رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«القوة في العقل».. حكايات أبطال رفع الأثقال من ذوي الهمم

القوة في العقل
القوة في العقل

مصادر النور والأمل لا تحصى.. صناعة التحدي ورفض الاستسلام صفات مشتركة بين أبطال السطور التالية، استيقظوا يومًا ليجدوا جزء من جسدهم قد فارقهم إلى غير رجعة، لكن هيهات أن يثنيهم ظرف كهذا عن النجاح أو يجعلهم مصدر للشفقة، فبدلًا من الغوص في بئر الاستسلام صعدوا إلى قمة المجد ولكن بأطراف اصطناعية.
حسام مغاوري.. فقد ساقيه فاستعاد حياته
مرت خمس سنوات كاملة على آخر مرة رأى فيها حسام مغاوري قدميه، وشعر بالدماء تتدفق فيهما، وشأن الجميع كان يظنها أمر عادي، لا يستحق الشكر والعرفان، لكن الله اختاره ليكون من بين الناجين في حادث أليم تعرض له في أكتوبر من عام 2015.

شاب في مرحلة العشرينات قاده القدر إلى إحدى وسائل المواصلات العامة بعد أن أودع سيارته لدى إحدى مؤسسات توكيل السيارات لإصلاحها، وكانت القاضية، انقلبت السيارة التي استقلها وأودت بحياة أربعة أشخاص، وأصيب أربعة عشرة آخرون، كان من بينهم.

أكثر الأطباء تفاؤلًا تمنى له الموت الرحيم، إلا أن جسده رفض هذا الموت المبكر، مازال أمامه الكثير في الحياة لم يحققه بعد، وبدأ الجسم البطل في رحلة الصمود التي كلفته 25 عملية جراحية، و55 يومًا على سرير المستشفى ليخرج بعدها وتبدأ مرحلة جديدة من حياة مغاوري.

يتذكر "حسام" كيف بدأ يومه الأول دون قدميه: "شعور لا يمكنني وصفه، لست معتادًا على السير دون قدمي، وما هذا الكرسي المتحرك الذي أرغمت على الجلوس عليه لبقية حياتي؟ رفضت الاستسلام، وبدأت في تدريب نفسي على السير وحدي دون عصا واستخدمت الأجهزة الطبية الحديثة للوصول إلى العمل بمفردي".

دعم زملاء العمل، الأهل وشريكة الحياة، كان مهمًا للغاية، وبتشجيعهم ذهب إلى صالات الألعاب الرياضية، وأخذ ينشر مقاطع فيديو له على مواقع التواصل الاجتماعي، فأصبح رمزًا للتحدي والإرادة، فلا شىء يمنع أصحاب القدرات الخاصة من الحياة بشكل طبيعي أكثر من هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم أصحاء.

كانت علاقة "مغاوري" بالجيم قبل ذلك من طرف واحد، فقد كان من أولئك الشباب الذين يدفعون اشتراك الدخول ولا يذهبون من الأساس لممارسة الرياضة: "بدأت حياتي تتغير منذ حفاظي على الرياضة، فالحياة دون التحدي ووضع أهداف لتحقيقها شئ ممل، وباهت، حافظت على رشاقتي، وأمارس الآن كل أنواع التدريبات الرياضية وأشعر بالسعادة الحقيقية".

يطمئنه بعض المحيطين به قائلين إن هذا ابتلاء سيؤجر عليه في الحياة الآخرة، لكنه لا يرى الأمر بهذه الصورة بل اعتبر هذا الحادث منحة من الله حولت حياته إلى الأفضل، نعم سيحصل على أجر في الآخرة، لكنه لم يفقد الدنيا ومازال حيًا يرزق يتمتع بكل لحظة فيها.
بلال جابر.. أشهر مدرب لياقة بدنية بساق اصطناعية
صبي في الثانية عشرة من عمره، تختبره الدنيا باختبار كبير لا يتحمله إلا رجال أشداء، فقد بلال جابر، ساقه أثناء عبوره أمام إحدى القطارات بالإسكندرية، ويفقد القدرة على الحركة لأكثر من عام ونصف، وترتدي أيام حياته عباءتها السوداء بعد أن ابتعد عنه الأصدقاء واكتفى بالجلوس في غرفته منفردًا.

تمضي الأعوام، ويبقى الحال كما هو عليه، حتى بعد أن حصل على ساق اصطناعية أعادت له القدرة على الوقوف والمشي منفردًا، لكن لم يتغير الوضع كثيرًا، يلتحق "بلال" بكلية العلوم، يرسب في اختباراتها ولا يتقدم ويتكرر الرسوب فيتركها، ويذهب إلى الفنون الجميلة أملًا في أن يغير الفن حياته، لكن تفشل كل أنواع الفنون داخل الكلية في تغيير حياته، ومنها إلى كلية التربية، وأخيرًا نجح قسم الكيمياء في إجراء التفاعلات اللازمة التي بدلت حياته إلى أفضل حال.

