رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل تسبب سرطان الجلد؟.. «الدستور» تحقق في عودة مصانع حفاضات الأطفال المغشوشة

حفاضات الأطفال المغشوشة
حفاضات الأطفال المغشوشة

صرخات عالية هزت أركان الغرفة، سمعتها "أمنية" صادرة من غرفة ابنتها الوحيدة التي لم يكتمل عمرها سوى 5 أشهر فقط في ذلك الحين، لتكتشف فور الدخول إليها أن جسدها محاط بالتهابات شديدة، الصدمة أثرت على الأم وجعلتها في حالة من الرهبة، كونها لم تكن تعرف السبب حينها، عن سبب إحمرار جسد ابنتها بتلك الطريقة المرعبة.

انطقلت الأم سريعًا إلى باب المنزل مصطحبة طفلتها على ذراعيها، لتستقل سيارتها الخاصة متوجهة إلى عيادة دكتور الأمراض الجلدية الموجودة بالقرب منها، وتبين بعد الكشف على الطفلة أن السبب الرئيسي حول تعرضها لتلك الحروق الجلدية، أنها استخدمت حفاضات مغشوشة ومضاف بها مواد كيميائية ضارة للغاية، كانت قد تسبب لها مرض جلدي مزمن يؤثر على جسدها بقية حياتها.

كريمات مرطبة ومراهم واقية، كانت هي وسيلة الطبيب لعلاج الطفلة سريعًا قبل تدهور الأمر، تقول السيدة خلال حديثها مع "الدستور"، إن الطبيب نصحها باستخدام مضاد للفطريات بشكل دوري لمدة أيام، بجانب تعريض جسد الطفلة للهواء 5 مرات يوميًا: "الموقف دا أجبرني أشتري أغلى نوع من البامبرز عشان بنتي ميحصلش معاها كدا تاني".

لم تكن هذه الطفلة هي الوحيدة التي عانت من الالتهابات الشديدة نتيجة استخدام الحفاضات المغشوشة، فقد انتشرت هذه الظاهرة خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير، وكان مصدرها الأساسي هي محال بيع المنظفات الصغيرة، التي تروج تلك المنتجات دون التأكد من ماهيتها الرئيسية، وهذا ما أكدته أيضًا الحالة السابقة "اشتريت البامبرز اللي كان السبب في تعب بنتي من محل منظفات على أول الشارع كان بيبعهم بسعر أرخص من الموجود في الصيدليات".

• "يستخدمون مواد كيميائية".. كيف تروج مصانع "بير السلم" الحفاضات المغشوشة في الأسواق؟

محال صغيرة لا تتعد مساحتها 100 متر، متخصصة في بيع المنظفات والمنتجات الورقية، وممتلئة ببضائع البعض منها غير معلوم ماهيته لكن سعره رخيص، والبعض الآخر يحمل علامات تجارية تعود لشركات معروفة، لكن رصدنا خلال جولة "الدستور" على تلك المحال الكائنة في منطقة فيصل، أن سعر المنتجات الموجودة بها تختلف أسعارها عن الأصلية.

تحدثنا خلال تلك الجولة مع أحد أصحاب محال المنظفات بالمنطقة، والذي أوضح أنه يبتاع دومًا الحفاضات من سوق الجمعة، حيث يحصل عليها بأقل الأسعار نسبة لأسعارها في المصانع الأخرى، بينما في الحين الآخر يتعامل مع أحد المصانع في منطقة 6 أكتوبر، الذي يصنع تلك الحفاضات ويبيعها للمحال بأسعار أقل كثيرًا عن سعرها الأصلي في الصيدليات.

"فيه ناس كتير اشتكت ان الحفاضات دي بتتعب أولادهم وبتسبب ليهم التهابات، وحاولت كتير أغير المصدر اللي بشتري منه البضاعة"، يقول صاحب المحل، إنه تأكد مرات عدة من غش الحفاضات التي يتاجر بها، مشيرًا إلى أن المصانع تستخدم مواد كيميائية في صناعتها، بل يجمعوها من مستلزمات قطنية مجهولة المصدر، حتى يتمكنوا من بيعها بأسعار رخيصة داخل الأسواق.

