رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ألغوا طاعة النساء للذكور والرجال


مصر من أعلى البلاد فى نسبة الطلاق، فقد قامت وزارة التضامن بإعداد ملف متكامل عن أسباب تفكك الأسرة المصرية، وكيفية الحفاظ عليها وسبل حمايتها. حينما قرأت هذا الخبر فى إحدى الصحف القومية الكبرى، وفكرت هل قُدر علينا فى هذه الفترة المهمة أن تبقى كل مؤسسات الدولة ساكنة لا تفعل شيئًا يضرب فى جذور المشكلات، إلا عندما يستفحل ويتحول من أعراض بسيطة إلى «ظاهرة» خطرة؟.
أين جهد المؤسسات الثقافية المسئولة فى البلد؟ للأسف المؤسسات الثقافية تفهم الثقافة على أنها افتتاح المهرجانات فى المدن والمحافظات والأقاليم، وإلقاء كلمات المديح والإشادة، واستضافة فنانين وفنانات وصحفيين ونقاد وإعلاميات، وتقديم جوائز وشهادات تقدير وتكريم وسط التصفيق وتصوير الكاميرات وتسليط الأضواء.
عفوًا أيها السيدات والسادة، كل هذا ليست له علاقة بالثقافة، ما تفعلونه مجرد «أنشطة إعلامية ثقافية»، ويمكن لأى جهاز أو إدارة صغيرة أو جمعية أو مركز أو حتى مركز شباب أن يقوم به وربما بشكل أفضل. فالكيانات الكبيرة متخمة بالروتين والبطالة المقنّعة متضخمة بقيمة «البقاء على الكرسى» المهدد فى أى وقت.
لننظر كيف تمت البداية فى وزارة التضامن، وكيف ينظرون إلى الحلول مع الخبر نفسه الذى قرأته، عرضت الأفكار التى تسترشد بها لإعداد الملف الكامل عن ارتفاع معدلات الطلاق وتفكك الأسرة المصرية وكيفية حمايتها.
أولًا: الآراء الدينية.. حرص الرأى الدينى على البدء باستحسان عنوان المبادرة المشتق من التعبير الدينى «مودة ورحمة»، ثم ترى أن تفكك الأسرة هو نتيجة انعدام الدين وغياب الوازع الدينى وعدم التحلى بالأخلاق الإسلامية، إذن الآراء الدينية هى نفسها فى كل القضايا المختلفة وبالتالى لن تسعفنا.
ثانيًا: الآراء الاجتماعية.. تدور فى الفلك المعتاد المتوقع التقليدى، فهى تتحدث عن ضرورة تأهيل أسرى لدور الزوج والزوجة ومعنى وأهداف الزواج، إذن هى الأخرى لا تقدم الجديد.
ثالثًا: الآراء النفسية.. تتحدث عن فهم نفسى متبادل بين الزوج والزوجة، وتلبية كل منهما الاحتياجات النفسية للآخر، وهذا كلام جرائد عام مرسل لا يفيد.
جميع الآراء لا «تخبط» فى العمود الأسمنتى المسلح الذى يصد أى «إصلاح» أو «حماية» للأسرة والزواج والأطفال، ألا وهو جوهر قانون الزواج والطلاق، أو قانون الأحوال الشخصية المؤسس دينيًا على «السلطة المطلقة للزوج» على الزوجة، واعتبار الزوجة من «ممتلكات الزوج ومتاعه الشخصى»، وأن «الطاعة العمياء فى كل الأشياء» واجب الزوجة الفاضلة المتدينة الطبيعية، مقابل «اللقمة» التى يؤكلها لها الزوج حسب هواه وكسب رزقه وأولويات الإنفاق التى تحددها هواياته ومزاجه والسهر مع أصحابه.
نحن منذ سنة ٢٠١٤ نتعثر فى تجديد الخطاب الدينى، ومع أننا لو ألغينا فقط شيئًا واحدًا وهو وجوب الطاعة العمياء من النساء للذكور، فسوف يتجدد الخطاب الدينى فورًا، المؤسس كله على هذه الطاعة فى الأسرة والمجتمع وهذه قضية ثقافية رئيسية.
دون قانون مدنى موحد يعامل الزوج والزوجة على قدم المساواة، وبمبدأ العدل الإنسانى لا الذكورى، ويتناغم مع حقوق الإنسان فى كل البلاد المتحضرة المتقدمة، ويحقق علاقة الزواج كأساس للحرية والسعادة، وليست علاقة لاستعباد وقهر الزوجات والأمهات والأطفال بدون ذلك فلن يتحقق أى تقدم.
إن صعوبة تحقيق التقدم فى مثل هذه القضايا أنها أولًا: مرتبطة بالتغيير الوجدانى الذى أخذ وقتًا طويلًا نسبيًا إلى أن تتخلل أركانه العتيدة.
ثانيًا: لا بد من مشاركة جميع مؤسسات وقوى المجتمع، وليس فقط وزارة واحدة، أو مؤسسة واحدة أو جهازًا واحدًا.
ثالثًا: أهم جهة يمكنها الإسراع بالتغييرات الثقافية المطلوبة هو الإعلام، خاصة المرئى ثم السمعى. ومع الأسف فإن الإعلام فى بلادنا قائم على البرامج المسلية والترفيه، وإعداد مقالب للفنانين، وعلى مفاهيم ترسخ الردة الثقافية، وعلى مسلسلات تتماشى مع الثقافة المتردية، وهو ما يشكل إهدارًا للفلوس وتضييعًا للوقت وتأخيرًا للرقى الحضارى.
رابعًا: النخبة الثقافية التى تقع على كاهلها مسئولية تغيير الثقافة هى نفسها لا تؤمن بهذا التغيير، وقد اعتمدته وتنطق به فقط كنوع من الدعاية وإثبات حسن النية.
خامسًا: التغيرات التى يستلزمها الرقى الحضارى فى أغلبها لا بد أن تصطدم بالخطاب الدينى السائد، الذى يمثل بؤرة الوجدان الشعبى الذى أصبح منذ سنوات متطرفًا سلفيًا متعصبًا أشد تزمتًا وأعنف ذكورية، وبالتالى فإن النخبة المكلفة بإحداث التغيير حتى لو كانت مؤهلة، فإنها تخشى الصدام مع هذا الخطاب، وتتفادى دخول عش الدبابير الملتحية المتأسلمة المتحفزة لإصدار بلاغات التكفير. إن تغيير الثقافة لا بد أن تقوم به «كريمة» المجتمع المتنورة، المثقفة، الفنانة، المبدعة، الشجاعة، لها رؤية للتغيرات الثقافية الجذرية، وأن تكون مؤهلة على أعلى مستوى يستطيع الإنجاز فى مرحلة من أهم مراحل تاريخ الوطن.
من بستان قصائدى
الإرادة لفعل الأشياء.. تأتى حينما يوجد الدافع
لماذا إذن.. تهرب مِنى إرادتى
رغم امتلائى بأقوى الدوافع؟
لأن