رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسرحية «البخيل» بين كسر الجدار الرابع واختلال معايير الزمن

البخيل
البخيل

على خشبة مسرح "أوبرا ملك" برمسيس، يقدم فريق مسرح الشباب التابع للبيت الفني للمسرح أحد أشهر نصوص الأدب الفرنسي، النص المسرحي "البخيل" للكاتب الأشهر موليير بتناول مختلف وأكثر عصرية أعدَّه المخرج خالد حسونة وأضفى على العمل من روحه الخاصة وتصرف في كثير من مشاهده وأحداثه.

خلال النسخة الحديثة من "البخيل" اعتمدت مصممة الديكور رانيا الدخاخني على ديكور ثابت لقصر ينتمي تصميمه للعصور الوسطى في باريس، وبكلوبات إضاءة كلاسيكية على الحوائط بامتداد خط واحد، وسلم في صدر المسرح خلفه نافذة كبيرة أو باب زجاجي يُطل على حديقة، وباكسسوارات بسيطة، وبنجفة واحدة بسيطة جدًا جاءت مناسبة لسياق النص المسرحي فهو بعنوان "البخيل"، ولم تعبر بساطة النجفة عن الحالة المادية لمالك القصر ولكنها إشارة إلى إحدى صفاته.


حول نص "البخيل"

تدور فكرةِ النص المسرحي حول رجل بخيل أب لبنت وولد، تحب البنت كبير خدم قصر والدها سرًا ويريد الأب أن يزوجها من رجل ثري رغمًا عن إرادتها، ويحب شقيقُها إحدى جاراتهم، وبمرور الأحداثِ يكتشف الابنُ أن والدَهُ العجوز "البخيل" يريدُ الزواجَ من هذه الفتاة الصغيرة؛ فيسعى الابن لصرف نظر والده عن هذه الزيجة، تتدخل إحدى الجارات التي تعمل خاطبة وتحاول إتمام الزواج لتحصل على مبلغ من الأب "صاحب القصر".

يلجأ الابنُ وحبيبتُه إلى الاتفاق مع الجارة ويفكرون جميعًا في حل هذه الأزمة؛ فتنصحهم الجارة بسرقة ثروة "البخيل" وهي عبارة عن 10 آلاف ليرة ذهبية في صندوق دفنه في الحديقة، يتهم "البخيل" جميع المقيمين في القصر، ويُدَعِّمُ السائقُ رأيَهُ مُؤكدًا أن كبيرَ الخدمِ هو من سرق الصندوق، وتُقام له محاكمة تنتهي بأن يكشف الخادم عن شخصيته الحقيقية خلال الأحداث ويخبره أنه يحب ابنته، ويحكي أنه فقد أسرتَهُ الثريةَ في البحر أثناء رحلة، وفي النهاية يكتشفون جميعًا أن الصديقَ المقربَ لـ"البخيل" هو والد كبير الخدم، ويوافق على زواج ابنته من حبيبِها "كبير الخدم سابقًا" بسبب ثروة والدها، ويُعِيدُ الابنُ الصندوقَ بعد أن يوافق والده على زواجِهِ.

قدم خالد حسونة مسرحية "البخيل" في إطار استعراضي كوميدي، وكانت الأغاني موفقةً إلى درجةٍ كبيرةٍ، فجاءتْ متَّفِقةً مع جو العرض المسرحي على مستوى الكلمات والألحان، ولكن لم تتجاوز الاستعراضات فكرةَ "العادية" في تصميم حركاتها وتشكيلاتها وتوزيع الممثلين على خشبة المسرح مع الإشارة إلى عدم التناسق الحركي بين الراقصين حتى سقط إيقاع بعض الاستعراضات التي شارك بطلُ العرضِ محيي الدين يحيى في تصمم بعضٍ منها.

يبدأ العرض باستعراض البداية "أوفرتير" لمجموعة من خدام القصر بصحبة كبير الخدم في حالةٍ من البهجة التي يَنقُصُهَا قوةُ الحضورِ على خشبة المسرح، ثم يبدأ العرض بدخول "البخيل" أشرف طلبة والذي قدم شخصية البخيل بطريقة نمطية لم تخرج من إطار ما حفظه الناسُ.

ربما لم يكن "طلبة" مُوفقًا في مشهد دخوله، إذ أعلن من أول جملة أنه سيقدم البخيل النمطي الذي يدخل ويُفاجئ بكثافة الأنوار فيطلب بشدة وعصبية تخفيض الإضاءة وترشيد الاستهلاك، في مشهد آخر يخاطب أحد الشخصيات ألا يتحرك كثيرًا خوفًا على سيراميك الأرض، لكنه على أي حال كان مقبولًا في بعض المناطق وقويًا في حضورِهِ على خشبة المسرح، وصنع حالةً من الكوميديا تُحسب له، وكان مشهد البحث عن السارق أحد أبرع مشاهده التي قامت على تقنية كسر الحائط الجدار الرابع.