بلغ حجم سوق حفاضات الأطفال فى مصر 5.5 مليار جنيه سنويًا، في حين أن هناك 5 شركات محلية فقط لإنتاج الحفاضات بشكل رسمي في مصر، حتى انتشرت ظاهرة مصانع بير السلم التي تعمل على ترويج حفاضات مغشوشة بأسعار أرخص من الأصلي قد تصل إلى نصف الملبغ، بل يقلدون أيضًا العلامات التجارية للشركات الأصلية، بقصد الوصول إلى المستهلك بشكل أسهل.

أما عدد الأطفال المستخدمين للحفاضات في مصر بلغ 36 مليون طفل، في الفئة العمرية (4 سنوات)، وهي النسبة التي تستخدم الحفاضات، بينما وصل حجم واردات مصر من الفوط والواقيات الصحية وحفاضات الأطفال خلال عام 2017 مبلغ قيمته 12.8 مليون دولار، وهذا ما أكدته تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء مؤخرًا.
• مريم: اختفت الفطريات عندما استخدمت لابني نوع جديد من الحفاضات

"اشتريت الغالي والرخيص، وجربت كل أنواع الحفاضات مع طفلي الصغير ولكن لم تفارقه الالتهابات والفطريات من أي نوع بامبرز إطلاقًا"، هكذا بدأت مريم سعيد، موظفة، حديثها عن الحفاضات التي أصابت طفلها بالفطريات والالتهابات إلى أن تطور الأمر معه، مستطردة أن ابنها بات لا يحتمل شعور ارتداء أي من أنواع الملابس ليس فقط الحفاضات.

استكملت سعيد: ترددت على الطبيب الذي أتابع حالة ابني معه منذ الولادة، وفي بداية الأمر نصحني باستعمال الملابس القطنية فقط له لاسيما في الفترات الأولى من عمره؛ نظرًا لحساسية جلد الأطفال في هذا السن، كما نصحني أيضًا باستخدام نوع معين من الحفاضات، باعتباره أنه الأفضل من بين منتجات الحفاضات التي أغرقت الأسواق، مع ضرورة التأكد من مدى صلاحيته والعلامة التجارية الخاصة به.

تقول "سعيد": اعتدت شراء مستلزمات طفلي من الحفاضات ومستحضرات النظافة والتجميل له كل فترة بكميات، وفي إحدى المرات اشتريت أكثر من عبوة من الحفاضات التي نصحني بها الطبيب، ولكنه هذه المرة ظهرت علامات في جلده غريبة، ليس فقط الالتهابات المعتادة، وكأنه أشبه بطفح جلدي أو مرض جلدي ما، وعلى الفور توجهت بابني للطبيب، والذي بدوره حذرني من استخدام هذه الحفاضات؛ بسبب احتمالية غشها تجاريً.

أجرت وكالة البيئة الفرنسية (ANSES) دراسة مؤخرًا، خلصت بأن هناك مواد سامة في حفاضات الأطفال التي تُباع في الأسواق، بسبب وجود مادة "الغليفوسات" القاتل بها، وهذا يرجع إلى أن بعض الحفاضات المغشوشة يتم تعبئتها في أكياس مشابهة لأكياس الحفاضات الأصلية، مع وضع ماركات وهمية عليها، ويستخدم في إعادة التعبئة ورش غير معدة بالطبع للتعامل مع منتجات خاصة بالأطفال.
• أميرة: الطبيب اشتبه في إصابة ابنتي بالأكزيما أو الصدفية

لم تختلف تفاصيل ما حدث مع أميرة شلتوت، مهندسة، عن رواية الضحايا السابقة، والتي أكدت في حديثها لـ"الدستور"، أن لديها خبرة في التعامل مع الأطفال حديثي الولادة؛ لأنها لديها ابن أكبر من طفلتها الصغيرة، التي تبلغ من العمر نحو السنة والنصف، فكانت على دراية كافية باستخدام الحفاضات، منوهة أن معظمها يتسبب في حدوث حساسية أو ما يعرف بـ"التسلخات" التي تصيب الأطفال نتيجة الرطوبة وعدم التعرض للهواء بشكل كافي، وكانت تتغلب على تلك الأعراض مع طفلها باستخدام مستحضرات الترطيب المختلفة.

