رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خالد الطوخى يكتب: العلماء.. خط الدفاع الأول فى معركة «كورونا»

خالد الطوخى
خالد الطوخى

كان وما زال وسيظل العلماء فى كل مكان وفى كل زمان هم أصحاب الكلمة الأولى والأخيرة حينما يتعلق الأمر بأى أخطار تهدد البشرية، وعلى وجه الخصوص أخطار الأوبئة والأمراض الغامضة، فعلى مر التاريخ نجد فئة العلماء هم الذين يتحولون فى مثل تلك الأزمات إلى ما يشبه حائط الصد، مشكلين خط الدفاع الأول عن البشرية جمعاء، وهذا الكلام ليس كلامًا إنشائيًا وإنما هو الواقع الذى نعيشه بالفعل، وأقرب مثال على ذلك أنه ما إن ظهر فيروس «كورونا» اللعين حتى فوجئنا بهذا الاهتمام المتزايد من جانب العلماء الذين اتخذوا من معاملهم نقطة الارتكاز الأساسية لمواجهة هذا العدو الغامض، وحوّلوا مراكزهم العلمية إلى مخازن للذخيرة الحية التى يطلقون من خلالها قذائفهم الفتاكة ضد الفيروس، الذى على الرغم من أنه لا يُرى بالعين المجردة إلا أنه أصاب البشرية جمعاء فى مقتل وأربك الحياة على وجه الكرة الأرضية بالكامل.
وهنا يبرز الدور الإنسانى الذى يقوم به العلماء والباحثون والمختصون فى الدراسات العلمية الدقيقة، فعلى الرغم من أنه لم تظهر حتى الآن نتائج مؤكدة عن الوصول إلى علاج حقيقى لهذا الفيروس، وعلى الرغم أيضًا من أنه حتى الآن لم يتم الإعلان عن التوصل إلى مصل قادر على مجابهة الفيروس، فإن هناك أخبارًا مفرحة ومبهجة، يتم الإعلان عنها عبر وسائل الإعلام، عن توصل هذا العالم أو ذاك إلى علاج فعال، وتشير إلى دراسة علمية تعطى الأمل فى محاصرة «كورونا» باستخدام عقاقير وأدوية موجودة بالفعل، فقط تحتاج إلى تطوير بسيط للمادة الفعالة، وهو فى تقديرى الشخصى أمر فى غاية الأهمية، ويبرز أهمية ما يقوم به أهل الاختصاص من العلماء والباحثين والدارسين.
وفى هذا السياق، استوقفتنى مؤخرًا عدة تقارير علمية تجسّد بوضوح هذا السباق المحموم من جانب الدول لمحاصرة فيروس «كورونا» وتحجيمه والتقليل من حجم الخسائر المترتبة عنه، وكان من أهم ما جعلنى أشعر بالتفاؤل أن هناك خمسة أخبار مبهجة عن فيروس «كورونا» تناولتها وسائل الإعلام، تعطى الأمل فى فهم هذا الفيروس والسيطرة عليه.
أول هذه الأخبار المبهجة أن مرضى «كورونا» للمرة الثانية لا ينقلون العدوى بما لديهم من أجسام مضادة، فقد توصل الباحثون فى المراكز الكورية لمكافحة الأمراض والوقاية منها إلى أدلة جديدة تؤكد أن المرضى الذين ثبتت إصابتهم بفيروس «كورونا» للمرة الثانية بعد الشفاء منه أول مرة غير قادرين على نقل العدوى للآخرين، ويمكن أن تكون لديهم أجسام مضادة تمنعهم من الإصابة بالمرض مرة أخرى، وذلك يعنى أن المرضى كانوا يتخلصون من جزيئات الفيروس غير المعدية أو الميتة المتبقية فى أجسادهم بعد العدوى الأولى.
والأمر الثانى الذى يدعو للتفاؤل أن المصابين بفيروسات تاجية مشابهة لـ«كورونا» يحتفظون بأجسام مضادة محايدة لسنوات بعد الإصابة، فقد وجدت دراسة حديثة، أُجريت فى سنغافورة على أشخاص أُصيبوا بمتلازمة تنفسية حادة شديدة وهى متلازمة «سارس»، أنهم يحتفظون «بمستويات كبيرة من الأجسام المضادة المحايدة» لمدة تتراوح بين ٩ و١٧ عامًا بعد الإصابة الأولية، وبما أن فيروس «كورونا المستجد» هو أحد عائلة فيروس «سارس» فإن هذا الاكتشاف هو علامة واعدة أخرى على أن البشر قد يطورون مناعة طويلة الأمد ضد فيروس «كورونا».
