رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"يوم النصر".. أبطال سلاح المهندسين في حرب أكتوبر يتحدثون لـ"الدستور"

جريدة الدستور

لعب سلاح المهندسين دورًا مهمًا خلال حرب أكتوبر المجيدة، فخلال ساعتين من انطلاق الشرارة الأولى للحرب تجاوز حجم قوات المهندسين العسكريين التي راحت تعمل فوق سطح الساتر الترابي وفوق صفحة القناة تجاوز 15 ألف مقاتل من المهندسيين العسكريين من مختلف التخصصات، وفي الموجة الثانية عبرت 80 وحدة هندسية في قواربهم الخشبية بالأفراد والمضخات والخراطيم وخلافها من مهمات فتح الممرات فى الساتر الترابى، وبعد ساعات قليلة بدأت البلاغات تتوالى عن انتهاء المضخات من إزالة الساتر الترابي، تلك الكلمات وردت على لسان اللواء حسن البدري، وطه المجدوب، وعميد أركان حرب ضياء الدين زهدي في كتابهم: "حرب رمضان".

"الدستور" تواصلت مع عدد من أبطال سلاح المهندسين في حرب 6 أكتوبر، لمعرفة حكاياتهم وقصصهم المثيرة التي عاشوها طوال فترة الحرب، ورصد الإنجازات التي شاركوا في تنفيذها، وكانت أحد الأسباب الهامة في النصر.

صابر: استطعنا تنفيذ خطة تمويهية للعدو كانت إحدى أسباب النصر

أحمد مصطفي صابر، أحد الجنود المشاركين في حرب 6 أكتوبر ضمن سلاح المهندسين تحديدًا، يروي في حديثه مع "الدستور"، عن أحداث الحرب التي عاشها، موضحًا أنه قضى خدمته العسكرية منذ عام 1972 حتى عام 1975، وكانت وظيفته هي إمداد الجنود بالمركبات والعربات الحربية من خلال ورش التصليح المقيم بها، بعد خوضه عدة تدريبات داخل مركز تجنيده على كيفية التعامل مع تلك المركبات الحربية.

"تعلمت الكثير داخل ورش المركبات بفضل مهندسي وفنيي الحرب، فهي كانت تحتوي على مسبك وتسييح الزهر والنحاس لتصليح جميع أنواع العربات الحربية، بالإضافة إلى باقي الورش المخصصة للمواتير والخراطة التي تعمل علي إعادة تصنيع السيارة من جديد حين كانت تأتي العربات وقت الحرب إلى الورشة ليس بها أي معالم من تطبيقها وتشويهها، حتى نعمل على إصلاحها لتخرج من جديد إلى الجنود في أرض الميدان، يقولها صابر.

يستكمل "صابر" حديثه، مستدلًا بالخطة التمويهية التي دبرها الجيش المصري للعدو الإسرائيلي صباح يوم الحرب، قائلًا: "الشعب المصري بأكمله كان في غاية الانتباه وقت الحرب خاصة الجنود المتواجدين في الحدث نفسه منتظرين ما سيحدث، كما يرغبون في التخلص من هذه الفترة كونها فترة عصيبة للغاية.

وعن خطة التمويه، "أصدر الجيش تصريح إجازة للمجندين يوم 6 أكتوبر الساعة الواحدة ظهرًا، حتى يعودوا إلى المدينة، لكن الهدف الرئيسي من ذلك كان توصيل رسالة للصحفيين والسفارات والأجانب المقيمين بالبلد عن عدم وجود حرب، وأن الوضع مستقر أيضًا لكنها كانت خطة تمويه للعدو الإسرائيلي، وفي وقت عودة المجندين لمنازلهم اكتشفوا بيان القوات المسلحة الساعة الثانية ظهرًا لإعلان الحرب، فاضطروا الجنود للعودة مجددًا لأمكانهم العسكرية والورش المكلفة بتصليح المركبات، وإمدادها للجنود".

"واستمر العمل بالورشة على مدار الـ24 ساعة، وبعد مرور الوقت اكتشفنا أنها كانت من أذكى الخطط السياسية التي دُبرت للعدو، حيث كان لدينا جيش قوي قادر على التفكير، وتعايشنا مع أجواء الحرب من داخل الورش "الثغرة 101"، وكنا نستمع لصوت إطلاق النيران عندما كان بجوارنا ملحق المدرعات الذي كنت أشاهد من خلاله الدبابات الإسرائيلية المُصادرة من قبل الجيش المصري في الحرب".


وعن دوره في سلاح المهندسين، تذكر معنا: "خطوة عبورنا المجرى النهري لخط برليف في 6 ساعات فقط كانت أهم الخطوات التي تم التدبير لها بشكل جيد، فقد ادعى الجيش الإسرائيلي حينها أنه صمم مبالم يوجد بها فتحات تصدر نار على سطح مياه القناة في حالة إذا حاول الجيش المصري عبورها، وادعى الجيش أيضًا أنه إذا تم تفجير قنبلة ذرية داخل المجرى النهري لن يتمكن الجيش المصري من العبور ولكننا فعلنا ما فاجأهم بشكل".

يستطرد صابر: أنه تم إرسال غواصين من سلاح المهندسين للقوات المسلحة قبل فترة وجيزة من إعلان الحرب، واستطاعوا غلق جميع فتحات المبالم كي يستطيع بقية الجنود عبور خط برليف بأمان، معبرًا عن مدى حبه لجيش بلاده، آملًا في أن يتم تثقيف الشباب من الناحية الأدبية لمعرفة معنى الانتماء لوطنه في وقتنا الحالي، فهو لم ينسَ لحظة الفخر التي عاشها وقت الانتصار في الحرب، كونه أول الجنود الذين عبروا خط برليف.

