رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هالة الشلقانى.. المرأة التى صنعت أسطورة عادل إمام

عادل إمام وهالة الشلقانى
عادل إمام وهالة الشلقانى


نموذج عادل إمام وهالة الشلقانى يمكن أن يضرب به المثل إذا أردت أن تتحدث عن قصص الحب التى تعيش إلى نهاية العمر.. القصة هنا ليست أسطورية، لن نضفى عليها طابعًا مثاليًا أو مبالغًا، لن نقول إنها قصة حب لم تحدث أو لن تتكرر، لن نخبرك أيضًا بما ليس فيها.. ولن نخفى ما عليها، فهى قصة قد تكون مثل كل قصص أبطال الحياة العاديين الذين يملأون حياتنا دون أن نعرفهم، هؤلاء الذين يحبون فيعدون ويوفون.. ويبقون نبلاء حتى النهاية.
عادل وهالة.. هما مثال حى لهذا النموذج، قصتهما عجيبة وبدايتها أعجب. فإذا كانت القاعدة تقول: «النهايات لا تصح إلا بصحة البدايات»، فإن بداية قصتهما كانت كاسرة كل القواعد والأعراف الصحيحة، ومع ذلك انتهت بنجاح على كل مستوياتها.

رأى عادل إمام هالة صدفة لأول مرة تطل من الشباك، فاهتز وسكت، أعجبها سكوته وثباته، وأعجبته طلتها وأناقتها وملامحها القوية شديدة البياض. كان هذا الشباك مجاورًا لمنزل المنتج سمير خفاجى، الذى اعتاد أن يستضيف عادل وزملاءه فى بيته، فهو الذى اكتشفهم وقدمهم فى «مدرسة المشاغبين»، وحين وقع نظر عادل إمام عليها وهو جالس وسط كل هؤلاء، بادر الجميع بمغازلتها، بينما ظل هو ساكنًا لا يتحرك، ويبدو أن هذا هو ما أعجبها فيه، فتبادلا النظرات من نافذة إلى نافذة على طريقة مشهده الشهير مع سعاد حسنى فى فيلم «حب فى الزنزانة».
هل نرجع خطوة إلى الوراء؟
ما سمات شخصية عادل إمام؟ هل يمكن أن يقع فى الحب من أول نظرة؟.. هذا السؤال قد تكون إجابته فى غير صالح الزعيم، فالجمهور يتصوره إنسانًا «فلاتى» جريئًا يحب النساء ويشتهيها، فأغلب أفلامه كانت تتمحور حول هذا البطل، المشاكس، الجرىء، متعدد العلاقات، لكن الحقيقة على عكس ذلك نهائيًا.
يخبرنا عادل إمام عن نفسه فى لقاء تليفزيونى مع مفيد فوزى: «أنا خجول جدًا، لا يمكن أعاكس واحدة، مبعرفش أقول يا جميل، يا حلو، ولا أمشى خلف واحدة فى الشوارع، لا لا، أنا مش كده خالص»، هذا هو جزء خفى فى شخصية عادل إمام، كشف عنه كثيرون ولم يصدقوهم، أحمد راتب وسوسن بدر وسهير رمزى وزيزى مصطفى، كل هؤلاء صرحوا وقالوا ذلك، وفاء عامر قالت مرة: «أنا مشفتش واحد بيتكسف من الستات قد عادل إمام»، قد يكون ذلك مفاجأة، لكنها حقيقة، فعادل إمام الذى يظهر أمام الكاميرا غير عادل الآخر، الذى تربى فى الحلمية تربية صارمة وقاسية.
منى شقيقة عادل قالت فى لقاء قديم: «عادل مش زى ما بيظهر على التليفزيون، ده حد تانى، ووالدى كان شديد عليه، وضربه جامد أوى قدامى لما سقط فى الثانوية»، وأكد عادل ذلك أكثر من مرة، ويبدو أن هذا العالم الصارم للأب الشاويش فى الجيش، قد خلق من عادل شخصًا منضبطًا فى حياته الشخصية، فلم نسمع يومًا عن علاقات نسائية متعددة، أو إثارة جدل حول أسرته وأبنائه، وهو الأمر الذى ربما دفع هالة الشلقانى لتقول: «عجبنى فيه إنه كان محافظ، أيوه كان متردد يتجوزنى ويوعدنى وميقدرش، كان خايف، وقاللى خلينا صحاب فقط، لكن أنا اللى اتجوزته وخطفته زى ما بيحب يقول».
السؤال هنا: لماذا تردد عادل فى الزواج من المرأة التى أحبها؟ الإجابة:
فى الوقت الذى رأى فيه عادى إمام هالة الشلقانى كان عمره ٣٢ عامًا، لم يكن مشهورًا بالشكل المتوقع، لم يكن قدم «مدرسة المشاغبين» بعد، لم يجن المال الكافى لمواعدة فتاة من طبقة أعلى وأسرة أكبر، وحسبما يقول الزعيم فإن زوجته خريجة مدارس «الميرد ديو» ودرست القانون، تتحدث الإنجليزية والفرنسية بطلاقة.
