رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هاني عمارة: الإخوان تاريخ من الاغتيالات والصدام مع السلطة

هاني عمارة
هاني عمارة

يري الباحث في الإسلام السياسي٬ المنشق عن جماعة الإخوان الإرهابية٬ أن التخلص من مركزية النص ووضع النصوص التشريعية في سياقاتها التاريخية٬ من أهم العوامل التي تتحول من خلالها تنظيرات الإصلاح الديني لواقع ملموس، وحول تجربته مع جماعة الإخوان٬ وإنشقاقه عنها بعد سبع سنوات قضاها عضوا فيها٬ ومسئولية الخطاب الديني في تنامي ظاهرة التحرش بالنساء٬ وغيرها من القضايا الآنية٬ كان لــ "الدستور" هذا الحوار مع هاني عمارة.


ــ سبع سنوات قضيتها عضوا بجماعة الإخوان، لماذا أنشققت عنها؟
انضممت من خلال مسجد قريب من منزلي كان معقلا للإخوان في المدينة، وساعد اهتمامي بالثقافة الدينية وحفظي للقرآن منذ صغري، أما انشقاقي فقد حدث بسبب تطور أفكاري بصورة مست أصول الفكر الإخواني بدرجة لم تستوعبها الجماعة؛ لأن أفكاري ورؤيتي تطورت بشكل فاق قدرتهم على الاستيعاب، وانفصالي عام 2006 لم يَكُن بسبب مُشكِلة داخليَّة أو رد فعل لسلوك سياسي أو أخلاقي، كما حدث مع بعض المنشقين، خاصة أن سياسة الجماعة يغلب عليها البراجماتيَّة واستيعاب المختلفين مهما كانت درجة الخلاف.

ــ ما مدي مسئولية المنابر فى حوادث التحرش بالنساء٬ فتاتي المنصورة نموذجا؟
المسئولية تأتي من تمحور الخطاب الوعظي حول المرأة واختزالها في الحجاب، وفي سبيل فرض الحجاب يتم تحميلها مسئولية أي اعتداء يقع عليها أو أي فساد، للأسف توجد من النصوص القديمة ما يدعم هذه الفكرة،لذا تحتاج لمراجعة ومواجهة.

ــ يذهب عدد من المفكرين إلي أن القهر والتعذيب الذي تعرض له دعاة "الإسلام السياسي" هو السبب الرئيسي في تنامي ظاهرة الإرهاب.. كيف تري الأمر؟
يدحض هذه الفكرة إن الاخوان في تاريخهم أسسوا تنظيمهم الخاص المسلح في زمن حسن البنا، وانخرطوا فى جرائم الاغتيالات قبل الاعتقالات والصدام المباشر مع السلطة.

ــ كيف يتحرر الله من أسر الفقهاء والمتطرفين؟
عندما يتم الاعتراف بالتجربة الإيمانية الذاتية٬ ومنح كل فرد حرية تكوين إيمانه الخاص بما لا يضر الغير.

ــ كيف تتحول تنظيرات الإصلاح الديني لواقع ملموس؟
التخلص من مركزية النص ووضع النصوص التشريعية في سياقاتها التاريخية.

ــ ما هو دور المثقف في المواجهة الفكرية للإرهاب؟
مواجهة الخطاب المتطرف من خلال استيعابه وفهم دوافعه، فالمتطرف ليس ضحية فقر أوفساد، بل ضحية ثقافة ونصوص.

ــ لماذا يهتم الفقهاء بالشريعة ويهملون جوهر العقيدة؟
لأن الشريعة أحد مظاهر السلطة٬ وجوهر العقيدة مجاله الوعظ٬ والوعظ ليس مجال سلطة.

ــ هل التفسيرات التي مر عليها 14 قرنا للنص القرآني تلائم عصرنا الحالي؟
ليس بالضرورة تلائم أم لا٬ فالمواجهة الأصعب هو إمكانية تجاوزها والاعتراف بعدم ملائماتها حتى لو تفسيرات صحيحة، وهذا لاينفي الحاجة إلى إعادة قراءة وفهم النص الديني وفق آليات علمية وليس على الطريقة الحالية من فرض مفاهيم عصرية عليه.

ــ هل تتآكل الحاجة للأديان في ظل التفسيرات التي يقدمها العلم كل يوم عن الكون والحياة ؟
وضع الدين في مكانة العقائدي والنفسي كتجربة ذاتيه وروحية٬ وعدم تغوله في الشأن التشريعي هو ما يحفظ له مكانته. والتآكل هذا بسبب هذا التغول واعتبار الدين مهيمنا ومصدرا وحاكما على كل المعارف.

ــ كيف نفرق في الدين بين ما هو علم٬ تاريخ٬ إيمان ؟
نحن نواجه مشكلة في الخلط بين ما هو علمي تاريخي وما هو عقائدي٬ فأحداث السيرة وقصص الصحابة مجالها الفعلي هو البحث التاريخي ونشأة الكون ومعرفته مجالها البحث العلمي وليس التصورات الميتافيزيقية القديمة للظواهر الطبيعية والإنسانية وقدمت مقترنه بنصوص دينية. أما العقيدة تختص بتصور انسان عن الله وتواصله معه وقضايا السلوك والأخلاق.

