رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«حياة بلا طعم».. المصابين بـ«متلازمة إرلن» يتألمون كل يوم

متلازمة إرلن
متلازمة إرلن

قبل أكثر من أربعة عقود ظهرت أول حالة إصابة بـ"متلازمة إرلن" بالولايات المتحدة الأمريكية، من قبل عالمة النفس الأمريكية هيلين إيرلين، وتعرف تلك المتلازمة، أو كما تُسمّى أيضًا بـ"متلازمة حساسية الضوء"، على أنها اضطراب أو خلل في الإدراك البصري أو المعالجة البصرية التي تحدث في الدماغ، يجعل المصاب به غير قادر على القراءة والكتابة والرؤية بوضوح.

وحسب دراسات عديدة واصلت البحث عن ما تُسببه "متلازمة إرلن" أو مشكلة المعالجة البصرية، للمصابين، وتحديد أسباب تؤثر من خلالها البلازمة على المصاب بها، وجدوا أنها تؤثر فعلا على ما يصل إلى 46 % من الأطفال الذين يعانون من صعوبات في القراءة والتعلم، وحوالي 30% من الأشخاص المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وعسر القراءة، والتوحد، والذين يعانون من إصابة في الرأس، وغيرها من ضعف في بعض الوظائف لدى الطفل خصوصًا في البصر.

"الدستور" تستعرض خلال هذا التقرير حكايات مختلفة لمصابي متلازمة إرلن، وما هي المتلازمة، وكيف تجعل المصابين بها غير قادرين على ممارسة حياتهم بشكل طبعيّ، وإلى أيّ درجة تؤثر على الأطفال وتسبب لهم مشاكل عديدة، منها القراءة، والكتابة، وانخفاض الرؤية البصرية لديهم.

كان محمود هاشم، طالب بإحدى المدارس المختصة بذوي الإعاقات، في محافظة كفر الشيخ، أُصيب بمتلازمة إرلن عند عامه الرابع من ولادته، حيث اكتشفت والدته إصابته بمتلازمة إرلن بعدما ظهرت عليه أعراضًا توحي بانخفاض الرؤية لدية، وعدم استيعابه الدروس العلمية التي كان يدرسها في "الحضانة"، إلى جانب عدة علامات قلّلت نسبة التركيز عنده حتى أصبح لا يطيق المذاكرة والدراسة بشكل عام.

تقول والدة محمود، إن ابنها كان إلى العام الرابع من عمره، حريصًا على اللعب بين الأطفال، وكان يمتلك قدرة من الوعي والاستيعاب لكل ما يحدث حوله، لذلك لم نشك أبدًا أنَّه قد يكون مُصاب بمتلازمة إرلن، ولم تظهر عليه أيّة أعراض، إلّا أنَّ بداية أعراضه ظهرت مع بداية العام الرابع له، إذ بانخفاض في الرؤية البصرية وصداعًا بالرأس.

تُضيف والدة محمود لـ"الدستور": "قمنا بالكشف عليه عند أطباء كثيرين، وقالوا إنَّه ضعف بصري، ووصفوا له علاجًا كلًا منهم حسب رؤيته الطبيّة، مؤكدين بعد تناول عدد من الأدوية سيتعافى طفلها ويستعيد قوته مرة أخرى، ولكن دون جدوى حتَّى عامه الخامس".

توضح الوالدة، إن ابنها كان يرفض كثيرًا الذهاب إلى المدرسة، وكان يكره المذاكرة بسبب المعاناه التي كان يواجهها، وبعدما اكتشفنا نهائيًا أنَّه بالفعل أُصيب بـ"متلازمة إرلن"، بدأنا البحث عن علاجة والمساعدات التي تعينه على تخفيف تلك الألآم حتى يدرج حياته ولو بنسبة متوسطة ويتألف على طبيعته، ولكن ما زال الطفل يعاني من هذا المرض.

تقول رشا أنور، مدير مركز "إرلن مصر"، الوحيد في مصر لعلاج متلازمة إرلن والمعتمد من معهد إرلن بأمريكا، إنَّ متلازمة إرلن تجعل العقل يكافح لفهم المعلومات المرئية التي يتلقاها؛ ما يسبب مجموعة متنوعة من الأعراض والتشوهات البصرية وصولا إلى الأعراض الجسدية مثل الصداع والصداع النصفي والإجهاد والتعب ومشاكل إدراك العمق في بعض البيئات والمواقف، مثل الإضاءة الساطعة و"الفلوري" التي قد تزداد معها الأعراض سوءًا، وقد تختلف الأعراض باختلاف الأشخاص، ولكن الفهم الجيد لعمق واتساع التأثير الذي يمكن أن تحدثه متلازمة إرلن هو مفتاح معالجة الحالة بنجاح وإزالتها كحاجز للتعلم.

