطالعة ليقرأوا الصحف، فدخل عليهم رجل بدين يرتدي قناعًا وخلفه خمس غانيات ونادل يحمل الخمور، فانزعجوا وأخبروه أن هذا المكان مخصص للقراءة وليس للمسخرة، فقال لهم كيف لأناس عقلاء يحبون القراءة أكثر من الخمر والنساء وسألهم لماذا تتلفون أعينكم بالقراءة؟ بل وقام مندفعًا ومزق الصحيفة التي بين يدي أحد المثقفين وأمرهم بالخروج، فعلت أصواتهم فطلبوا الشاويش الخاص بالفندق فسخر منهم ومن الشاويش، حمي الوطيس بينهم فجاء المسؤول الأمني الكبير الخاص بالنادي فما كان من صاحب القناع إلا أن نهره ووبخه، فغضب المسؤول ورد الإساءة بأقبح منها لصاحب القناع فما كان منه إلا أن رفع القناع عن وجهه فأسقط في أيديهم. إنه بيتجوروف رجل الأعمال الكبير المعروف بفضائحه وسخائه، فانفضوا من حوله وتركوا له القاعة ولما فرغ من متعته وغط في النوم اجتمع حوله المثقفون ليوقظوه بهدوء حتى يوصلوه إلى منزله، ولما سمح لهم، فعلموا أنه لم يغضب منهم فسعدوا بل وكانوا في منتهى الفرحة حين أشار لهم بيده أثناء دخوله بيته.

أراد تشيخوف أن يقول إذا كان المفكر تابعًا لرجل الأعمال مادًا له كفه فقل على الدنيا السلام، لذا ذكرت في صدر المقال ذاك المثل الشعبي "اطعم الفم تستحى العين".