رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مانفيستو فى ظلال القرآن لسيد قطب «1/""


حينما كتب سيد قطب فى بداياته كتابه الأول «مهمة الشاعر فى الحياة» قال النقاد والأدباء عنه: هذا شاعر يسير فى طريق الشعر ولن يحيد عنه إلى غيره.

وحينما كتب كتابه الذى يقص فيه سيرته الذاتية «طفل من القرية» قائلاً: «هذه حياتى حينما كنت طفلا فى القرية لم أتكلف فى كتابتها فقد نقلتها من ذاكرتى إلى القراطيس أى صفحات الكتاب» ظن من قرأ ذكرياته أن خصومة اشتد أوزارها بين سيد قطب والتعليم الدينى ذلك أنه وإن كان قد حفظ القرآن فى كتَّاب قريته «موشة» إلا أنه صب غضبه على هذا التعليم وأظهر حفاوته بالتعليم المدنى.

والدارس للعلاقة بين السكان والجغرافيا يعرف أن المكان قد يؤثر فى طبيعة شخصية السكان، لذلك لم يكن من المستغرب أن تؤثر قرية موشة وطبيعتها المتفردة فى تكوين شخصية سيد قطب، تلك الشخصية التى أخرجت لنا تفسير «فى ظلال القرآن» أما عن قرية موشة التى ولد فيها قطب فهى إحدى قرى محافظة أسيوط وتقع هذه القرية من الناحية الجغرافيّة فى منطقة مرتفعة على ضفاف نهر النيل ويحيط بها جبلان، وفى الجانب الآخر تقع أراضى القرية الزراعيّة، وفرة المياه بسبب قرب الأراضى من نهر النيل أدّت إلى وفرة البساتين والحقول.

نشأ سيد قطب إذن بين جبلين وفى منطقة خضراء قريبة من نهر النيل فكان للطبيعة المتفردة أثر كبير فى تكوين نفسيته الشاعرة، إلا أنها كانت سببًا أيضا فى صفة أخرى ظلت كامنة فى نفسه.. كانت تخرج إلى الوجود حينًا فى مواقف وتظهر مرات ومرات فى صورة أفكار.. هذه الصفة هى الخشونة والحدة التى استمدت شريان حياتها من الجبلين، وانطبعت فى نفسيته من الفقر الذى كان يحيط بالقرية ويحتوى أهلها بين أجنحته.

من هذه الطبيعة ظهرت موهبة قطب الشعرية وبزخت فطرته النقدية فكان أن بدأ وهو بعد صغير فى كتابة الشعر وإرساله إلى المجلات والدوريات الأدبية، واستمرت مسيرته الأدبية وبزغ نجمه كناقد أدبى دلف فى أول أمره إلى مدرسة أبولو الشعرية ثم غادرها وصب نقده عليها صبًا، ثم دخل إلى أحضان مدرسة عباس العقاد الأدبية والتى أطلق عليها «مدرسة الديوان» ودافع عنها وعن العقاد الذى اعتبره الأب الأدبى والفكرى له، وظل قطب يسير فى ركاب العقاد زمنًا طويلاً رافعًا لواءه مهاجما لخصومه، تتلمذ عليه فى الشعر وتلقى عنه فى النقد والفلسفة وتاريخ الأمم إلى أن تمرد عليه وخرج من جلباب أبيه ليرسم لنفسه طريقًا آخر.. طريقًا لم تدل بدايته الشعرية عليه.

وإذ أراد قطب أن يرسم لنفسه شخصية مغايرة للعقاد لا ترتبط به بل وتبزه فى بعض الأحايين حينها كتب «العدالة الاجتماعية فى الإسلام» و«التصوير الفنى فى القرآن» و«مشاهد القيامة فى القرآن» وظهر من خلال هذه الكتب أن كاتبا إسلامياً بدأ يخط لنفسه طريقًا فى ساحة الفكر الإسلامى، كاتبًا بدأ فى تغيير مساره الفكرى، من ناقد أدبى ليبرالى المزاج والتوجه لا يمانع وفقاً لمقالاته من إنشاء شواطئ للعراة بحسب أن الإنسان فى رأيه فُطر على العرى إلى كاتب إسلامى لم يأخذ العلوم الإسلامية من معاهدها وجامعاتها ولكنه تلقاها من خلال قراءاته الخاصة.

كان الاستقبال الجيد الذى قوبلت به كتابات قطب الإسلامية فى الوسط الثقافى فى مصر عاملاً مؤثراً فى انكفاء قطب على هذه الكتابات، كانت مجموعة من شباب الكُتّاب قد بدأت وقتها تعبر عن نفسها مثل الكاتب الراحل خالد محمد خالد، إلا أن قطب تميز عن هؤلاء بسبب تمكنه اللغوى وشاعريته خاصة أن حرفة الشعر تركت أثرًا كبيراً فى طريقة تناوله لأفكاره حيث وقف كثيرًا أمام الصور والمشاهد والأخيلة، وكان أول من تحدث عن «موسيقى النص» فى القرآن الكريم.

كانت إحدى أمنيات سيد قطب حينما بدأ يكتب فى الإسلاميات أن يفسر القرآن الكريم وأن يعرضه على أساس نظريته الأدبية «التصوير الفنى» وتحقق لقطب ما أراد.. ففى بدايات الخمسينات من القرن الماضى طلبت مجلة «المسلمون» وهى مجلة فكرية إسلامية شهرية كان يكتب فيها صفوة من المفكرين الإسلاميين، من سيد قطب أن يشترك فى المجلة بمقال شهرى.

وإذ وجد قطب أن المقالة شهرية حينها رأى أن الفرصة أصبحت سانحة له ليكتب فى تفسير سور القرآن الكريم، وقد اختار سيد قطب عنوان «فى ظلال القرآن» ونشر الحلقة الأولى فى عدد فبراير من عام 1952م، ثم نشر عقب ذلك سبع حلقات متتاليات بحسب تسلسل المصحف وصل فيها لقوله تعالى : (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون) [البقرة: 103].

■ قيادى سابق بجماعة الإخوان المسلمين