تُضيف إنَّ متلازمة إرلن تحدث بسبب خلل في الجينات والاستعداد الوراثي في بعض الأسر، ولذلك فهي غالبًا ما توجد عند أكثر من شخص في نفس العائلة، حتى وإن اختلفت الأعراض من بين كل منهم، وتؤثر متلازمة إرلن على الكثير من مجالات العمل المختلفة بما في ذلك الصحة والرفاهية، والانتباه، والتركيز، والسلوك، وإدراك العمق، والأداء الأكاديمي، ولا يقتصر التأثير على الأداء الأكاديمي على القراءة؛ حيث يمكن أن تؤثر الحالة أيضًا على حساب الرياضيات والكتابة اليدوية والنسخ وحتى الاستماع، كما يمكن أن يؤثر على السلوك في الفصل الدراسي، ومدة استمرار الطفل في التركيز، ومدى سرعة إنجاز الطفل للعمل، وغيرها من المضاعفات.

15 عامًا ومازال أحمد إبراهيم، طالب بالصف الثاني الإعدادي، لديه بعض المشاكل أوّلهُم القراءة والكتابة، وما زال يعاني من ذاكرته التي يصفها والده بأصحاب "الزهايمر" ودرجة ذكاءه التي تكاد تكون منعدمة لا يستطيع الفهم كباقي الأشخاص، ولكنَّه مُستمر في الدراسة على أمل شفاؤه يوما ما، خصوصا بعدما فقد ثقة العلاج بعد أن خاض رحلة طويلة مع أطباء متخصصين في مصر، دون تحسّن لحالته.

يقول والده: "اكتشافنا إصابة "أحمد" بعدما شاع مرض متلازمة إرلن ووجود عدد كبير قد أُصيبوا به، خصوصا الأعراض التي ظهرت على "أحمد" كانت مُطابقة تمامًا لما ذكره أطباء متخصصين لعلاج متلازمة إرلن حول العالم"، مشيرًا إلى أنَّ نجله خاض رحلة طويلة من الكشوفات مع عدد كبير من الأطباء ولكن دون جدوى، وذلك لأنه قليل نسبيًا في مصر وغالبيًا ما ينتج وراثيًا.

ويُضيف والد أحمد، أنَّ الأساتذة كانوا يشكون دومًا بعدم تركيز نجله أثناء الحصص الدراسية بالمدرسة، لذلك حرصت أخته على مساعدته وتعاملت معه من خلال كورسات حصلت عليها بطريقة "أون لاين" وتعلّمت من خلالها كيف تدير شقيقها وكيف تساعده على تعلمه القراءة والكتابة ولو بنسبة بسيطة.

وجاءت آخر الأبحاث التي أجريت حول متلازمة إرلن بما هو أبعد من القراءة والكتابة وضعف في الرؤية البصري، حيث أفاد أن ما يصل إلى 80% من الأفراد في طيف التوحد بأن لديهم تصورًا مشوهًا، وقد أظهرت الأبحاث حول متلازمة إرلن والتوحد أن التدخلات من أجل متلازمة إرلن تصحح بنجاح هذا العالم المشوه لجعله واضحًا ومستقرًا، وهو ما ينطبق على الأفراد الذين يعانون من الصداع والصعوبات الأكاديمية بعد ارتجاج أو إصابة في الرأس.

تقول الدكتورة فاطمة إبراهيم، أخصائي طب نفسي الأطفال للأمراض النفسية والعصب، إنَّ متلازمة إيرلن هي في الغالب ناتجة عن زيادة حساسية الجهاز البصري العصبي، ولا تصنف في حد ذاتها اضطرابا نفسيا، إلا أنَّ هنالك الكثير من الطلاب في المدارس والجامعات، تم تشخيصهم تشخيصًا خاطئًا على أنهم يعانون نوعًا أو شكلا من أشكال صعوبات التعلم مثل عسر القراءة عسر الكتابة أو بطء التعلم، وذلك بسبب عدم الإلمام أو المعرفة الكافية بكيفية تشخيص الصعوبات التعليمة والتفريق بينها وبين متلازمة إيرلندا لصعوبة تشخيص هذه المتلازمة، والتي بدورها قد تؤدي إلى عسر القراءة، كما أظهرت الأبحاث والدراسات.

وتُضيف أخصائي طب النفس، أنَّ صعوبة تشخيص متلازمة إرلن، تعطي نتائج عديدة من التشخيصات للطفل المُصاب، وقد يتم تحويله عيادة طب نفس الأطفال، على أنه مُصاب بتأخر عقلي أو آخر من المشاكل النفسية والعقلية، لذا يجب تقييم وتشخيص الحالة جيَّدا وتحديد درجة المتلازمة وبناء عليه يتم تحديد طريقة التدخل العلاجي.

وتنصح طبيبة النفس، أولياء الأمور والمعلمين والكادر الأكاديمي، بأن يتم تقييم الطلاب في المرحلة الأساسية الأولى من التعليم، ومن ثم اكتشاف صعوبات تعليمية لديهم، يجرى لهم فحص متلازمة إيرلن قبل تصنيفهم كمعسرين قرائيًا وقبل البدء في أي طرق أو برنامج تدخل تعليمي حتى يكونوا على يقين من فاعلية البرنامج ومدى استجابة الطالب لها.

وتشير بعض الدراسات إلى أن 47% من الأطفال ذوي عسر القراءة ربما يعانون في الحقيقة من متلازمة إرلن، ولكن الطفل لا يتحسن في الحقيقة باستخدام البرامج العلاجية الاعتيادية لصعوبات التعلم.