رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إيطاليا على مفترق طرق بعد استقالة الحكومة وتزايد شعبية اليمين المتطرف

جريدة الدستور

دخلت إيطاليا في حلقة جديدة من الصراع بعد استقالة رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي أمس، وانهيار التحالف الحكومي بين حزب الرابطة اليميني المتطرف وحركة "الخمس نجوم" ذات الميول اليسارية، لتزداد الأوضاع تفاقما على الساحة الإيطالية بعد شهور من الخلافات والتوترات التي هيمنت على المشهد السياسي في البلاد.

وجاءت استقالة كونتي أمام مجلس الشيوخ الإيطالي على خلفية جلسة للتصويت على سحب الثقة من الحكومة، بعد أن أعلن نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية ماتيو سالفيني في الثامن من أغسطس الجاري انهيار التحالف بين حزبه الرابطة وحركة "الخمس نجوم"، وتقدم بطلب لسحب الثقة من حكومة كونتي، ما أدى إلى انهيار الائتلاف الحكومي وإشعال الأزمة السياسية في البلاد.

وفي خطابه أمام مجلس الشيوخ الإيطالي، أكد كونتي أن سالفيني هو السبب وراء انهيار التحالف الحكومي، وأنه كان "يبحث عن ذريعة للعودة إلى صناديق الاقتراع" منذ نجاح حزبه في الانتخابات الأوروبية في مايو الماضي، والتي تصدر فيها "الرابطة" النتائج بحصوله على نسبة 34% من الأصوات بينما جاء حزب "خمس نجوم" في المرتبة الثانية بنسبة 17%.

وكانت الخلافات قد تصاعدت بشكل ملحوظ بين شريكي الائتلاف خلال الأشهر الأخيرة حول العديد من القضايا، والتي كان آخرها معارضة حركة "الخمس نجوم" لمشروع سكك حديد عالية السرعة تربط شمال إيطاليا بفرنسا، ما أدى بدوره إلى تفجير الأزمة بين الجانبين وانهيار الائتلاف الحكومي.

وقد دخل الرئيس الإيطالي سيرغيو ماتاريلا اليوم مشاورات مكثفة مع القوى السياسية في البلاد لبحث إمكانية تشكيل تحالف حكومي جديد، تجنبًا لتنظيم انتخابات مبكرة.

ووفقًا للمراقبين، فإن التوقيت الذي استقالت فيه الحكومة ليس توقيتا مثاليًا، لأن أمام إيطاليا استحقاقًا هامًا خلال الفترة المقبلة لتقديم موازنتها النهائية إلى المفوضية الأوروبية لتفادي تعرضها لحزمة من العقوبات القاسية.

وشكل قانون الموازنة العامة، الذي يفترض أن تقدم إيطاليا نسخته الأولى إلى المفوضية الأوروبية، قبل نهاية الشهر المقبل، موضعًا للخلاف والتجاذبات بين روما بروكسل بسبب مستوى العجز العام الذي يتجاوز المعدلات القصوى المحددة وفقًا للضوابط المالية الأوروبية.

لذلك يرى المراقبون أن رئيس الجمهورية الإيطالي سيكون أكثر ميلًا لإبقاء الحكومة في مهامها حتى الخريف المقبل، أو العمل على تأمين أغلبية برلمانية مختلفة تمكن كونتي من الاستمرار في موقعه لفترة كافية تسمح بتجاوز استحقاق الموازنة.

وهنا تقف إيطاليا أمام مفترق الطرق حيث تطرح العديد من السيناريوهات الممكنة، فهناك اقتراح بتشكيل تحالف حكومي جديد يضم الحزب الديمقراطي الذي يمثل يسار الوسط وحركة خمس نجوم، ويؤيد هذا الاقتراح رئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي، الذي دعا جميع الأحزاب والقوى اليسارية والتقدمية إلى بذل قصارى جهدها لمنع وصول سالفيني إلى رئاسة الحكومة.. غير أن هذا التحالف يبدو مستبعدًا في ظل الظروف الراهنة نظرًا للتباعد الشديد بين توجهات الطرفين.

