رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العراق الآن.. مشاهد متداخلة!


الفريق عبدالوهاب الساعدى، قائد قوات مكافحة الإرهاب فى العراق، كان له دور كبير فى مواجهة تنظيم «داعش» الإرهابى، وبجهوده أعلنت بغداد انتصارها على التنظيم فى أكتوبر ٢٠١٧. وبقرار استبعاده، اشتعل غضب العراقيين الذين يواصلون التظاهر، الآن، مطالبين بإسقاط الحكومة الحالية: حكومة عادل المهدى.
مجلس الأمن الوطنى فى العراق، أصدر بيانًا، الأربعاء، بعد جلسة طارئة «لتدارس الأحداث المؤسفة التى رافقت تظاهرات الثلاثاء، وسقوط عدد من الضحايا والمصابين فى صفوف المواطنين ومنتسبى القوات الأمنية». وطبقًا للبيان، فقد أكد المجلس، الذى انعقد برئاسة المهدى، على «حرية التظاهر والتعبير والمطالب المشروعة للمتظاهرين»، مستنكرًا «الأعمال التخريبية التى رافقت التظاهرات». كما أعلن رئيس الوزراء العراقى عن البدء فى إجراء تحقيق بشأن حوادث العنف، زاعمًا أن أولوية حكومته كانت، وستبقى، مركزة على تحقيق تطلعات الشعب المشروعة والاستجابة لكل مطلب عادل.
لا محل من الإعراب لهذه المزاعم فى ظل سيطرة إيران، سواء عبر الأحزاب السياسية أو الميليشيات المسلحة، التى جعلت العراقيين يعانون من العقوبات الدولية المفروضة على طهران، بدرجة أكبر من الإيرانيين أنفسهم. وعليه، لم يكن غريبًا أن تنقل وكالة الأنباء الفرنسية، فى وقت سابق، عن مسئول حكومى أن قياديين لفصيلين فى «ميليشيات الحشد الشعبى»، إيرانية التمويل والولاء، «مارسا ضغوطًا» للإطاحة بالساعدى، للإتيان بشخصية قريبة من إيران.
هذه الحالة، قد لا يعبر عنها أو يردها إلى أصلها غير صورة «هوشيار زيبارى»، وزير الخارجية العراقى الأسبق، وهو يقرأ جدول الأعمال بالـ«مقلوب»، خلال الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية العشرين التى انعقدت، سنة ٢٠٠٨، فى العاصمة السورية دمشق. وربما تتضح الصورة بدرجة أكبر لو تذكرت أن الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما، أعلن أن الولايات المتحدة أنفقت تريليون دولار فى العراق على مدار أكثر من عشر سنوات، بينما قدر معهد «واطسون» للدراسات الدولية بجامعة «براون» ما تم إنفاقه بأربعة أضعاف هذا الرقم. ولأن الولايات المتحدة ليست، قطعًا، جمعية خيرية، فإن أى عاقل لن يصدق أنها أنفقت «وتنفق» كل هذه المليارات لوجه الله، أو لخدمة المعذبين فى الأرض.
الإرهاب لا حدود له، ويضرب العالم من كل اتجاه، وبالتالى عندما يدفع شعب ثمن القضاء على أحد جيوبه فأقل ما يُمكن فعله هو الوقوف إلى جانب هذا الشعب، ومساعدته على إعادة بناء ما تم هدمه وتدميره على أيدى الإرهابيين. وهذا ما حاولت أن تفعله، عبر زيارة قام بها المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء الأسبق، مساعد الرئيس لشئون المشروعات القومية، كان هدفها الرئيسى هو الاطلاع على كم التحديات التى تواجه الشعب الشقيق، وتهنئته على انتصاره على الإرهاب، وطرح إمكانية مساعدته على إعادة بناء دولته.
زيارة «محلب» إلى بغداد، جاءت قبل أيام من انعقاد «مؤتمر الكويت الدولى لإعادة إعمار العراق»، وتزامنت مع تحركات تقودها بغداد لإعادة إعمار البلاد، أملًا فى الحصول على مساهمات مالية بنحو ١٠٠ مليار دولار. وخلال المنتدى الاقتصادى العالمى فى «دافوس» نهاية يناير ٢٠١٧، عرضت بغداد أكثر من ١٥٧ مشروعًا استثماريًا أمام المشاركين للتعاقد على إنجازها، تغطى القطاعات الخدمية والصناعية والإسكان ومشاريع أخرى فى مجالى النفط والغاز. وأعلنت الحكومة العراقية أن خطتها للمؤتمر ستكون على ثلاثة محاور: أولها المساهمة فى إعادة تأهيل البنى التحتية فى عموم العراق، وإعادة الاستقرار للمناطق المتضررة، وتنمية قطاع الخدمات.
بعد المؤتمر، الذى استضافته الكويت، كان إجمالى ما تلقته بغداد من تعهدات بقروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات للمساهمة فى إعادة الإعمار لم يتجاوز الـ٣٠ مليار دولار، تشككنا وقتها فى أن يكون لنصفها أى أثر على الأرض. وهذا للأسف ما حدث، وأضيف المؤتمر إلى مؤتمرات دولية عديدة لإعادة إعمار العراق، انعقدت منذ أكتوبر ٢٠٠٣، دون أن تنتهى إلى شىء أو فى قولٍ آخر، انتهت إلى لا شىء. وتكفى الإشارة إلى أن الولايات المتحدة «التى تسبب غزوها للعراق، سنة ٢٠٠٣، فى تدمير بنيتها التحتية» تعهدت خلال تلك المؤتمرات بتقديم ٢٠ مليار دولار للعراق، لكنها لم تلتزم بوعودها أو بتعهداتها، ثم أعلنت سنة ٢٠٠٦ أنها لن تخصص أى أموال إضافية لإعادة إعمار العراق!.
الزاوية التى ترى منها ما تشهده بغداد الآن، وأحداث أخرى كثيرة سابقة، ستختلف كثيرًا، لو قام مثلًا رمزى كلارك، رجل المخابرات الأمريكية القديم، بالكشف عن طبيعة الدور الذى لعبه فى اقتحام السفارة الأمريكية بطهران، وفى ملف الحرب العراقية الإيرانية. وقد تصل المتعة حدها الأقصى، لو حل «لغز» دوره المحورى فى إسقاط «صدام حسين»، وانضمامه بعد ذلك «أو مع ذلك» لفريق الدفاع عنه.