عثمان: لم نتراجع عن تنفيذ مهامنا بالرغم من الغارات الإسرائيلية.
عثمان محمد، جندي آخر قضى من عمره 7 سنوات في خدمة الوطن في سلاح المهندسين، وأحد المشاركين في حرب 6 أكتوبر، يحكي في حديثه مع "الدستور"، رحلته ضمن الفريق الذي قام بإصلاح الكباري في نطاق الجيش الثالث، معبرًا عن سعادته التي لا توصف بكلام حين عبرت القوات المسلحة من خطوات الهزيمة إلى النصر، بعد عبور القناة والتسابق من أجل النصر أو الشهادة.

ويتذكر معنا: "كنا مُعرضين للخطر دومًا بسبب الغارات الإسرائيلية المستمرة، لكن استطعنا مواجهتها بكل حسم وإعادة إصلاح الكباري التي تحطم بعض أجزائها منذ الساعة صفر في معركة التحرير يوم 10 رمضان، وأنشأنا أيضًا بعض الكباري التي قد تم فكها، بعد ظهور مجموعة براطيم غارقة بفعل تيار المياه، واستشهد حينها العديد من الجنود المصريين الأحرار فداء للمعركة".

وعن المشاريع التي شارك في تنفيذها، يقول: "استطعنا تنفيذ 10 كباري كبيرة لعبور الدبابات والمركبات من خلالها، كما أنشأنا أيضًا 5 كباري أخرى صغيرة بحمولة تصل إلى 4 طن فقط، حتى تكون معبرًا لتجنب نيران العدو، وكباري أخرى لعبور المشاة، بالإضافة إلى تشغيل معديات نقل عبر القناة".

وفي ختام كلماته التي قالها لنا متأثرًا بتلك الذكريات: "الفترة التي قضيتها في خدمة الجيش المصري كانت من أفضل الفترات في حياتي، كنت أشعر حينها بأنني شخص مؤثر يمكنه تقديم الكثير لوطنه، بجانب الصداقات التي كونتها خلال تلك الفترة، والتي دامت حتى وقتنا هذا، إلا من استشهد في المعركة أو توفاه الله، ونأمل في تدريب جنودنا الحاليين على نفس طريقة الأعوام الماضية، ورسخ معاني الوطنية والانتماء بداخلهم".

الشاذلي: حاربنا فى 73 ومهمتنا لم تنتهِ بعد
محمد فؤاد الشاذلي، أحد العناصر المهمة في سلاح المهندسين في حرب 6 أكتوبر، يروي خلال حديثه مع "الدستور"، تفاصيل سير العمليات الهندسية والحربية التي شارك بها قائلًا: "كانت حرب الاستنزاف التي شاركنا فيها ما بعد 68 كمهندسين فى بناء قواعد الصواريخ سام 3، هي التى أعدتنا لدخول حرب أكتوبر73، وكان سلاح الكبارى للمهندسين والذي كنت أنتمي إليه هو مفتاح النصر لعبور الدبابات والمعدات القتالية وطوفان الجنود المشاه الذين شاركوا في ملحمة العبور".

يتابع: "حينما أنهيت مهمتي القتالية الرئيسية في اليوم الأول من المعركة في 6 أكتوبر، وتلاها مهام أخرى بالضفة الغربية فرضتها ظروف المعركة، والواقع المتغير فى كل لحظة وساعة، وكان لدي قائد الكتيبة العقيد محمود شكري، ومعه رئيس العمليات يتفقدون المعابر على طول القطاع، وكنت وقتها أُخلي الجرحى والقتلى من عندي إثر هجوم مضاد فجر اليوم بالطائرات".

"وفي اليوم الثالث من المعركة حيث كانت تدار هناك أكبر معركة عرفها التاريخ للدبابات، وكانت وحدتي أسهمت في عبور مدرعات من اللواء 21 مدرع واللواء 16، وخلال الرحلة ذكر لي بأنه سيتركنى عند الجسر كي أعمل على إدارته، وتم دفع جنودي من السرية الثالثة للقيام بتشغيل الكوبري وخدمته وحراسته، فهو كوبري هيكلي خفيف مصنوع من مواد بلوسترين وفوم تطفو على سطح الماء، ويأخذ شكل الانبعاجات والأحمال بمرونة شديدة، وفي الأساس كان يستخدم لإخلاء الجرحى من القوات المسلحة"، يقولها الشاذلي.

وعن عبور خط برليف: "لم أعمل من قبل على هذه النوعية من الكبارى فقد كانت دراستي وتدريبي ينصب على الكباري والمعديات الثقيلة، حتى تدخل رئيس العمليات وأفهمني أن هذا أمر لا بد من تنفيذه، واستجبت بالفعل عن طيب خاطر، وحينما ترجلنا على رأس هذا الجسر الخفيف لمحت جنودي من السرية الثالثة مصطفون يحملون أسلحتهم الشخصية"،

ويتابع: "يرتدون جاكيتات النجاة الخضراء، وكان عددهم 12 جنديًا وعريف واحد، بالإضافة إلى الأفراد الملحقين من سراي الوحدة التي أنشأت الكوبري، وكان عددهم 8 أفراد وودعت قائدي بالتحية العسكرية، واستدرت إلى الجنود أُلقي إليهم التكليف الجديد بإدارة هذا المعبر، وتوزيع الخدمات، وقسمتهم على أربع مجموعات في طرفي المعبر 3 أفراد ثابتين من كل جانب وفي الوسط 6 أفراد متحركين".