رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حسني الإتلاتي: هناك علامات استفهام على الجوائز.. وغالبا ما تذهب لغير أصحابها (حوار)

حسني الإتلاتي
حسني الإتلاتي

حسني الإتلاتي من مواليد مطاي المنيا ١٩٧١ تخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية جامعة المنيا 1993، متزوج ويقيم في أسوان منذ ١٩٩٦ معلم خبير لغة عربية بإدارة أسوان التعليمية، أصدر خمسة دواوين "نتوءات على جسد نحيل" 1999 "البشارة" "أغاني الحب والثورة" 2002 "نقوش على جدار الروح" 2014 "الأبيض يفرض سطوته" 2014 "الغبار" "للمهزومين أن يفخروا بالبطولة" 2019، وأعد منذ أيام للطباعة ديوانه العامي الأول "ناي يؤرقه الحنين".

يعتبر حسني الإتلاتي من شعراء الرفض والتمرد ويحمل الكثير من الأسباب حول مفاهيم المركزية والشللية ومساحات النقد ودوافع منح ومنع الجوائز والأهم موقف شعراء الجنوب أو الصعيد مما يحدث في القاهرة شعريا وإنسانيا.

"الدستور" التقت الشاعر حسني الإتلاتي وكان لنا معه هذا الحوار:

_ماذا تعني لك الكتابة بشكل عام وخاصة المسار الشعري؟
الكتابة إثبات أنني على قيد الحياة والفترات التي تبعد عني القصيدة يخالطني إحساس مؤلم قريب من إحساس نبي حين يغيب الوحي.. الشاعر الٱن عاد مرة أخرى لجمهوره والفضل لشبكات التواصل الاجتماعي، حيث يكتب الٱن بصورة شبه يومية يواكب الأحداث ويحيي جمهوره ويبادله الجمهور تحية الإعجاب، أذكر أنني رأيت صورة لجندي استشهد في سيناء فكتبت تعليقا على الفور نصا بالعامية ( كان أبوك مستني رجوعك تعدل المايلة)، فوجئت بإعادة نشره كنسخ ولصقة بالفضاء الأزرق الذي منحنا شيئا من تكافؤ الفرص.

وماذا عن علاقتك بالقاهرة؟
لم تعد مركزية القاهرة ولم تعد مركزية الصحف والمجلات القاهرية التي كانت تمنح المبدع صك الشهرة والوجود ولعل عمرو حسن وغيره من الجيل الجديد أفادوا كثيرا من هذا، حتى في الغناء أصبح اليوتيوب هو الباب الرئيسي للنجومية مثل فرقة كايروكي وحمزة نمرة، وكذلك نجوم المهرجانات التي غزت البيوت والشوارع، كذلك نجوم الدراما الأقرب للاسكتشات مثل الحج الضوي، كل هؤلاء حققت فيديوهاتهم عشرات الملايين من المشاهدة، فاستضافهم الإعلام وصاروا نجوما واكتشفوا شرعية الوجود.

