رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شهور أو سنوات.. وقد لا يظهر اللقاح!


مؤتمر دولى للمانحين انعقد أمس، الإثنين، تم خلاله جمع ٧.٥ مليار يورو، أو ٨.٢٥ مليار دولار، لتطوير لقاحات مضادة لفيروس «كورونا المستجد». غير أن ينس شبان، وزير الصحة الألمانى، استبق المؤتمر بالإشارة إلى أن تطوير اللقاح قد يستغرق شهورًا أو سنوات. وهناك علماء وخبراء كانوا أكثر وضوحًا، أو أقل تفاؤلًا، وتوقعوا ألا يظهر اللقاح على الإطلاق!.
الوزير المنتمى إلى حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الحزب المسيحى الديمقراطى، حلّ ضيفًا مساء أمس الأول، الأحد، على القناة الأولى بالتليفزيون الألمانى «إيه آر دى»، وقال إن هناك بدايات واعدة، لكن تطوير اللقاحات والأمصال هو «الشىء الأكثر تحديًا للشىء الأكثر صعوبة». ونصح بالتحلى بقدر من الواقعية «فربما استغرق الأمر أعوامًا لأنه من الممكن أن تكون هناك انتكاسات»، واستشهد بما حدث مع تجارب لقاحات وأمصال سابقة.
على عكس وزير الصحة الألمانى، هناك سياسيون كثيرون متفائلون، فى مختلف دول العالم، أبرزهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى أكد أن اللقاح سيكون متاحًًا قبل نهاية العام الجارى. ومن أمام نصب لينكولن بحديقة «ناشيونال مول» فى واشنطن، قال لقناة «فوكس نيوز» إنه واثق جدًا من ذلك، وأضاف: «الأطباء سيقولون: يجب ألا تقول هذا. أنا أقول ما أعتقده. نحن ندفع بشدة (...) وأظن أن العديد من المحاولات صارت قريبة جدًا».
هناك أيضًا خبراء وعلماء يؤكدون أنه سيتم تطوير لقاح ضد «كورونا» المستجد، لأنه على عكس فيروسات أخرى، لا يتغير بسرعة. لكن هناك، فى المقابل مَن يرجحون احتمال عدم ظهور لقاح، كما حدث عدة مرات من قبل، بحسب تقرير لشبكة «سى إن إن»، قال فيه الدكتور بيتر هوتز، عميد المدرسة الوطنية للطب فى «كلية بايلور» الأمريكية، إن «تطوير لقاح خلال عام أو ١٨ شهرًا تحدٍ كبير، وسيكون إنجازًا بطوليًا».
تجارب بشرية عديدة تجرى، الآن، على لقاحات مضادة لفيروس «كورونا المستجد»، فى الولايات المتحدة، الصين، اليابان، وبريطانيا. لكن تلك الجهود لا تزال فى مرحلة «الاختبار» وليس «التطوير»، إذ أكد هوتز، الذى عمل على تطوير لقاح ضد فيروس «سارس»، أن الجزء الأصعب من تطوير اللقاح هو إثبات أنه فعّال وآمن للاستخدام.
فيروسات عديدة أربكت الخبراء والعلماء، أبرزها الفيروس المسبب لـ«حمى الضنك»، الذى يصيب حوالى ٤٠٠ ألف شخص سنويًا، طبقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، والذى استعصى تطوير لقاح مضاد له طوال عقود، وحين تم التوصل إلى لقاح، سنة ٢٠١٧، اتضح أنه يزيد من حدة أعراض المرض. وبالمثل، كان من الصعب جدًا تطوير لقاحات للفيروسات الأنفية والفيروسات الغدية «التى تصيب الغدد»، والفيروسات التاجية.
فيروس «الإنفلونزا» قادر على تغيير نفسه من عام إلى آخر، وبالتالى فإن العدوى الطبيعية أو التحصين فى هذا العام لا تحميك فى العام التالى، وبعض الفيروسات تتحور داخل المريض. لكن فيروس كورونا لا يملك هذا المستوى من «المراوغة»، ما يجعل بعض الخبراء أكثر تفاؤلًا بشأن التوصل إلى لقاح. بينما يرجح آخرون، مثل كريس ويتنى، رئيس الأطباء فى إنجلترا، أن يأخذ اللقاح فترة أطول، معتقدًا أن ظهور لقاح بعد عام أو ١٨ شهرًا قد يكون مبكرًا جدًا.
الدكتور ديفيد نابارو، أستاذ الصحة العالمية فى «إمبريال كوليدج» البريطانية، الذى يعمل أيضًا مبعوثًا خاصًا لمنظمة الصحة العالمية، قال إن «هناك فيروسات عديدة ما زلنا لا نملك لقاحات ضدها، وبالتالى لا يمكننا أن نجزم بأن اللقاح المضاد لكورونا المستجد سيظهر، وإذا ظهر علينا أن ننتظر لنعرف هل سيجتاز جميع اختبارات الفعالية والأمان أم لا؟». وتابع: «من الضرورى للغاية أن تتعامل كل المجتمعات مع الفيروس على أنه تهديد مستمر، وأن تكون قادرة على الحياة وممارسة النشاط الاقتصادى فى ظل وجوده».
الخطة البديلة لتجارب اللقاحات الجارية، هى الاختبارات الجارية أيضًا على الأدوية القديمة. وكنا قد توقفنا، منذ يومين، عند التجارب الخاصة بعقار «ريديسيفير» الذى أنتجته شركة «جيلياد ساينسز» منذ خمس سنوات، لعلاج فيروس «إيبولا»، وحصل على تصريح طارئ من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، أو عقار «فافيبيرافير»،الذى طورته شركتا «فوجى فيلم» و«توياما» اليابانيتان، كما يجرى أيضًا استكشاف فاعلية «بلازما الدم»، وغيرها.
لم نخرج، إذن، من كلام الخبراء والعلماء بما يطمئن أو «بعقاد نافع». لكن، حال عدم ظهور اللقاح، فإن الحياة، التى لن تظل مغلقة، لا يمكنها أن تعود إلى طبيعتها. ما يفرض على الدول، مع بدء الخروج من حالة الشلل، ومع فتح الاقتصاد جزئيًا أو كليًا، أن تضع خططًا للتكيف، للتفاعل، أو للتعايش مع الفيروس، خلال شهور أو سنوات مقبلة، أو إلى أن يظهر اللقاح، لو ظهر!.