ـــ لماذا نجح اليمين المتأسلم في التغلغل داخل المجتمعات العربية٬ حتي بين النخب الثقافية نفسها٬ بينما فشل اليسار٬ بل ومؤخرا شهدنا هذا اليسار نفسه يمثل ظهيرا داعما لليمين المتطرف ؟
بسبب فشل المشروع القومي بعد 67 حدث فراغ فكري مثل المشروع الديني حلا إختزاليا للمشكلة من خلال تصوير أن سبب ما حدث هو البعد عن الدين وهو إختزال شديد السطحية.

أما اليسار فجزء من دعمه لليمين الديني في الشرق هو نكاية في السلطة كما أن التيار الديني تعامل معه ببراجماتية واستغلال فجزء من الخطاب الإسلامي الشعبوي يستعين فيه باللغة اليسارية للوصول للجمهور مما مثل متنفسا لبعض النخب اليسارية في التعبير عن نفسها بعد انهيار وتراجع مشاريع اليسار بالعالم مع التنويه بأن هناك الكثير من الرموز اليسارية المحترمة ظلت ثابتة ولم تنجرف لهذا الاختراق وواجهت التيار الإسلامي حتى النهاية منهم الراحل رفعت السعيد.

ـــ تذهب بعض الآراء إلي أن دائرة العنف التي دخلناها منذ سبعينيات القرن المنصرم٬ جاءت كردة فعل لمقاومة التيار الحداثي٬ ما ردك؟

صحيحة جزئيا وليست بالعموم٬ لأن العنف أو استخدام القوة أو تغيير المنكر فكرة بنيوية في صميم فكر تلك الجماعات.

ـــ كيف ترى قضية العلاقة مع التراث الديني؟
تحتاج بحث ونقد وفق معايير علمية وموضوعية٬ مع ضرورة الفصل بين ما هو عقائدي وما هو تاريخي وما هو تشريعي دنيوي كما ذكرنا سابقا.

ــــ لماذا تقاوم المجتمعات العربية فكرة فصل الديني عن السياسي؟ وهل هناك أفق ولو علي المدي الطويل لحسم هذه القضية كما حسمها الغرب منذ عصر التنوير ؟
اعتقد بسبب سيطرة التيار الديني في الــ 40 سنة السابقة٬ كما أن خطاب المؤسسة الدينية الرسمية ممثلة في الأزهر دعمت هذا الاتجاه٬ من أجل ترسيخ سلطتها، وأعتقد أن المجتمعات العربية بدأت في طريق التغيير وستتجاوز خطاب المؤسسة الرسمية.

ــــ هل الأصولية هي نتاج طبيعي في مجتمعاتنا ؟
نتاج طبيعي لمقدمات لم يتم التعامل معها بحسم مع تأسيس الدولة الوطنية الحديثة٬ من ضرورة ترسيخ فكرة المواطنة وسيادة القانون وليس العرف أو الشرع.

ــ متي يتقبل المجتمع فكرة قصر الدين علي المجال الخاص ؟
بترسيخ مفهوم الدولة الحديثة والمواطنة وثقافة الحقوق والحريات الفردية.

ـــ لماذا غاب تأثير التنويريين وحضر تأثير دعاة الغلو والتشدد ؟
شق منه ذاتي متعلق بأزمة الخطاب التنويري وانعزاله وعدم صياغة خطاب تواصلي مع العوام٬ وجزء منه متعلق بالظروف الاقليمية وقضية فلسطين والشد والجذب مع الغرب التي جعلت دعاة التشدد أقرب للجمهور.

ـــ ما أثر التعليم الديني علي تفريخ أعداد جديدة من المتطرفين ؟
التعليم الديني الذي يتلقى فيه المتعلم النصوص والفكرة كتلقين ودوجما طبيعي أن يقرز لك متطرفا والحل كما أسلفنا من مناهج عصرية موازية بجانب التعليم الديني.

ـــ هناك من يذهب إلي أن تجديد الخطاب الديني عندما يكون فوقيا٬ يتحول متلقيه إلي إرهابي٬ ما ردك علي هذا الأمر ؟
احتكار فئة لتجديد الخطاب الديني وفرضه وليس فتحه بالعموم بما لا يضمن وجود تباينات هو عادة ما يولد رفضا شعبيا له وتونس مثال جيد.

كيف تفسر ظاهرة تفشي الإلحاد والإنتحار بين شباب التيارات الإرهابية بعد فض "رابعة" ؟
نتاج طبيعي لصدمة الفشل بعد خطاب يقيني بالتمكين٬ وحتمية نصر الله لهم ترسخ خلال عقود كعقيدة أساسية.

ــ كيف تنزع قداسة رجال الدين؟
عندما يتم توضيح الفارق بين القداسة والإحترام٬ الإحترام مطلوب حتى في النقد ٬أما القداسة فتجعله فوق النقد.

لماذا أتهمت المفكر الراحل محمد شحرور بأنه يحمل وجه آخر من الأصولية٬ رغم قولك بأنه يمثل تيارًا فكريًا مناهضًا للإسلام السياسي بشقيه الجهادي والإخواني؟
لأنه ينطلق من النص ويجعله الأساس وهو جوهر فكر الإسلاميين، الاختلاف فقط في الغرض، ومن الإنصاف أن نقول بإن مشروع شحرور كان غايته الإنسان٬ أما مشروع الإسلاميين فغايته السلطة والتمكين.