أما الشىء الذى يبعث فى النفس الشعور بالاطمئنان وبأن القادم أفضل، فهى تلك الأخبار التى تشير إلى أن لقاحًا تجريبيًا تم اختباره على البشر وله نتائج إيجابية، فهناك لقاح واحد لفيروس «كورونا» تم اختباره بالفعل على البشر، وفى هذه المرحلة المبكرة يبدو أنه آمن وفعال، حسبما أعلنت الشركة المصنعة له، وهى شركة التكنولوجيا الحيوية فى ماساتشوستس بأمريكا، وقد أثبتت التجارب المعملية بالفعل تحقيقه نتائج مبشرة واعدة، وقام العلماء بتجربة اللقاح على ٨ من البشر، وكانت النتيجة أن طور المشاركون الثمانية الذين تلقوا جرعتين من اللقاح أجسامًا مضادة محايدة مماثلة لتلك الموجودة فى مرضى «كورونا» بعد التعافى.
وهذا اللقاح الذى تمت الإشارة إليه هو من النوع الجديد القائم على خاصية تجعل المادة أكثر أمانًا وأسهل فى الإنتاج الضخم من اللقاحات التقليدية، لكن فى الوقت الحاضر لم يتم ترخيص أى لقاح قائم على الخاصية التى تجعل المادة أكثر أمانًا وأسهل فى الإنتاج الضخم من اللقاحات التقليدية للاستخدام فى أى مكان فى العالم.
وفى الوقت الذى يتزايد فيه الحرص على استخدام الكمامات، فقد ظهرت أخبار علمية مطمئنة تشير إلى أن الكمامات تساعد بالفعل فى الوقاية من «كورونا»، فقد أكد باحثون بجامعة «هونج كونج» أن الكمامات قللت الإصابة بفيروس «كورونا» بنسبة تصل إلى ٧٥٪، وهذا الأمر لم يكن مجرد اجتهادات عامة بل هو نتيجة علمية لدراسات دقيقة درس خلالها الباحثون انتقال الفيروس بين فئران «الهامستر»، ووجدوا أن نصفها أُصيب بفيروس «كورونا» والنصف الآخر بصحة جيدة، وقاموا بتحليل سيناريوهات مختلفة تمت فيها تغطية أقفاص الفئران بمواد قناع الوجه وأقفاص أخرى لم تتم تغطيتها، وكانت المفاجأة أن الباحثين وجدوا بوضوح شديد أن تغطية الأنف والفم فعالة بشكل كبير فى الحد من انتشار فيروس «كورونا».
وتتوالى الأخبار المبهجة التى تناولت «كورونا» خلال الفترة الأخيرة، لنجد أنفسنا أمام أمر فى منتهى الأهمية، وهو أن تناول فيتامين «د» يساعد على الوقاية من أخطار فيروس كورونا، خاصة بعد أن وجد العديد من فرق البحث أن المرضى الأكثر عرضة لمضاعفات كورونا لديهم مستويات منخفضة جدًا من فيتامين «د»، كما تميل البلدان التى لديها معدلات وفاة عالية من كورونا إلى ارتفاع معدلات نقص فيتامين «د» بين سكانها، وهناك سبب للاعتقاد بأن مستويات فيتامين «د» تساعد فى منع عواصف السيتوكين، حيث يتفاعل الجهاز المناعى للشخص مع عدوى فيروس كورونا ويبدأ فى مهاجمة خلايا الجسم نفسه بدلًا من الفيروس.
إن ما استوقفنى من أخبار مبهجة فى تقديرى الشخصى ما هو إلا جزء قليل جدًا مما يتم حاليًا بالفعل داخل المعامل وداخل المراكز البحثية، فمن أهم ما يميّز العلم أنه يتطور مع الاكتشافات الجديدة ويصحح نفسه تلقائيًا، ويعتمد فى منهجه على الملاحظة والفحص والتجريب، ثم يتم تصنيف النتائج ومقارنتها مع بعضها البعض.. الجدير بالذكر أن العالِم الذى يدرس ظاهرة ما يضع فرضيات لتفسيرها، فإذا ثبتت صحتها تصبح ضمن القوانين والنظريات، ويمكن لهذه النظريات أن تفسّر العديد من المشكلات والظواهر المختلفة، كما من شأنها أن تيسّر سبل الحياة إذا ما تم توظيفها بالطرق الصحيحة، أما العلماء فهم المختصون الذى يعملون جاهدين لتوظيف العلم فى خدمة الإنسانية، فمن العلم ما يُعمِّر ويُطور، ومنه ما يُدمِّر ويُفسد، ويعود ذلك إلى طريقة استخدامه، فالعلم الذى يجب أن يسعى إليه العالِم هو ما ينفع الناس استنادًا إلى قول سيدنا محمد، عليه أفضل الصلاة والسلام: «اللهمَّ إنى أسألك علمًا نافعًا».