رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المصريون والهوية الإسلامية


لن تكون مصر كما يريد المنفصلون والانفصاليون والتى لا تجرى فى دمائهم المصرية لغير كل المصريين فمصر كانت ومازالت وستظل دائماً وأبداً لكل أبنائها المصريين دون تفرقة على أى أساس.. حمى الله مصر من هؤلاء.

الحضارة هى مفهوم معنوى يعتمد على واقع مادى ملموس تحقق بفعل الإنسان نتيجة لتراكم هذا الفعل عبر الحقبات التاريخية المتعددة والمختلفة والتى يجمعها رابط واحد لا يتحقق بغير إرادة الإنسان وقدرته على الإبداع والإضافة. والحضارة المصرية بكل تراكماتها عبر الحقبات التاريخية هى صانعة الهوية المصرية التى تمثلت فى تكوين الشخصية الحضارية المصرية القابعة فى الضمير الجمعى المصرى.

وهذه الهوية وتلك الشخصية تكونت عبر تراكم حضارى منذ الحقبة الفرعونية المصرية القديمة مروراً بالحقبات اليونانية والرومانية والقبطية نهاية بالحقبة الإسلامية المعاشة الآن منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان.

وتأثرت الشخصية الحضارية المصرية بهذه الحقبات من خلال الدين والثقافة والعادات والتقاليد والتراث، تلك المقومات المرتبطة بكل حقبة على حدة والتى يربطها خط واحد وهو مصر الجغرافيا والتاريخ والأهم الإنسان ولذا فعندما نتحدث عن المصرى صاحب الحضارة العريقة وأن المصرى يحمل ويتمتع ويتميز عن باقى شعوب الأرض بأنه يحمل شخصية مصرية حضارية فهذا يعنى أن كل مصرى يحمل فى جنباته الحضارية مجمل تلك الحقبات الحضارية التاريخية من الفرعونية وحتى الإسلامية.

وهذه الجينات الحضارية المشتركة هى التى يمكن أن نطلق عليها الثقافة المصرية العامة التى تجمع كل المصريين بأديانهم وثقافاتهم وانتماءاتهم وهذا لا يسقط ولا يلغى وجود ثقافات خاصة تخص جماعات داخل هذه الثقافة العامة مثل الثقافة القبطية والنوبية والبدوية مع العلم أن هذه الثقافات الخاصة هى إثراء وإضافة للثقافة المصرية العامة. ولكن هناك من يهاجر إلى ثقافته الخاصة ويتقوقع داخلها ويحتمى بأسوارها حسب تفسيره الخاص لهذه الثقافة الخاصة مما يجعله معزولاً ورافضاً لمجمل الثقافة المصرية العامة أو تجده مستبدلاً ثقافته الخاصة بالعامة أو مسقطاً من الأساس أى ثقافة عامة تجمعه بالآخر المصرى.

فهناك من ينبهر بالحقبة الفرعونية ويتوقف عندها. وهناك من تستغرقه الحقبة والثقافة القبطية الخاصة فيتمترس خلف أسوار الكنيسة ويتوه فى ثقافته الخاصة ويحلم باستبدال اللغة العربية بالقبطية متصوراً خطأ أنها لغة المسيحيين دون غيرهم من المصريين ويعيش فى مرحلة ما قبل دخول الإسلام مصر وكأن الزمن قد توقف عند ما قبل أربعة عشر قرناً حتى يعيش وهم أنه صاحب مصر الحقيقى دون غيره من المصريين. وهناك من يسقط كل الحقبات السابقة ويتوقف عند الحقبة الإسلامية المعاشة وكأن مصر والمصريين لم يعيشوا قبل ذلك تلك الحقبات الحضارية ولم يتأثروا بها أو كأن مصر لم يكن بها بشر عند الفتح الإسلامى لمصر. هم لا يؤمنون بالوطن ولا الوطنية ويعتبرون من يخالفهم فى الدين فلا علاقة بينه وبينهم فلا ثقافة تجمعهم ولا تراث يضمهم ولا تاريخ يوحدهم ولا لغة تجعلهم متواصلين ولا حق لهم فى ملكية هذا الوطن ولا الانتماء إليه إلا الخضوع لما يريدون غير مدركين أولئك وهؤلاء أن تأثر المصرى بالشخصية الحضارية المصرية هو تأثر جينى وروحى ومادى فى نفس الوقت يظهر عند اللزوم وفى الأوقات التى تستفز تلك الجينات الحضارية.

