رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل يكظم «الكاظمى» غضبه؟!


حال العراق لا يرضى حبيبًا، منذ عشرين سنة تقريبًا، وبالتدريج، لم يعد يسر أو يطمئن عدوًا، وبالتالى، كان طبيعيًا ومنطقيًا أن يكسو الغضب أول أقوال وأفعال، وتصريحات وقرارات، رئيس الوزراء الجديد، الذى لا نريده أن يكظم غضبه، ونتمنى أن تتمكن حكومته من تحقيق تطلعات وطموحات الشعب العراقى الشقيق فى سيادته وأمنه واستقراره.
معارك العراقيين ضد تنظيم «داعش» كانت محتدمة، فى يونيو ٢٠١٦، حين فاجأهم حيدر العبادى، رئيس الوزراء الأسبق، وفاجأنا، بتعيين مصطفى الكاظمى، الصحفى المعروف داخل البلاد وخارجها، رئيسًا لجهاز المخابرات. غير أن وقع المفاجأة كان أقل حين أنهى التوافق على الكاظمى خمسة أشهر من الارتباك، عجزت خلالها عدة شخصيات عن تشكيل الحكومة.
فى أول خطابٍ تليفزيونى، بعد تسميته رئيسًا للحكومة، قال الكاظمى إن أهداف حكومته ستكون: محاربة الفساد، ووضع أسس «نظام صحى حديث» لمواجهة مخاطر تفشى وباء «كورونا»، وإعادة النازحين إلى ديارهم، ثم لمس السلك العريان بتشديده على أن السلاح يجب أن يكون فى أيدى الجيش العراقى وحده. وبتعليمات مباشرة منه، نفذت القوات الأمنية العراقية فجر أمس الأول، الإثنين، عملية مداهمة، لمقر حزب يجاهر بولائه لإيران فى البصرة، تم من داخله إطلاق الرصاص الحى على متظاهرين، ما أدى إلى مقتل أحدهم وإصابة آخرين.
فى ظل تصاعد نفوذ الميليشيات المسلحة فى الحياة السياسية العراقية، قال المكتب الإعلامى لرئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، فى بيان، إن «القوة الأمنية اعتقلت جميع الموجودين داخل البناية، وصادرت الأسلحة والذخائر التى كانت بحوزتهم، وتمت إحالة المتهمين إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل». وبينما لم يذكر بيان المكتب الإعلامى اسم الجهة التى استهدفتها المداهمة، أعلنت شرطة محافظة البصرة عن أنها أغلقت مقرًا لـ«حزب ثأر الله»، الذى يوصف بأنه إسلامى، وألقت القبض على من فيه.
تلك هى المرة الأولى التى نرى فيها إجراءً من هذا النوع ضد كيان موالٍ أو تابع لإيران، جرى ويجرى اتهامه منذ سنوات، مع كيانات أخرى شبيهة، بارتكاب مئات الجرائم، بينها اغتيال سياسيين وصحفيين ومتظاهرين. وما قد يُطمئن أكثر هو أن الكاظمى كتب فى حسابه على تويتر: «وعدنا بأن المتورطين بدم العراقيين لن يناموا ليلهم، نحن نفى بالوعد».
يُطمئن أيضًا، أن يتم بالتزامن، إزالة جدارية كبيرة تجمع بين الإيرانى قاسم سليمانى، قائد «فيلق القدس» وتابعه أبومهدى المهندس اللذين قامت القوات الأمريكية بتصفيتهما بداية العام الجارى. وكانت مديرية الإعلام فى «الحشد الشعبى العراقى»، التابع لإيران، قد زعمت، الإثنين، أن الصورة «تمزقت بسبب الرياح»، وأكدت أنها ستعاد فى وقت لاحق، إلا أن الصورة الجديدة كانت للمهندس فقط، وهو يحمل علم العراق.
تنشين الفرقاطة التابعة للجيش الإيرانى على بارجة تابعة للجيش نفسه، وإصابتها بصاروخ أسفر عن مصرع وإصابة عدد من الجنود والبحارة وكبار الضباط، جعلنا نتذكر، فى مقال أمس، حالة «حَوَل» شبيهة، أصاب خلالها صاروخ إيرانى طائرة ركاب أوكرانية وقتل ١٧٦ شخصًا، معظمهم إيرانيون، خلال هجمات صاروخية، على قاعدتين عسكريتين فى العراق، انتقامًا لتصفية سليمانى وتابعه، واستكمالًا لـ«الخناقة الأمريكية الإيرانية» على جثة البلد الشقيق، الذى تحول إلى «مُولد وصاحبه تايه»، وتحت هذا العنوان، أشرنا وقتها، إلى أن المواجهة بين الطرفين، صارت على المكشوف. وعليه، كان منطقيًا أن يستقبل الكاظمى، السبت، فى ثانى نشاط له بعد تسلمه مهام منصبه، السفيرين الأمريكى والإيرانى.
مع السفير الأمريكى، بحث الكاظمى العلاقات الثنائية بين البلدين، بما فى ذلك التعاون والتنسيق المشترك. وقال بيان للمكتب الإعلامى، إن رئيس الوزراء أكد «ضرورة التعاون والتنسيق بين البلدين فى المجالات الاقتصادية والأمنية، ومواجهة الإرهاب، والتحضير للحوار الاستراتيجى بين البلدين». كما شدد على أن «العراق لن يكون ساحة لتصفيات الحسابات والاعتداء على أى دولة جارة أو صديقة». وفى لقائه مع السفير الإيرانى، أكد الكاظمى حرص العراق على إقامة أفضل العلاقات مع جميع دول الجوار بما يخدم المصالح المشتركة.
بغداد وواشنطن تستعدان لحوار استراتيجى، منتصف الشهر المقبل، بشأن مستقبل الوجود العسكرى الأمريكى فى العراق. ولعلك تعرف، كما يعرف القاصى والدانى والواقف أن طهران، وأنقرة، والدوحة، تدعم الجماعات الإرهابية، أمريكية التوجيه والمنشأ، ومع إضافة «إسرائيل»، يمكنك بسهولة استنتاج أن توزيع الأدوار بهذا الشكل ‏المربك يستهدف التشويش أو «الغلوشة» على أى محاولة لتجاوز الأزمات التى يعيشها العراق ودول عديدة فى المنطقة.
التصريحات، القرارات، الأقوال، والأفعال الغاضبة، إذن، عادية، وطبيعية، ومنطقية، ونتمنى ألا يكظم «الكاظمى» غضبه تحت تأثير العراقيل، التى وضعتها وتضعها وستضعها بعض الكتل السياسية أمامه، أو بفعل ثوابت ومتغيرات اختلط فيها الحابل بالنابل، أو على وقع مشكلات وأزمات يتزاحم فيها العاجل والآجل.