وماذا عن علاقتك بالجوائز وأنت الرافض دائما الحديث في هذا الإطار؟
هناك علامات استفهام على الجوائز والجوائز غالبا تذهب لغير أصحابها، وهي في وطننا العربي عامة يشوبها الفساد، الجوائز لا تصنع كاتبًا، لكن تدعمه، الإبداع ليس مادة جامدة تقاس بوحدة الحجم أو الكتلة أو الوزن، لغالبا لا يحصل الحقيقيون على التكريم في حياتهم، ربما قبل وفاتهم بقليل أو بعد وفاتهم لم يحصل أمل دنقل على جائزة، ويقال أن العقاد وصنع الله إبراهيم وغيرهما رفضا استلام جوائزهم، أمل دنقل كان ممنوعا من النشر لخلافاته السياسية (أيام السادات رحمه الله) وكثيرون مثل أحمد فؤاد نجم ومحمود السعدني وكثيرون حرموا التقدير وقت احتياجهم له، غالبا تأتي جوائز الدولة (مثل منحة التفرغ) كإعانة بطالة أو كإعانة مريض أو كمساعدة لأسرة المتوفى، ماذا يفعل عبدالناصر علام بجائزة الدولة التشجيعية له بعد موته، وماذا يفعل مبدع يتم تكريمه في مؤتمر يحضره الورثة ليأخذوا ورقة بخمسة جنيهات عليها ختم المؤسسة أو درعا زجاجيا بسبعين جنيها، وكيف تكون جائزة مركزية للديوان الفائز مركز أول 4000 جنيه، في حين قصيدة ثلاثون بيتا في مسابقات كتارا أو البردة العربية ما يعادل بضع ملايين من الجنيهات.
- ذكرت الكثير من المفارقات والتناقضات المدهشة في إطار الكتابة والجوائز أيضًا فماذا تتذكر منها؟
أذكر حين كانت الحركة الثقافية في عنفوانها في التسعينات والعشر سنوات الأولى بعد الألفين حصلت بقصيدة "إتلات" المكتوبة بخط اليد مخالفة لشرط كتابة النص على الحاسوب، حصلت على المركز الأول في مؤتمر أنس الوجود وبورقة بخط اليد وثرثرة النوام 2000 عام 2004 على المركز الأول في دورة البابطين في نقد وتذوق وحفظ عيون الشعر فاز "الأبيض يفرض سطوته" بترشيح لجنة التحكيم عن مركز عماد على قطري، وفاز ديوان "البشارة" على الثالث عربيا عن دار النيل والفرات ٢٠١٨، وفازت قصيدة "إتلات" على المركز الثاني عربيا مؤسسة "أوسكار" الدولية للفنون والآداب 2018.. الٱن بعض المحكمين يعطون الجوائز لبعض أصدقائهم، ينبغي أن تكون الجوائز لمن يستحق فقط.

_كثيرا ما تحدثت في برامج إذاعية وتليفزيونية عن سطوة القاهرة وتحكم الشللية في كل نشاطاتها وفعالياتها كيف تفسسر ذلك؟
لا ننكر سطوة القاهرة امتلاكها سلطة الوأد والإحياء للعديد من النجوم والتيارات، وربما تصدق المقولة الشعبية البعيد عن العين بعيد عن القلب وربما العكس، فالبعيد غالبا يملك تعاطفا أكثر وسحرا غامضا.. ربما يلجأ الجنوبيون إلى الإبداع كمعادل موضوعي لوجودهم فهم غير موجودين على خارطة الحياة مجازا وواقعا إلى حد بعيد نظرا لتهميشهم المستمر عن غير قصد أو عن قصد.

- ولماذا أنت بعيد عن الساحة والوسط الثقافي؟
أنا لست بعيد عن الساحة فقد ألقيت أشعاري في مؤتمر دندرة الثقافي أمام أكثر من 10 آلاف من الحضور من مصر والبلاد العربية وأبناء الجاليات الإسلامية، وقرأت أشعاري في المنصورة والزقازيق والغردقة والقاهرة وبورسعيد وسوهاج والمنيا وقنا الأقصر وأسوان، وشاركت بمؤتمرات الهيئة العامة لقصور الثقافة الإقليمية والفرعية والعامة وحللت ضيفا على نوادي أدب عديدة في محافظات مختلفة، وأشارك باحثا ومناقشا لإبداعات الآخرين.. إنني وبفضل الله من مكاني هنا عندي آخر نقطة في أرض مصر جنوبا وأول نقطة ماء عذبة.. استطعت أن أنشر في أغلب الصحف والمجلات الرسمية والخاصة المصرية والعربية المتخصصة أو التي لها صفحة خاصة بالأدب ومواقع إلكترونية لا حصر لها، وقد سجلت للقناة الأولى وللبرنامج العام برنامج مع الأدباء الشبان كان في عام 2000، وقد حصل كتابي "الأبيض يفرض سطوته" على ترشيح لجنة التحكيم للنشر العام 2014 عن مركز عماد قطري للإبداع والتنمية الثقافية، وحصل ديواني البشارة أغاني الحب والثورة على المركز الثالث عربيا عن دار النيل والفرات دورة 2018، وحصلت قصيدة إتلات على الثاني عربيا مؤسسة أوسكار للفنون والآداب 2017، للأسف.. فالإعلام المصري كسول وبراجماتي ويميل للوجبات ( التيك اواي).

