رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى عيد ميلاد جارة القمر.. صوت فيروز تخت كامل

فيروز
فيروز

صوت يتسلل إليك في نعومة، فإذا به بعد برهة وجيزة قد زلزل كيانك٬ شالك ونفضك٬ أزال عنك الغبار٬ غسلك من الأدران٬ صفي مشاعرك ونقاها. صوت يفتح وعيك علي الحياة٬ علي جمال الخلق وبهجة الدنيا٬ يزيدك قربا من الله٬ يحمل إليك طائفا من جنان الخلد٬ يشير إلي ما يمكن أن تكون عليه الجنة وبنات الحور. بهذه الكلمات يرسم حكاء مصر "خيري شلبي" صورة لصوت جارة القمر الشهيرة بــ"الست فيروز" والتي تحل اليوم الذكري الــ84 لمولدها.
صوت فيروز أبدا ليس صوت فردا إنما جوقة تخت كامل. فيه حدة الكمان وتفجر صوتها حين يرتفع آواره٬ فيه شرقية القانون ورصانته وامتلاء تردداته٬ شجن العود ووحدانيته الآسيانة٬ أنين الناي وشجوه وحرارته الملتهبة٬ زفير الأرغول وامتداده وطغيانه٬ إستغاثة السلامية٬ فتافيت الرق المنضبطة الضابطة٬ صهللة الصاجات ووقعها المجروش٬ ضربة النقرزان الملموسة كنقطة فوق الحرف٬ عمق إيقاع التشيللو.
إنه صوت طويل التيلة كالقطن المصري٬ قابل للفتل والعطاء والتمدد إلي ما لانهاية مع الغزل الرفيع ٬ مطواعا حتي ليمكن لفتلته أن تكون غير مرئية. أجل صوت فيروز يضع الملحن أمام إمكانية هائلة للغزل والنسيج الرفيع٬ ينسج منه ما يشاء من الألحان. فهو صوت غاية في الشفافية والحساسية تنعكس عليه أدق النغمات والحليات والزخارف٬ يضفي علي الألحان زخارفه الذاتية بحساسية الأداء ونورانيته.
تعرف الجمهور المصري علي فيروز لأول مرة من خلال أغنية "وقف يا أسمر" ثم أتبعتها برائعة مرسي جميل عزيز الخالدة "سوف أحيا". وفي الوقت الذي كان فيه الغناء في مصر قد انصرف تماما للتركيز علي الأغنية الفردية المكرسة للمشاعر الذاتية٬ وصراع النجوم علي الساحة بين أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وفريد الأطرش٬ ومحاولة كل منهم بأن يكون النجم الأوحد في قلوب الجماهير٬ كان الرحبانية يقومون بثورتهم في المسرح الغنائي بالأغنية الجماعية٬ حيث المغني ولو كان فردا في إحدي الأغنيات٬ يغني بلسان الجماعة٬ أو بلسان الموضوع٬ من داخل الموضوع٬ من قلب الدراما٬ فالأغنية جزء لا يتجزأ من الموقف العام٬ من الوجدان الجماعي.
وهكذا أندلعت أغنيات فيروز اندلاع النار في الهشيم٬ لأنها تخاطب الوجدان العربي العام٬ بلسان الحال الحالي٬ بمشاعر ملتهبة٬ وموضوعات معاصرة بل آنية. فالغناء الرحباني إذن يمثل احتياجا موضوعيا٬ اجتماعيا عاطفيا ثوريا معا. وبذكاء شديد كانت فيروز تلجأ من حين لآخر للأغنية الفردية باعتبارها مطلوبة لمداعبة غرور الفرد٬ وحينئذ كان الرحبانية يجسنون الاختيار٬ من أشعار جبران مثلا٬ حتي ولو بتلحين محمد عبد الوهاب٬ أو بإعادة ألحان قديمة لسيد درويش وعبد الوهاب بأداء جديد.
وهكذا أندلعت أغنيات فيروز اندلاع النار في الهشيم٬ لأنها تخاطب الوجدان العربي العام٬ بلسان الحال الحالي٬ بمشاعر ملتهبة٬ وموضوعات معاصرة بل آنية. فالغناء الرحباني إذن يمثل احتياجا موضوعيا٬ اجتماعيا عاطفيا ثوريا معا. وبذكاء شديد كانت فيروز تلجأ من حين لآخر للأغنية الفردية باعتبارها مطلوبة لمداعبة غرور الفرد٬ وحينئذ كان الرحبانية يجسنون الاختيار٬ من أشعار جبران مثلا٬ حتي ولو بتلحين محمد عبد الوهاب٬ أو بإعادة ألحان قديمة لسيد درويش وعبد الوهاب بأداء جديد.

يستطرد "شلبي": لكن مما يؤسف له أن كل ذلك قد داسته أقدام الانفتاح الذي تأثرت به المنطقة العربية كلها بوقوعها فريسة للتبعية الأمريكية والأوروبية٬ حيث ظهرت هذه الأصوات الهزيلة بهذا الغناء الهازل الكئيب ليقضي علي أخصب ما أنتجته القريحة العربية طوال القرن المنصرم. إلا أن ثورة سيد درويش والرحبانية٬ ورومنسيات عبد الوهاب٬ وواقعية الموجي والطويل وبليغ٬ كل ذلك لن يموت٬ بل "سوف يحييا في الشفاه ونشيد البلبل الشادي حياة لهواه."