رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السلطة مسئولية يا حكومة «حسُن النية»!


إن ما يحتاج الحصانة هو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى الدستور، ما يحتاج الحصانة هو الحريات التى حصل عليها الشعب المصرى بثورته وتضحية أبنائه بدمائهم. إن ما يحتاج الحصانة هو الاستقلال الوطنى من أجل منع العودة إلى التبعية. أين حمرة الخجل ياحكومة حسن النية؟!

من العجب ومن المدهش أن الحكومة الببلاوية تتحرك أبطأ من السلحفاة فى قراراتها التى تخص تحسين الأحوال المعيشية للطبقات الفقيرة الشعبية، وتحسين الخدمات، وحل الأزمات المستمرة، ومنها أزمة البوتاجاز وأزمة ارتفاع الأسعار، وهى لا تجرؤ أيضاًً على اتخاذ قرارات تعالج هيكل المرتبات بوضع حد أقصى للأجور وضرائب تصاعدية. ولا تجرؤ على تنفيذ القوانين التى لديها لمواجهة الذين ينشرون الفوضى والعنف فى المجتمع ويشلون حياة المواطنين. ولا نسمع لها صوتاً ولا نرى قانوناً يوحد الله للعدالة الانتقالية يطفئ لهيب قلوب أهالى الشهداء، ولا تقوم فيه باتخاذ قرارات لتطهير المؤسسات من الفاسدين المعينين أيام المخلوع. كما لا تقوم بتطهير من قام بتعيينهم الرئيس المعزول من الجماعة الإرهابية الإخوانية لتمكين الإخوان ومعاونيهم ومؤيديهم من قوى الشر فى الداخل والخارج. كما يتحدث الكثيرون من أعضاء الحكومة ليل نهار عن التصالح مع من تلوثت يدهم بالدماء وآخرهم الطفلة مريم بكنيسة العذراء والطفل محمد بدوى بالعمرانية، ضحايا رصاص الغدر والخسة. لا يخجل دعاة التصالح من عقد الصفقات المشبوهة مع الجماعات المتأسلمة الإرهابية لتمكينها من العودة مرة ثانية إلى السلطة، وبهذا يمهدون لتنفيذ المشروع الصهيو - أمريكى إخوانى، مشروع الشرق الأوسط الكبير لتفتيت الدول العربية.

تهرب الحكومة «الببلاوية» من فشلها وتخاذلها وشللها بالعمل على سن قوانين مقيدة للحريات تحت زعم تنظيم التظاهر، هذه الحريات التى حصل عليها الشعب المصرى بالدم. لقد أرجع مجلس الدولة مشروع القانون إلى الحكومة مرة أخرى معترضا على المواد التى تجرم الإضراب، لأنه حق عمالى، ومعترضاً على المواد التى تفرض غرامات باهظة على المشاركين فى المظاهرات.

إن القوى الثورية تعى تماما أننا فى مرحلة الحرب على الإرهاب، ولكن مواجهة الإرهابيين تتم بتفعيل القوانين القائمة التى تجرم أى تظاهر غير سلمى، ومنها قانون العقوبات المصرى. وإذا كانت هذه القوانين غير كافية فمن الممكن تعديلها وسن قوانين أخرى لتغليظ العقوبات على جرائم العنف التى يشهدها المجتمع الآن.

لن تقبل القوى الثورية ولا الشعب المصرى سلب حقه فى التعبير السلمى، أو سن قوانين ترجع بنا إلى الدولة الإرهابية البوليسية التى ثار عليها المصريون فى يناير 2011، أو إلى دولة الجماعة الفاشية الدموية التى ثار عليها المصريون فى 2013، وبدلاً من أن تقوم الحكومة بواجباتها ويقوم الوزراء وفقا لسلطاتهم ومسئولياتهم باتخاذ القرارات، إذا بهم يجلسون، يتهامسون، يتشاورون، يتناقشون فى قانون «حسُن النية»! يعنى إيه ياجماعة؟ يعنى نعمل تحصين للوزراء إذا أخطأوا، ونشجعهم على اتخاذ القرارت المضرة بالبلاد طالما أن الوزير كان لا يقصد ومسلحا بحسُن النية «حتى لو ودانا فى داهية»؟!

ومن المعروف أن العقوبة الجنائية شخصية، «أى تقع على الشخص الذى ارتكب الفعل الجنائى» ولا تكون المسئولية للفعل الجنائى كاملة إلا إذا تحقق القصد الجنائى. ومن المعروف أيضاً أن أى سلطة لابد وأن يقابلها مسئولية، أى أنه إذا كان أى أحد فى منصب لا يستطيع أن يتحمل المسئولية فعليه مشكورا أن يترك مكانه لمن يتحملون المسئولية ولديهم الجرأة والشجاعة فى اتخاذ القرارات دون طلب التحصين.

ما معنى إعداد مشروع قانون لحماية المسئولين إذا أخطأوا تحت بند أن هذه الأخطاء تمت بحسن النية؟‍! هل نحن فى دولة القانون أم لا؟ دولة القانون تعنى معاقبة من يخالف القانون، وحسن النية يخفف الجرم من جناية إلى جنحة ولكن لا يبرئ منها. إن تحصين المسئولية يساعد على الخروج على القانون ومخالفته تحت بند: «والله ماكانش قصدى»!

هذا الكلام معناه أن يتم اتخاذ قرارات يهدر بموجبها المال العام أو يتم الإضرار بالبلاد، وفى الآخر يقولون: «ماكانش قصدنا»! وطبعاً لا يكتفى المسئولون بهذا القدر، فإن لجنة الخمسين نفسها، والتى تضع دستورا لكل المصريين، يوجد بها بعض الفئات التى تريد كل منها حصانة لنفسها، «يعنى جت عليهم»؟!

يتصور البعض أن الدستور كعكة كبيرة، كل فئة تأخذ جزءا منها لصالحها أو لحصانتها. الدستور ياسادة لمصلحة الشعب، وليس حلبة منافسة لمن يستطيع أن يأخذ لنفسه قطعة أكبر.

إن ما يحتاج الحصانة هو الشعب المصرى. إن ما يحتاج الحصانة هو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى الدستور، ما يحتاج الحصانة هو الحريات التى حصل عليها الشعب المصرى بثورته وتضحية أبنائه بدمائهم. إن ما يحتاج الحصانة هو الاستقلال الوطنى من أجل منع العودة إلى التبعية. أين حمرة الخجل ياحكومة حسن النية؟!

■ ناشطة سياسية