براعة الإخراج والتمثيل في توظيف "كسر الحوائط"

في هذه الليلة من ليالي العرض كان حضور الأطفال يمثل نسبة 20%، ورغم عادة الأطفال في كثرة الضحك غير المبرر، لكن ذلك لم يحدث ربما نام الأطفال في الربع الأول من عمر العرض، ولكن حرص الجمهور ـ وعلى رأسهم الأطفال ـ على التفاعل مع مشهد تفكير البخيل في السارق ربما يرجع ذلك لانتقال الممثل أشرف طلبة إلى مخاطبة الجمهور من خلال حوار تفاعلي؛ إذ سأل عن السارق وبدأ الأطفال والكبار في إرشاده والتفكير معه بصوت مرتفع، وهو ما يعرف بكسر الحائط الوهي القائم بين الممثلين على خشبة المسرح والجمهور.

استطاع المخرج أن يوظف تقنية الكسر في عرضه بطريقة جيدة، واستطاع الفنان أشرف طلبة أن يجري حوارَهُ مع الجمهور بطريقة مُحكمةٍ وجيدة، فلم ينحرف الحوارُ عن صُلب الموضوع أو السياق الدرامي ولم يأخذ الحوارُ صفةَ (الحوار من أجل الحوار)، إذ أداره بإحكام شديد رغم محاولات الجمهور الانحراف بالحوار عن سياق السؤال فعادةً في مثل هذه المشاهد يبحث كلُ فردٍ من الجمهور عن "الكوميديان" القابع في ذاته والذي ضل طريقَهُ وجلس بين المتفرجين، ولكنه أحكم قبضتَهُ على المشهد، ورغم جودة وبراعة المشهد لكنه طال زمنُه عن اللازم "لونجير" حتى قال أحد الحضور "قول لنا أنت مين سرق وخلصنا".

ربما كانت تعليقات الجمهور التفاعلية في مشاهد الكسر هي أفضل إفيهات العرض، ومن جانب آخر كانت الإفيهات المُرتجلة خارج سياق النص والتي تحاول معالجة بعض الأخطاء هي الأكثر إضحاكًا وتلقائيةً، فيعتمدُ العرضُ على كوميديا الموقف المُلتبس ويأتي مشهد استجواب كبير الخدم أبرز شاهد على هذا النوع من الكوميديا.

بينما يتحدثُ المحققُ والبخيلُ عن الصندوقِ الذي سُرق، يتحدثُ كبيرُ الخدمِ عن ابنةِ البخيلِ التي يُحبُها سرًا، وهو سياق آخر وتنشأ الكوميديا من ذلك اللبس، وربما أصبح هذا النوع من الكوميديا ضعيفًا، لا نقول مستهلكًا ولكن طريقة معالجة كوميديا الموقف أصبحت هي المعادة والمكررة وإن كان يَعتمد عليها كاتب بحجم "موليير"، فكان الجمهور يتوقع الإيفيه في كثير من المواقف قبل أن يقوله الممثل، من جانب آخر طال زمن هذا المشهد أكثر من اللازم.


زمن المشاهد قسمة جائرة

أطال المخرج بعض المشاهد أكثر من اللازم وقصَّر في حق بعض المشاهد الأخرى، وظهرت واضحةً فكرةُ اختلال معايير الزمن لدى المخرج في زمن المشاهد، ففي مشهد النهاية ضَغَط أحداثًا كثيرةً جدًا في مشهدٍ واحد وكأنه شعر فجأة أنه أوشك على تجاوز الساعة والنصف فقرر أن يجمع شتاتَ الأحداث المتناثرة في مدة قد تكون عشر دقائق.

جار المخرج بذلك التقسيم على حق المشهد الأخير، وكانت قسمته ظالمة عندما أطال كثيرًا "لونجير" مشهد استجواب الخادم، فيأتي مشهد النهاية يكشف خلاله الخادم أن والده لم يكن خادمًا وغرق في إحدى الرحلات، ويذكر تفاصل عن والده، فيكتشف صديقُ البخيلِ أنه والد الخادم، وتفهم حبيبة ابن الرجل البخيل التي كانت واقفة في جانب مظلم من المسرح، أنها هي الأخرى ابنة صاحب البخيل لتصبح بذلك شقيقة كبير الخدم، فتتعالى أصوات الضحك بكلمات "دا أوفر دا كدا"، فيضحك بعض الممثلين تأييدًا لرأي الجمهور، حتى يقول أحد الممثلين "دا شغل هندي دا فاضل لنا فيلين بس"، وهي نهاية عبثية لا تليق بقوة البداية.

ينتهي العرض باستعراض يحمل رسالة النص المسرحي وهي: "السعادة مش فلوس.. السعادة كنز ساكن في النفس"، في النهاية اسمتعتُ بالعرض وبكلمات الأغاني والألحان وخرجتُ راضٍ عن الإضاءة التي كانت موفقة جدًا وفي أماكنها وتعامل الممثلون معها باحترافية، ربما لم يكن العرض مدهشًا ولم يخرج من إطار "العادية" ولكنه كان لطيفًا ومقبولًا صنع حالة بهجة دون اللجوء للكوميديا الرخيصة أو الإفيه المبتذل والأهم من ذلك كان الإضحاك وسيلة لغاية هي المتعة في المقام الأول بالنسبة لفريق العمل ثم جاءت رسالة العرض تتويجًا لهذه الحالة.