وخلال الدراسة بكلية التربية، بدأ النور ينسج خيوطه حول حياة "بلال" فجاءته فكرة الاتجاه إلى صالات الألعاب الرياضية: "في البداية رفض أهلي الموضوع، واعتبروه شيئًا غريبًا، فالسخرية ستكون كل ما سأواجهه من كل الشباب الموجودين بهذه الصالات، فضًلا عن المجهود البدني الذي سأبذله لبناء جسم مثالي دون ساق أتكئ عليها".

لكن رفض "بلال" مسمى الشاب الفاشل في حياته، وقرر خوض التجربة، وثلاث سنوات كاملة من التدريب الشاق كانت كفيلة بإعلان نجاح التجربة الجديدة، وتنصيبه مديرًا لصالة ألعاب رياضية بالإسكندرية، فأصبح الكابتن الأشهر على الإطلاق.

ويستمر الشاب البالغ من العمر خمسة وعشرين عامًا في تحويل حياته إلى الأفضل، ليفوز بالمركز الأول في بطولة رفع الأثقال لشباب الجامعات لعام 2018، فتزداد شهرته وتنتشر قصة الصمود والنجاح، ويصبح من بين أفضل مدربي اللياقة البدينة وكمال الأجسام.

"بعدما تحولت إلى شخص ناجح، وقدوة يحتذي به الجميع وليس أصحاب القدرات الخاصة فقط، عادت الروح إلى حياتي، وتفتحت أمامي كل الأبواب، وساهمت في رفع مستوى أسرتي البسيطة، فكانوا يستحقون كل الخير الذي وصلت إليه بعد كل الدعم الذي قدموه إلي طيلة ثلاثة عشر عامًا بعد الحادث الأليم".. هكذا ينهي "بلال" حديثه مشجعًا كل الشباب على اتخاذ القرار الصحيح وعدم الاستسلام للفشل مهما كانت العوائق والظروف.
سمير: حصدت بطولات عدة
أحمد سمير، شاب عشريني من قاطني محافظة الشرقية، تعرض لحادث سيارة نقل حين كان في السادسة من عمره، أجرى على إثره عملية بتر تحت الركبة بالقدمين، لكن عمره لم يتوقف عند تلك اللحظة، إذ قرر منذ عامين فقط التوجه إلى الصالات الرياضية، والمشاركة في بطولات ألعاب القوى.

استطاع الشاب الحصول على المركز الأول في بطولة الجمهورية لرفع الأثقال لذوي الإعاقة الناشئين، لم تكن تلك هي البطولة الأولى له فقد حقق أيضًا مراكز قياسية في بطولات عدة، آخرها كان الحصول مرتين على المركز الثاني على مستوى الجمهورية، بجانب فوزه بكأس مصر بوزن 125 كيلو، وحصد ثلاث ميداليات ذهبية وفضية.

وعن سبب اختياره للعبة رفع الأثقال، يقول سمير خلال حديثه مع "الدستور"، إن التدريب على تلك الللعبة خصيصًا يحتاج إلى التواجد في صالات رياضية فقط، ليس معتمدًا على الملاعب الواسعة، بجانب أنها اللعبة المتاحة لذوي القدرات الخاصة، فبمجرد انغماس الشاب في ممارسة اللعبة سرعان ما تعلق قلبه بها، ويصمم على حصد الألقاب والمراكز.

تابع "هناك العديد من الأشخاص الذين ساعدوني في تخطي المرحلة الجديدة من حياتي، وتحمل الضغط النفسي الذي يتعرض له ذوي الاحتياجات الخاصة في الشوارع من التنمر ونظرات الشفقة، وكان أولهم المدرب الخاص بي، الذي صمم على مساعدتي وتأهيلي جسمانيًا ونفسيًا للمشاركة في بطولات رفع الأثقال لذوي القدرات الخاصة الناشئين، بجانب زميلي المقرب في التدريب الذي اعتدنا سويًا الذهاب إلى الصالة الرياضية يوميًا".

اختتم الشاب حديثه معبرًا عن سعادته بما حققه خلال الفترة الأخيرة من تقدم ملحوظ في اللعبة التي كرس حياته من أجلها، لتكون دافع نفسي يغنيه عن شعوره بأي تغيير في حياته، معلقًا "لن أستسلم وأنهزم، ونصيحتي لذوي الاحتياجات الخاصة بالتحلي بالصبر والإيمان".
علي: حصلت على المركز الأول أفريقيًا في رفع الأثقال
محمد علي، 31 عام، أحد الشباب الذين واجهوا ضعف قدميهم واستطاعوا تحقيق العديد من البطولات في ألعاب القوى، معتمدًا على طبيعته المختلفة كمركز قوى له يميزه عن غيره من الأشخاص الأسوياء، فهو لم يتعرض لحادث أو شئ شبيه، بل كان الأمر قديمًا يعود إلى وقت ولادته، حيث خُلق بقدم صغيرة لا تزيد عن 25 سم، وتشبه كف اليد الصغير.