وهناك اقتراح آخر بتشكيل حكومة تكنوقراطية مؤقتة حتى موعد الاستحقاق الانتخابي المقبل، لإدارة الملفات العاجلة وإنهاء حالة الاحتقان الشديد التي تهيمن على المشهد الإيطالي منذ أشهر عدة.

غير أن سالفيني يرفض بشدة كافة هذه الاقتراحات ويطالب بعقد انتخابات برلمانية مبكرة، مهددًا بالدعوة إلى مظاهرات في كل أنحاء البلاد في حال تشكيل تحالف جديد بين الحزب الديمقراطي وحركة خمس نجوم.

ويعول سالفيني بقوة على سيناريو عقد الانتخابات المبكرة لثقته في تزايد شعبيته وقدرته على الوصول للسلطة، مراهنًا بذلك على استطلاعات للرأي التي تمنحه من 36 إلى 38% من نوايا التصويت.

ويبقى خيار تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة قائمًا، في حال فشلت محاولات تشكيل ائتلاف حكومة ذات أغلبية في البرلمان. وفي هذه الحالة سيدعو رئيس الجمهورية لإجراء انتخابات جديدة في موعد لا يقل عن 45 يومًا ولا يتجاوز 70، أي في النصف الثاني من أكتوبر المقبل.

وأبدى فريق واسع من المراقبين قلقهم إزاء تطورات الأوضاع داخل المشهد الإيطالي، معتبرين أنه في حالة تولي سالفيني رئاسة الحكومة الجديدة فإن الوضع سيكون خطيرًا، ومن شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التدهور في الاقتصاد الإيطالي الضعيف، والذي يتوقع أن تكون نسبة نموه هذا العام شبه معدومة، وإلى زيادة الدين العام الذي يتخطى 130% من إجمالي الناتج المحلي، كما أنه قد يدفع نحو إخراج إيطاليا من أوروبا لأنه من أكبر المناهضين لفكرة الاتحاد الأوروبي.

ونجح سالفيني منذ توليه منصب وزارة الداخلية في حكومة كونتي في استخدام منصبه للترويج لتصريحاته وأنشطته وتحركاته، وشن هجوم على المهاجرين، الذي يتدفق عشرات الآلاف منهم على السواحل الإيطالية والمنظمات الإنسانية التي تساعدهم، وتوجيه أسهم الاتهام إلى المؤسسات الأوروبية بصورة عامة، وهو ما ساهم في زيادة شعبيته لدى قاعدة واسعة من المواطنين، وظهر ذلك خلال نتائج الانتخابات الأوروبية في مايو الماضي التي أحرز فيها حزبه الرابطة نتائج متقدمة.

وتأتي هذه الأزمة في وقت يعاني فيه الاقتصاد الإيطالي من ركود واضح نتيجة استمرار حالة عدم النمو، فالدين العام وصل لمستويات غير مسبوقة وتجاوز تريليونَي يورو (2.24 تريليون دولار)، في الوقت الذي تتناقص فيه الاستثمارات نتيجة عدم استقرار الأوضاع السياسية في البلاد، وهو ما يجعل الشركات مترددة في دخول السوق الإيطالي، وبلغت نسبة البطالة حوالي 10% ورغم أنها أقل من العام الماضي إلا أنها لا تزال تعد من المعدلات المرتفعة على الساحة الأوروبية.

في ضوء ما سبق، يبدو المشهد الإيطالي ضبابيًا ومقلقًا في الوقت ذاته، حيث تقف إيطاليا على مفترق حاسم قد يتوقف عليه مصير المشروع الأوروبي بأكمله، خاصة في حالة تولي سالفيني لقيادة البلاد ودفعه نحو الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يشكل مشهدًا سياسيًا جديدًا على أوروبا، ويحدث تغيرات غير مسبوقة سواء على الصعيد الداخلي الإيطالي أو على الصعيد الأوروبي.