رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الفارس والأميرة" يفتتح منجم أفلام التحريك المصرية



رغم تأخر إطلاقه لما يقرب من عقدين، لكن فيلم التحريك المصري "الفارس والأميرة"، قد حجز اسمه كأول أفلام التحريك الطويلة بإنتاج محلي، وهو كذلك من أعمال بشير الديك التي جمع فيها بين السيناريو والإخراج، وهو الذي ابتعد عن الكتابة للسينما منذ فيلم "الطوفان" 1985؛ ثم عاد للشاشة بفيلم "الكبار"، الذي مرّ على عرضه الأول عشر سنوات، بينما كان بينهما "الفارس والأميرة" وهو أيضًا من تجاربه الإخراجية.
تأتي تجربة "الفارس والأميرة" كخطوة هامة في إنتاج أفلام التحريك التي بدأتها مصر في عام 1936؛ وقتها ظهرت أفلام قصيرة بعنوان "مشمش أفندي"، ونشرت الصحف في القطر المصري أن "ميكي ماوس الأمريكي أصبح له أخ مصري"، وكانت فكرة الفيلم والشخصية ظهرت على يد "الأخوين فرانكل" وهما من عائلة روسية يهوديةـ استوحيت شخصية "مشمش أفندي" من كاريكاتير الفنان الأرمني الشهير "صاروخان" الذى يحمل عنوان "المواطن المصري"، ولم يتجاهلا شخصية "ميني ماوس" حبيبة "ميكي"، فكانت "ميني" هي "بهية" في المعادل المصري.
عانى الأخوان فرانكل من انعدام الإنتاج، ولإيجاد التمويل المناسب لأفكارهما، طلبا الدعم من الزعيم الوطني الشهير سعد باشا زغلول فرفض وقال جملته الشهيرة "مفيش فايدة"، وكانا كلما كررا طلبهما كان يقول "في المشمش"؛ لذلك كتب الكاتب الكبير بديع خيري سيناريو حلقات "مشمش أفندي"، وكان يُنهي كل حلقة بجملة زغلول الشهيرة.
أما عن أول فيلم مصري طويل، فكان بشير الديك هو الرجل الذي آمن أن هناك "فايدة" من منجم ذهب يدعى أفلام التحريك، تلك التي تكلف المنتج الأمريكي عشرات الملايين من الدولارات لتعود عليه بأرباح تتعدى الأصفار السبعة؛ إذ قرأ ودرس عن شخصية "محمد بن القاسم الثقفي" كي يوظف قصته التاريخية في أفضل حالاتها من خلال سيناريو شيق ومثير. تدور الأحداث حول الفارس الصغير الذى لم يتعدى عمره الخامسة عشرة، والذي حرر نساء وأطفال العرب من بين أيدى قراصنة المحيط الهندي، ومن بعدها قرر أن يغزو بلاد الهند ويتزوج الأميرة التي يحمل الفيلم اسمها، بعد أن وقعا في الحب أثناء ما كان الفارس يفك أسرها؛ وبالطبع تمُر الحكاية بمعوقات من قبل الساحر الذي تنبأ بمقتل الملك على يد من يُدعى محمد وجده أيضًا اسمه محمد، وكان يقصد محمد الثقفي.
يسير السيناريو على خطوط متشابكة ما بين صراع الفارس مع سلطة بلاده للسماح له بتنفيذ خطته، وبين تعلقه بالأميرة التي حررها من الأسر، وبين عائلته التي أصرت على أن يتزوج من إحدى أميرات العائلة، وأخيرًا في غزو بلاد السند والزواج من محبوبته. نجح السيناريو بجدارة في ربط خطوط الحكاية لتقديم حبكة درامية متكاملة الجوانب، من الإيحاء من قصة حقيقية عن الفارس العربي ابن والي البصرة والذي ولد بالطائف عام 695 ميلادية وتوفي بالموصل في 715ميلادية، وما بين سنوات حياته المنصرمة بين غزوات بلاد السند ومدن القارة الآسيوية حتي وفاته.
استخلص بشير الديك -ومن قبله مخرج الفيلم الأصلي محمد حسيب- بطولات الفارس حتى النهاية السعيدة بزواجه من الأميرة التي أحب، ووعد لقاؤها عندما يبزغ ضوء النجم القطبي في السماء.
سعد المشاهدين الذين حضروا عرض الفيلم العالمي الأول الذي أقيم في مهرجان الجونة في سبتمبر الماضي، أو الذي حضروا العرض التجاري في القاهرة، بسماع أصوات الفنانين الذين توفوا وانقطعت أصواتهم عن السينما منذ سنوات، مثل الفنانين إحسان القلعاوي، وأمينة ورزق، وسعيد صالح، وعثمان عبد المنعم؛ كما سعدوا بالاستماع إلى أشهر من أدى صوت "موفاسا" عالميًا في فيلم "الأسد الملك"، وهو الفنان الكبير عبد الرحمن أبو زهرة الذي يؤدي صوت الساحر المتنبئ بمقتل الملك؛ وكذلك أكثر شخصيتين كوميديتين حملا على عاتقيهما لقطات كوميدية مبهجة يؤدي صوتهما الفنانان محمد هنيدي وماجد الكدواني في دوري العفاريت مساعدي الساحر، اللذان تطورت شخصياتهما إلى أن انقلبا على السحر وتحررا من سطوة الساحر بفضل استماعهما لتلاوة الفارس محمد بن القاسم لآيات القرآن الكريم.
الفيلم عبارة عن خطوة إلى الأمام في صناعة أفلام التحريك، وتجارة مثمرة تمثل قاعدة صلبة تسمح للأفلام التالية في بناء صروح من الأعمال المشاهدة أو الأفضل، وقد استعان صُنَّاعه بأصوات أصيلة لها جمهورها المصري والعربي، ومن أبرزهم الأداء الصوتي للفارس محمد بن القاسم الذي قام به الفنان مدحت صالح، والأميرة التي تكلمت بصوت دنيا سمير غانم، مما أضفي حميمية على الحوار في الفيلم. وكم أسعدنى إطلاق كلمة "فيلم" على عمل تحريك مصري، بعد أن قضينا سنوات نشاهد مسلسلات قصيرة في شهر رمضان أملًا في أن يأتي اليوم الذي تنافس فيه الصناعة المصرية نظيراتها من صناعات الدول الأخرى في مجال أفلام التحريك، مثل الولايات المتحدة وكوريا واليابان وغيرهم من الدول التي تقدمت في هذه الصناعة.
تم العمل على صورة الفيلم عن طريق تقنية البعد الثاني، وهى الأصعب، حيث يتم رسم اللقطات على الورق وصنع إطارات متحركة فتتكلف مجهود هائل ووقت طويل، وعند أن انتهى المؤدون من تسجيل أصواتهم تفرغ فنان الكاريكتور مصطفى حسين الراحل لرسم جميع الصور والشخصيات الكاملة قبل رحيله.