لم يستسلم الشاب يومًا وبدأ مشواره الرياضي في الخامسة عشر من عمره، رافضًا أن يطلق عليه أنه مولود بعيب خلقي، ذاكرًا المسمى الرئيسي لها في المجال الرياضي "لازوتر"، يحكي "علي" في حديثه لـ"الدستور"، رحلته في لعبة رفع الأثقال حين قرر تكملة مشوار والده الرياضي، الذي حقق بطولة الجمهورية في لعبة كمال الأجسام.

الأمر لم يكن هينًا في البداية حين واجه "علي" العديد من المعوقات في مشواره الرياضي، بجانب تعرضه للإيذاء النفسي مثل التنمر عليه في حياته اليومية سواء من تواجده في الأماكن العامة أو النوادي الرياضية، كُل هذا كان حافز كبير للشاب مواجهًا تلك الأمور لتحويلها إلى إنجازات يفخر بها.

"بقالي 16 سنة في التمرين والتدريب"، يقول "علي"، إنه حصد العديد من الجوائز في لعبة رفع الأثقال لذوي القدرات الخاصة، كان أبرزها الحصول على المركز الأول على مستوى أفريقيا، بجانبه أنه كسر الرقم قياسي أفريقيًا وعالميًا، موجهًا خلال حديثه الشكر لكل من سانده في رحلته سواء على المستوى الشخصي أو المهني، وكان منهم والده الذي توفاه الله، وزوجته التي واظبت على تجهيز الطعام الصحي له، ومتابعة مواعيد التمارين والبطولات.

"سأشارك في بطولات الأسوياء قريبًا، وأتمني التواجد فيها بشكل ملحوظ، وتحقيق مراكز جيدة"، يقولها "علي" مختتمًا حديثه بأنه يعمل حاليًا على تأهيل نفسه للبطولات العالمية، بالإضافة إلى تخصيص وقت كبير لتدريب الشباب الصغير من ذوي القدرات الخاصة على لعبة رفع الأثقال، والمشاركة في البطولات معه.
صباح: واجهت نظرة التنمر في الشارع.. وأثبت لنفسي أنني بطلة
صباح عبد الفتاح، فتاة ثلاثينية، من محافظة الشرقية، تعرضت للإصابة بمرض شلل الأطفال بعد ولادتها بفترة لا تتجاوز شهرين، إثر تناولها حقنة بطريقة خطأ كانت نتيجتها عجز في القدم، واعتمدت على عكازها لفترة كبيرة في طفولتها، واستكملت حياتها بشكل طبيعي من الجانب الدراسي والعملي.

"كنت أنا الوحيدة في القرية اللي عندي نوع المرض، ودا اللي خلاني أصمم إني لازم أبقى متميزة"، تروي "صفاء" قصتها خلال حديثها مع "الدستور"، مشيرة إلى الصعوبات في التعامل مع الناس التي واجهتها طوال حياتها من نظرات الشفقة على أنها مريضة تحتاج إلى يد العون، لكنها كانت ترفض ذلك بشدة، وتتعمد الرد بالكلمات القاسية على من يتنمر عليها.

لم تبالِ الفتاة بنظرات الأشخاص لها، حتى قررت تفريغ طاقتها في الرياضة، وبدأت في المشاركة في لعبة رفع الأثقال داخل أحد النوادي بمحافظة الشرقية، وكانت هذه اللعبة هي التي شعرت فيها بذاتها كشخص لديه حلم يريد تحقيقه، وبالفعل تدربت شهور متواصلة على التألق في هذه اللعبة، وحصدت المركز الأول في أول بطولة تشارك بها في الجامعة.

لم تكن تلك البطولة هي الوحيدة التي حصلت عليها "صباح"، فكان لها دورًا كبيرًا في بطولة الجمهورية لرفع الأثقال لذوي القدرات الخاصة، حين فازت بالمركز الأول على مستوى الجمهورية، ثم تزوجت الفتاة مؤخرًا وتركت الرياضة متفرغة تمامًا لزوجها وبيتها، لكن مازال الأمر يشغل بالها متمنية أن تعود إليه في أقرب وقت.

تختتم الفتاة حديثها معبرة عن الرضا الذي تشعر بها عن ما حققته حتى الآن، مرجعة الفضل إلى كل من ساندها في تلك الخطوات الناجحة، كما تتمنى أن يتم تسليط الضوء على المعاقين في مصر، ومساعدتهم في استكمال حياتهم بشكل طبيعي، والاهتمام بالمجال الرياضي لهم، كونه المجال الذي يخلق بداخلهم شعور تحقيق الذات والنجاح.