وهذه هى عظمة مصر وعظمة الشخصية الحضارية المصرية القابعة فى ضمير كل مصرى شاء هؤلاء الانفصاليون أم أبوا. ولذا نرى هذه الأيام معركة مفتعلة من بعض هؤلاء حول ما يسمى بالهوية الإسلامية ليس على الأرضية التاريخية الحضارية ولكن على أرضية دينية فى محاولة لتكريس الفصل والعزل بين أبناء الوطن الواحد أصحاب الهوية المصرية والتى على رأسها الآن تلك الهوية الإسلامية المعاشة على أرض الواقع. والمقصود من هذه المعركة الحصول على صك براءة بأنهم الوحيدون الأوصياء على الإسلام والحفاظ على هويته دون غيرهم من المسلمين بل من المصريين مسلمين وغير مسلمين.

لأن الحقبة الإسلامية بحضارتها الإسلامية هى ملك لكل المصريين مسلمين وغير مسلمين لأنها جزء أساسى ومعاش دون غيرها من الحقبات السابقة لكل المصريين. ولذا فالفارق بين المسيحى المصرى والمسيحى الأجنبى أن المصرى عاش وشارك فى صنع الحضارة الإسلامية الخاصة بتلك الحقبة فى مصر، فالمسيحى المصرى أقرب للمسلم المصرى من المسيحى غير المصرى، وحتى غير المصريين الذين جاءوا إلى مصر عبر ثلاث هجرات جماعية وأكثر من خمسين غزوة حربية جعلتهم مصر مصريين فقد مصرتهم وصهرتهم فى مصريتها وأصبحوا يحملون جيناتها المصرية. نعم الهوية الإسلامية هى إحدى أهم المكونات الحضارية للشخصية المصرية للمسلم ولغير المسلم فالعادات والتقاليد والتراث والتاريخ الإسلامى وهى مكونات الحقبة الحضارية الإسلامية والمعاشة الآن تدخل فى التكوين الحضارى لكل المصريين والمادة الثانية من الدستور التى تتحدث عن أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيس للتشريع وهى الأهم فى تحديد الهوية الإسلامية لا خلاف عليها ولا حولها مع العلم أن الهوية الإسلامية لا تحتاج إلى تأكيد دستورى فهى موجودة قبل وجودها فى دستور 1923 وبعد كل الدساتير.

لأنها واقع معاش بالأغلبية العددية المسلمة وبالتوافق والرضا من غير المسلمين ولأن المبادئ قد تم تعريفها من المحكمة الدستورية العليا بأنها المبادئ قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وهذه المبادئ تلخص المقاصد العليا للإسلام التى لا خلاف عليها. أما التزيد بالمادة 219 لكى نفتح باب الفتوى لكل من يريد وأن نقصر المصادر على فريق من الفقهاء دون غيرهم فهذا لا علاقة له بالهوية الإسلامية بقدر ما له علاقة بمصالح تصب فى الصالح السياسى وليس الدينى. وإذا كان الدستور لا يحب أن تحوطه شكوك التناقض بين مواده.

فهل يتسق مبدأ المواطنة التى لا تفرق بين مواطن وآخر على أى أساس مع بعض اجتهادات البعض التى تفرق بين المسلم وغير المسلم فى أشياء لا أول لها ولا آخر بما يسقط القانون ودولته. فهل هذا هو المقصود بالهوية الإسلامية. الهوية الإسلامية تجمع كل المصريين مثل باقى الهويات الأخرى والتى تكونت منها وبها تلك الشخصية الحضارية المصرية والتى تعيش المرحلة الإسلامية بهويتها الإسلامية. فنحن مصريون قبل الأديان ومصريون بعد الأديان ومصريون إلى آخر الزمان. ولن تكون مصر كما يريد المنفصلون والانفصاليون والتى لا تجرى فى دمائهم المصرية، لغير كل المصريين فمصر كانت ومازالت وستظل دائماً وأبداً لكل أبنائها المصريين دون تفرقة على أى أساس. حمى الله مصر من هؤلاء.

■ كاتب سياسى وبرلمانى سابق