رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هشاشة "عظام"


فقدت الأساطير بريقها ولم تعد مستقرة في بيئتها الدينية المقدسة، بل تسربت إلى كل شيء في حياتنا الصاخبة فأصبحت تمس القيادات الدينية والسياسيين والزعماء والأبطال والفنانين والقادة والنجوم، حتى افقدت الأسطورة بريقها، وأصبح التهويل والغيب والغرابة والغموض تغلف كل ما هو مادي محسوس.

هذا لا يمنع أن تاريخ ثقافة الشعوب بلا استثناء يحتوي على رموز ذات دلالات أسطورية أو قيمية أو وطنية أو إبداعية، ذات حضور في الوجدان الشعبي، منها شخصيات مُلهمة تركت لنا موروثات ثقافية استقرت في الذاكرة المصرية والإنسانية، مثال كوكب الشرق أم كلثوم وأمير الشعراء احمد شوقي رائد الشعر العربي وطه حسين ونجيب محفوظ وغيرهم من رموز الفن والأدب والسياسة.

ولكن ما يخلق شرخاً مجتمعياً وصراعا فكريا هو اختلاف المجتمع حول قيمة الرمزية والوزن النسبي لشخص ما أو لكرسي ما، وبخاصة الرموز المرتبطة بالصراعات التاريخية حول السلطة الدينية أو نظام الحكم، والمستمرة في الحاضر، غير إن المشكلة تظهر حين يجري الاختلاف داخل المجتمع حول الرموز، ويصل حد الصراع حولها بين مؤكد لقيمتها ورافض لها، هنا يظهر التعصب والإرهاب والتدين العصبي وكل مظاهر الطائفية، على الرغم من أن نقد الأساطير أمراً مهماً وضرورياً ولازماً في جميع الثقافات، وهو مهم خاصة في مجتمعاتنا العربية الحافلة بالخرافات الدينية والغيبية.

ومع تطور وسائل الإعلام والدعاية وصناعة وتسويق الرموز السياسية والدينية وغيرها تحوّل الأمر لصناعةٍ قائمةٍ بحدّ ذاتها يعتمد عليها الكثير!، بجانب التأثر بالنسق البطريركي الأبوي، فإن المجتمع العربي هو أكثر أبوية من غيره من المجتمعات، لأنه مجتمع تقليدي راكد ويفتقد إلى العقل النقدي الذي يحركه بجانب اعتباره الانتماءات القبلية والطائفية المحلية.

لذلك أصبح هناك ضرورة لفتح قنوات أكثر فاعلية أمام المثقفين المتنورين للتوجه نحو نقد العادات الدينية والاجتماعية البالية، وثقافة الناس المتخلّفة، دون النظر إلى الموروث القائم والتوازنات السياسية خلف ذلك التخلّف والحاضنة له، في محاولة لمواجهة من تفرغ لإقناع الناس بتخلفهم.

أتصور أن نحتاج الى تحقيق نهضة فكرية من خلال معرفة الأفراد بالظروف والتطورات، وإدراك طبيعة الحياة الحديثة وأدواتها التكنولوجية، من خلال بناء الوعي التاريخي، من أجل التعامل مع الأحداث الراهنة وتحليلها تحليلا علميا، للقدرة على بناء الخطط المستقبلية لترسيخ الوعي والمعرفة لدى العامة.