وتابعت "شلتوت": "كان الوضع مختلف تمامًا مع طفلتي الصغيرة عن، فعلى الرغم من استخدام أحد أجود أنواع الحفاضات فضلًا عن المرطبات والكريمات، إلا أنها مع مرور الشهور الأولى بدأت تظهر على إبنتي أنواع غريبة من الحساسية مثل "الدمامل" في منطقة الحوض، وباستشارة الطبيب الذي ترددت عليه اشتبه في إصابتها بمرض جلدي وهو (الأكزيما أو الصدفية).

أضافت "نصحني الطبيب بالمتابعة المستمرة معه باستخدام بعض مراهم الحروق والكريمات، وعليه بدا احمرار المنطقة يقل نسبيًا ولكن دون اختفاء تلك "الدمامل"، مستطردة أنها أخذت في تجربة نوع آخر من الحفاضات، وأكدت أنه أغلى من النوع السابق، وبعدما بدلت النوع وقامت بشرائه من أحد منافذ البيع الشهيرة، بدأ وضع طفلتها يتحسن "لما غيرت واشتريت نوع بامبرز أغلى اختفى المرض الجلدي، أينعم كان التحسن بطئ جدا، ولكن المهم انها اتعالجت".
• أستاذ جراحة أورام: "النايلون" هو المادة التي تضيفها مصانع بير السلم على الحفاضات

قال الدكتور مدحت خفاجي أستاذ جراحة الأورام بجامعة القاهرة، إن غياب الضمير هو السبب وراء التلاعب بصحة أطفالنا، موضحا الغش في حفاضات الأطفال بيكون في استخدام النايلون أو أنواع أخرى صماء لا تعمل على الامتصاص الجيد للماء مثل القطن فيظل الطفل في حالة البلل المستمر مما يسبب الالتهابات الجلدية واحمرار الجلد.

وأضاف "خفاجي"، أن أغلبية الأمهات لا تلجأ إلى الطبيب في حالة ظهور أعراض جلدية خطيرة قد تؤذي جلد مثل الهرش والحكة المستمرة خاصة حول فتحة الشرج، وهو ما قد يغيب عن ذهن الأمهات أن السبب الرئيسي في ذلك هو أن الحفاضة مصنوعة من مواد غير قطنية صماء تجعل الطفل في حالة بلل مستمر.

وشدد على مجموعة من الخطوات التي يجب على الأم اتخاذها في حال ظهور الأعراض المرضية على جلد الطفل أهمها استخدام المياه فقط دون الصابون بعد كل تغيير حفاضة والتجفيف الجيد للجلد دون الحك بوضع منشفة قطنية على الجلد حتى يجف.

وأرجع ما يحدث في الأسواق من غش إلى غياب الرقابة على الأسواق والمصانع خاصة ما يصنع تحت بير السلم، موضحًا أن مع خطورة تأثير هذه الحفاضات على صحة جلد الأطفال إلا أنها لا تسبب سرطان الجلد، وأن الطفل يكون معرض للإصابة بذلك بعد ١٥ عاما من الالتهاب المزمن للجلد.

وطالب خفاجي بضرورة تفعيل قانون لجان التفتيش الداخلي على المصانع الحكومية الذي كان موجودًا قبل عام ١٩٥٤، والمعني بالرقابة على موظفي الحكومة بتقديم تقارير عن كل عامل خلال عام، موضحًا تأثيره الإيجابي على مناخ الاستثمار في مصر والاقتصاد.

• الناظر: الحفاضات المغشوشة أمر خطير للغاية على صحة الأطفال

من جانبه أكد الدكتور هاني الناظر، دكتور الجلدية ورئيس المركز القومي للبحوث السابق، أن الحفاظات المغشوشة تمثل خطورة على جلد الأطفال ولكن لا يمكن القول بأنها تسبب السرطان، ولكنها قد تؤدي إلى حساسية موضعية بالجلد والتي تظهر على هيئة التهاب في صورة احمرار شديد يصاحبه إحساس بآلام للطفل.

وأكد الناظر أنه صادف حالات لأطفال أصيبوا بالحساسية نتيجة استعمال حفاظات مغشوشة نتيجة ثقة بعض الأمهات بالماركات التي تشتريها وتغفل تماما أنها قد تكون مغشوشة وغير مطابقة للمواصفات، وبالعلاج يتحسن حالة جلد الطفل.

وطالب في نهاية حديثه، بضرورة تفعيل دور الرقابة على الأسواق المصرية مع تغليظ العقوبة على المصانع الغير مطابقة للمواصفات ومعايير الجودة.