_وهل يمثل شكل القصيدة عائقا في مسار عالمك الشعري؟
الشكل الشعري مثل كأس من الزجاج الشفاف يصف ما بداخله لكن لا يكسبه اللون ولا الطعم ولا الرائحة، فالمهم ليس شكل الكأس فقد تكون باذخة الجمال غالية الثمن، لكن بها مشروب من الخل، وقد تكون عبوة بلاستيكية داخلها عسل طبيعي من غذاء الملكات، الشكل لا يعطي شرعية أبدا فألفية ابن مالك موزونة مقفاة ولها معنى لكن لم تجنح لخيال ولا لشعور، الشعر الحق اكتشاف جديد للأشياء وبعث الروح في الجمادات الشاعر خلاق هو أول من يندهش صارخا كيف كتبت ذلك هناك شعراء يظنون ركوب الموجة يعطيهم شرعية الوجود.
-وما هي رؤيتك للواقع النقدي من خلال التعامل مع عناوينك الشعرية؟الواقع النقدي في مصر والعالم العربي على قدر علمي، وعلمي في هذا قدر ما تنقص عصفورة عرفت رشفة من بحر، واقع النقد جد محبط ومره لكل مبدع حقيقي تقوم الحركة الثقافية والنقدية تبعا لها ودرة تاجها في مصر على المجاملات والشللية والتخديم المتبادل، فمن يمتلك منصة أو مؤسسة أو ناصية في مجلة أو صحيفة سيلق بالطبع سلطة تتيح له من يلقى الضوء على إبداعات حتى ولو كانت هشة، كانت مصر أيام طه حسين والعقاد في النصف الأول من القرن الماضي أكثر عدلا وأكثر رحمة تحتفل بكل جديد وتدعم كل جميل، حسب الناقد أن تصادف عينه لدى الباعة مجموعة قصصية أو ديوان ليجد واجبا عليه القراءة ثم التنويه عنه بدراسة في أي نافذة صحفية متاحة فظهر إبراهيم ناجي وعلي محمود طه والهمشري والشرنوبي ومحمود حسن إسماعيل حتى بعد ثورة يوليو، ورغم انحراف العقاد عن روح المغامرة والتجديد حين رفض تيار قصيدة التفعيلة وتحويله نصوص عبد المعطي حجازي لدائرة النثر، لكن على الأقل وجد تيار الواقعية منظرين له، وأصبح صلاح عبد الصبور وحجازي من رموز الشعر الحديث بفضل الحركة النقدية.. الجامعة المصرية ليست في أحسن حالاتها توقفت معظم دراساتهم النقدية عند البعث والإحياء شوقي وحافظ البارودي، وربما نال الحداثيون كصلاح عبدالصبور وحجازي حتى أمل دنقل شيئا من البحث، لكن أجيال السبعينات حتى الآن خارج الدراسة والاهتمام، وهذا لا يمنع أن هناك من المتابعين من المهتمين بالشعر يعيدون بهاء القصيدة مثل حسن شهاب الدين ومحمد عرب صالح ومحمد ملوك وأحمد ثابت عبد الراضي وحاتم الأطير وجمال مدني وغيرهم، لكن لا ننكر أن مشروع التفعيلة هو الأضخم والأعلى أثرا وأكثر جرأة ترك لنا رموزا درويش وحجازي السياب والفيتوري والبياتي.

ويضيف الشاعر حسسني الإتلاتي: لا أعترف بالشكل كتبت قصيدة النثر التفعيلة والكلاسيكية ومؤمن أن الشعر هو الشعر بعيدا عن المسميات أو اللغة التي كتب بها.. النقد في مجملة في غيبوبة ولا يستطيع مواكبة تيارات الإبداع الجارية.

_وما هي أهم المحطات في رحلتك الشعرية والتي ترضيك كشاعر تفرد في الشكل والمنحى الوجودي والذاتي حتى واقعيا؟
نالت كتاباتي بعض الاهتمام النقدي من السادة عبدالجواد خفاجي راهب الجنوب، الدكتورة هداية مرزق جامعة سطيف من الجزائر، وجواد دوش المناضل العراقي الكبير، والدكتور خالد عبدالغني وعباس حمزة وهاشم زقالي واحمد الليثي الشروني.