رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرب الكمامات والمعدات الطبية!



العالم الذى حولته ثورة الاتصالات إلى قرية صغيرة، تحوّل بعد تفشى وباء «كورونا المستجد» إلى غابة كبيرة، تحاول فيها الحيوانات الكبيرة أن تأكل الكائنات الأصغر. وكالعادة، حاولت الولايات المتحدة أن تلعب دور الأسد، وأن تحصل على نصيبها من المعدات الطبية اللازمة لمكافحة الوباء، بالوسائل المشروعة أحيانًا، وغير المشروعة غالبًا. ولم تنافسها فى الانحطاط واللعب القذر إلا تركيا.
فى كينيا، اختفت ٦ ملايين كمامة كانت متجهة إلى ألمانيا. وسبق أن اتهمت إذاعة «راديو راى»، الذراع الإخبارية لشركة البث العام الإيطالية، السلطات التشيكية بالسطو على شحنة مساعدات صينية كانت فى طريقها إلى إيطاليا. لكن التشيك نفت هذا الاتهام، وقال توماس بيتشيك، وزير الخارجية، إن مصادرة الكمامات جاء فى إطار مكافحة التهريب، وإن بلاده أرسلت ١١٠ آلاف كمامة إلى روما على سبيل التعويض.
فرنسا، واحدة من أكثر دول العالم تضررًا من الوباء، وتستخدم ٤٠ مليون كمامة أسبوعيًا. وبعد شكاوى الأطباء والعاملين فى دور رعاية المرضى والشرطة من نقص الكمامات، قال أوليفييه فيران، وزير الصحة الفرنسى، إن حكومة بلاده طلبت توريد أكثر من مليار كمامة، معظمها من الصين، خلال الأسابيع والشهور المقبلة. لكن بينما كانت إحدى شحنات الكمامات على متن طائرة تستعد للإقلاع من مطار شنغهاى، ظهر مشترون آخرون وتمكنوا من اقتناص الشحنة بأضعاف ثمنها.
جان روتنر، رئيس المجلس الإقليمى فى جراند إيست الفرنسية، قال «إن جزءًا من شحنة بعدة ملايين من الكمامات، كانت فى طريقها إلى الإقليم، لكنها ذهبت إلى مشترين آخرين، دفعوا ٣ أو ٤ أضعاف سعرها»، مضيفًا «علينا أن نقاتل». كما قال رينو موسيليه، رئيس منطقة بروفانس ألب كوت دا زور، إن «هناك دولة أجنبية دفعت ٣ أضعاف ثمن البضائع على مدرج المطار».
لم يحدد المسئولان الفرنسيان هوية هؤلاء المشترين أو الدولة التى يعملون لحسابها، لكن مسئولًا فرنسيًا آخر أكد أنهم يعملون لحساب الحكومة الأمريكية. وبشكل واضح، قالت فاليرى بيكريس، رئيسة إقليم إيل دو فرانس، الخميس، إن بلادها خسرت «شحنة كمامات صينية لصالح أمريكيين عرضوا سعرًا أعلى للحصول عليها».
ما حدث مع فرنسا، تكرر مع كندا والبرازيل. وقال جاستن ترودو، رئيس الوزراء الكندى، إن لديه تقارير «مثيرة للقلق» بشأن تحويل الكمامات والمعدات الطبية بعيدًا عن بلاده، وطالب وزراءه، الخميس، بمتابعة هذه التقارير، والتأكد من أن الشحنات تصل إلى كندا وتظل فيها. وفى مؤتمر صحفى، عقده الأربعاء، أشار لويز هنريك مانديتا، وزير الصحة البرازيلى، إلى أن المحاولات الأخيرة التى قام بها إقليم برازيليا لشراء معدات الوقاية من الصين، باءت بالفشل. وأوضح أن الولايات المتحدة أرسلت، اليوم (أى الأربعاء)، ٢٣ من أكبر طائرات الشحن لديها إلى الصين لنقل المواد التى تمكنت من الحصول عليها».
الحرب بدأت، ولن تنتهى. وقامت دول كثيرة بمنع تصدير الكمامات ومعدات الوقاية الشخصية. لكن ما فعلته تركيا كان مختلفًا، كالعادة، فلم تحظر تصدير معدات الوقاية فقط، بل امتنعت عن توريد معدات تسلمت ثمنها بالفعل. وعلى سبيل المثال، لا الحصر طبعًا، ذكرت تقارير نشرتها جريدتا «كورييرى ديلا سيرا» الإيطالية، و«بلوير» البلجيكية، أن شحنات الكمامات التى دفعت الدولتان ثمنها لتركيا، لم تصل. وقبل أن تعتقد أن الموضوع يخص شركات تركية خاصة، وأن النظام التركى لا علاقة له بهذا الانحطاط، نوضّح أن جريدة «حريت» التركية ذكرت أن سليمان صويلو، وزير الداخلية، هدد الشركات والمصانع بأن السلطات ستسيطر عليها إذا لم تقم ببيع كل إنتاجها لوزارة الصحة فقط.
حرب الكمامات والمعدات الطبية انتقلت إلى الداخل الأمريكى. وطبقًا لما أعلنه أندرو كومو، حاكم ولاية نيويورك، التى أصبحت أسوأ بقعة لتفشى الوباء فى البلاد، فإن الولايات تتصارع مع بعضها البعض، من جهة، ومع الحكومة الفيدرالية، من جهة أخرى، للحصول على معدات الوقاية وأجهزة التنفس الصناعى. وشكا «كومو» من حدوث مضاربة على الثمن، شبهها بتلك التى تجرى على موقع «إى باى»!.
حين تحول العالم إلى قرية صغيرة، تحولت معه نظرية الانتخاب الطبيعى، من البقاء للأصلح، إلى البقاء للأقوى. لكن مع تفشى وباء كورونا المستجد، تحاول الدولة الكبرى أن تجعل البقاء للأكثر انحطاطًا والأكثر قدرة على اللعب القذر. وبدلًا من أن يحقق ما يوصف بـ«المجتمع الدولى» فى الاتهامات التى طالتها، قرر أنطونيو جوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، التبرع لها، للولايات المتحدة، بنحو ٢٥٠ ألف كمامة، كانت موجودة فى مخازن المنظمة. وقال جوتيريش: «بالنيابة عن مجتمع الأمم المتحدة، نأمل بإخلاص أن يشكل هذا التبرع المتواضع فارقًا». ما يعنى أن أمين عام المنظمة الدولية أقر نظرية الانتخاب الطبيعى الجديدة!.