يقول الزعيم: «أهلها رفضونى تمامًا، قالوا لهالة: مين الكومبارس اللى إنتى جايباه ده؟»، وكانت أسرة زوجته من الأسر العريقة فى عهد الملكية وكانوا من أعضاء حزب الأحرار الدستوريين الذى كان مشهورًا بأنه حزب كبار ملاك الأراضى والأعيان.
يستكمل الزعيم حديثه: «الحقيقة كنت خايف من الزواج جدًا، كنت بسأل نفسى: هى دى اللى هكمل معاها باقى حياتى ولا لأ؟ لذلك ترددت، لكن هى اللى أصرت، وتزوجنا من ورا أهلها»، وكعادة أى قصة يقف أمامها الأهل فتفشل، إلا أن حبهما غلب فى نهاية الأمر.
أريد أن نقف على ما فات هنا، الزعيم قال: «كنت بسأل نفسى هى دى ولا لأ؟»، المعنى هنا أنه كان خائفًا من أن تكون مشاعره نحو هذه السيدة غير حقيقية، كان خائفًا ألا يكون على قدر مسئولية الزواج.
هل تذكر مشهده مع شريهان فى «خلى بالك من عقلك» عندما رفضت أن تعطيه حقوقه الشرعية، أخبرها وقتها: «الحياة الزوجية مش بس اتنين يناموا فى أوضة واحدة، الحياة الزوجية حب وتفاهم وعشرة، أنا مش مراهق يا سلوى».. من هذا المبدأ انطلق عادل إمام فى قصته مع حبيبته هالة، لذلك وقفت ضد أهلها واختارت الحبيب الذى تأكدت من مشاعره وشخصيته وجديته وأمانته ونضوجه فى أن يصنع لها حياة آمنة، خاصة أن هالة كانت تعيش مع جدتها بعيدًا عن والديها. فهى تبحث عن تكوين عائلة تكون هى البطل الأول فيها، وكذلك هو، إذ قال مرة فى لقائه مع الإعلامية منى الشرقاوى: «أنا كائن أسرى جدًا، وأحب الأسرة».
عادل إمام نفسه يتحدث عن زوجته فى هذه النقطة بالتحديد فى حديث نادر، فيقول إن «هالة الشلقانى هى الحب الأول والأخير، لا أحببت قبلها ولا بعدها، هى التى صنعت عادل إمام، وأدين لها بالفضل فى الحفاظ على الأسرة وتربية عيالى أفضل تربية، سيدة عظيمة، وقفت جنب أمى فى شدة مرضها، وأمى كانت بتحبها بشكل غير طبيعى وبتدعيلها، غير أنها تركت كل شىء فى حياتها من أجلى ومن أجل الأبناء»، ويطلق الزعيم على زوجته فى المنزل لقب «العسكرى الأبيض»، فهى صارمة حاكمة لكل شئون الأسرة، وربما تكللت قصة حب عادل وهالة بالنجاح والهدوء طوال ما يقرب من ٥٠ سنة زواجًا، لأنها كانت عن حب حقيقى واختيار حر وتفاهم يندر أن يكون هناك مثله بين طرفين.
هل تغار هالة الشلقانى على الزعيم؟
هذا السؤال وجهه مفيد فوزى إلى هالة، فأجابت: «طبعًا أغير عليه، لكن أثق به»، إجابة بليغة تكشف عن حجم التفاهم والنضوج والحب فى علاقتهما. فهى تعرف أن صعلكة عادل إمام حبيسة الشاشة الكبيرة فقط، هو نفسه يقول: «اللى أنا بعمله ده كله فى السينما والأفلام والتليفزيون بس، أنا فى الحقيقة مش كده خالص».
نقطة أخرى تشير إلى سر هذا الحب الكبير، وهى احترام خصوصية العمل، فهو لا يتدخل فى شئونها، ولا هى أيضًا تتدخل فى عمله، كما أن هالة تدعمه دعمًا كبيرًا فى عمله، وقد حكى الزعيم كواليس التحضير لفيلم «الإرهابى»، إذ تدخلت هالة للضغط عليه لإلغاء العمل نظرًا لتهديدات الإرهاب والعمليات المتكررة ضد وزير الداخلية وبعض الشخصيات السياسية، لكن عندما وقعت عملية إرهابية راحت ضحيتها طفلة صغيرة، دخلت عليه هالة باكية وقالت: «أنا غلطانة، مش أنا كنت خايفة عليك وعلى عيالنا؟، أنا اللى بقولك اعمل الفيلم ده دلوقت عشان عيالنا».
والزعيم كائن «بيتوتى»، أغلب وقته فى منزله لا يبرحه إلا لعمل أو مناسبة أو لقاء، يقول: «الناس فكرانى عايش فى قصر، لا والله أنا مبحبش القصور، أنا عندى فيلا فى المنصورية وحواليها أرض زراعية، لا أكثر ولا أقل، وأسعد لحظاتى وأنا قاعد جنب هالة حبيبتى، وسط عيالى وأحفادى».