رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإسكندرية تبتسم.. بالسينما


على شاطئ الإسكندرية، انطلق الجمع الغفير من فنانى مصر ومبدعيها، مثقفيها وإعلامييها، يفعّلون الدورة الـ 29 من مهرجان الإسكندرية السينمائى لدول حوض البحر المتوسط، بتحدٍ واضح لما يريد البعض فرضه على الشارع المصرى من فوضى وعنف، وقد أراد منظمو وحضور المهرجان أن يقدموا رسالة للداخل والخارج معاً، وبخاصة إلى الدول المطلة على البحر المتوسط والتى تشارك فى دورة هذا العام، بأن مصر ستظل بلد الأمن والأمان، وأنها فوق التحديات الصعاب،

مرفوعة الرأس ومُهابة الجانب، مهما حاول أى حاقد أن ينال من استقرارها، وهذا ما قاله اللواء طارق المهدى، محافظ الإسكندرية، من «أن المبدعين هم الذين يصنعون المستقبل وهم المكون الرئيسى لمصر، لذا فإنهم يقدمون للعالم صورة جميلة عن مصر الحضارة وحاضنة الفنون، فى دورة للمهرجان هى دورة المواجهة والتحدى، بمشاركة 120 فيلماً من 27 دولة عربية وأجنبية».

ومن المصادفات فى المهرجان، أن تنعقد هذه الدورة فى رحاب فندق «رويال تيوليب»، المملوك للقوات المسلحة، ضمن مشروعاتها الاقتصادية ذات المنفعة العامة، وهى أيضاً الدورة التى تأتى متزامنة مع احتفالات مصر بانتصار جيشها العظيم فى 6 أكتوبر 1973، وهو الانتصار الذى يتناوله المهرجان بالنقاش، لأنه الحدث الأضخم فى تاريخ مصر الحديثة والذى غير مفاهيم العسكرية العالمية، ومع ذلك مازلنا نتعامل معه فنياً بشكل ممنهج، يرى البعض أنه خضع لاتجاهات سياسية على مدى 30 عاماً، أو كما يقول السيناريست بشير الديك إن «هذه الحرب لم تأخذ حقها سينمائياً رغم أهميتها الكبيرة فى تاريخ مصر وتجاهلناها كأحد أهم الأحداث القومية فى تاريخنا».

لا أنكر معرفتى بأن الدورة الحالية للمهرجان واجهت تحديات عدم الانعقاد فى ظل الظروف الراهنة فى مصر، والتى يجنح فيها الإخوان إلى محاولة إشاعة الفوضى فى البلاد، بهدف تعويق مسيرتها وهروب الاستثمارات منها والحيلولة دون قدوم السياحة إليها، لكن القائمون على المهرجان، ومعهم محافظ الإسكندرية، رأوا أن العكس هو الصحيح، إذ إن انعقاد الدورة لهو البرهان الواقعى ورسالة مصر إلى العالم وإلى أبنائها، بأنها المستقرة دائماً وأنها فوق التحديات والتهديدات، وأن أحداً لا يمكنه أن ينال من استقرارها.. وبالفعل، خرج حفل الافتتاح فى جو مفعم بالتفاؤل، مستبشر بالغد المشرق لهذا البلد الطيب، لأن قوة أساسية من قوى مصر الناعمة هى التى تقيم هذا المهرجان، وهم فنانوها ومبدعوها الذين أرادوا أن يعطوا الدورة مذاقاً مختلفاً عن كل الدورات السابقة، تمثل قدرة المجتمع المدنى على تحمل مسئولياته فى الدفاع عن مكتسبات الوطن وحماية حاضره ورسم خريطة مستقبله.

أعود للواء طارق المهدى الذى عرفناه - كإعلاميين - منذ توليه مسئولية ماسبيرو، قبل أن يصبح محافظاً لثلاث محافظات حتى الآن، أحدثها الإسكندرية.. إذ تعهد المحافظ أن يكون حفل الافتتاح فى الهواء الطلق، ليظهر جمال بحر وكورنيش الإسكندرية، وتحدٍ لمن قد تسول له نفسه الإساءة لهذا الحدث، سواء فى التنظيم والإدارة أو إقامة الضيوف.. رهاناً منه على أن تتحول العاصمة الثانية لمصر إلى عاصمة حقيقية للثقافة، تكون لها أجندة واضحة، تأخذ حظها الطبيعى من السياحة العربية والعالمية، لتكتمل التنمية الحقيقية لهذا الثغر الباسم فى مصر.

يبقى القول بأن دورة مهرجان الإسكندرية هذا العام، استثنائية، تستوجب التحية لكل القائمين عليها، الشجعان كالجنود فى الميدان، لأن هذه الدورة هى الوحيدة التى تقام فى مصر الآن لتؤكد أن مصر آمنة تحت أى ظروف تتعرض لها.. كما أشيد باستحداث المهرجان لمسابقة عربية ضمن فعالياته، تسهم فى لم الشمل العربى، وهو الاتجاه الذى أبرزته ثورة 30 يونيو وتبلور فى الدعم العربى غير المحدود للشعب المصري.

كل عام ومصر بخير.. وكل عام ومهرجاناتها فى ازدياد وتألق.