رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مغامرة "الدستور" لشراء آثار مصرية معروضة على صفحات "فيسبوك"

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

في أطراف الليل وأثناء تجوله حول منزله، الذي يقع في محافظة أسيوط مركز درنكة، لاستنشاق هواء الفجر، تعثر في حجر أزرق داكن اللون، وبمجرد أن وضع يده عليه شعر بأنه ليس حجرًا عاديًا لاسيما أنه مُحاط بأحجار أخرى تُشبه الآثار.

دفع الفضول الحاج "إبراهيم عامر" الذي تخطى الستين من عمره، إلى تتبع تلك الأحجار بالحفر حولخا، حتى عثر على مقبرة مجاورة لمنزله، وحين دخلها وجد فيها عددًا من القطع الأثرية التي تعود للعصر الفرعوني، وشعر أنها طريقه وأولاده للثراء وتأمين حياتهم ماديًا.

بيد أنه فشل في توزيع ما عثر عليه من قطع أثرية، فكان طريقه الأسهل هو موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، حين وجد إحدى المجموعات التي اجتمع فيها عدد من السماسرة والوسطاء الذين يتاجرون في الآثار.

انتشرت تلك المجموعات التي تأخذ من مواقع التواصل الاجتماعي بابًا لها، من أجل عرض وبيع آثار أصلية على الجمهور والعامة، بعد العثور عليها وعدم تلسيمها من الجهات المختصة، بحسب جولة قامت بها "الدستور" في تلك المجموعات وحادثت بعض مرتاديها وتجارها.

"ربنا كرمني برزق في أرضي ومحتاج مشتري".. تلك الكلمات التي سطرها "عامر" عبر مجموعة "ب.ش.م.إ"، على "فيس بوك"، وترك المنشور معلقًا لحين أن يتواصل معه أحد عبر الرسائل، وبالفعل قامت "الدستور" بالتواصل معه هاتفيًا، ومن لهجته الصعيدية المتواضعة، وخلال حديثه تأكدنا أنها المرة الأولى له، فهو لا يدرك كيف يمكنه التصرف في الآثار الذي يقول إنها معه.

محررة "الدستور" أدعت له أنها ستكون الوسيط بينها وبين مشتري، وتريد منه إرسال صور للمقبرة التي اكتشفها، إلا أنه أبى إرسالها قبل التأكد من أن المشتري جاد في الصفقة، فقال: "أنتي متأكدة منهم يا بنتي، حددي معاد مع المشتري وهبعتلك ابني ومعاه الصور وكل اللي انتو عايزينه، مينفعش أبعت صور للحاجة بتاعتي وتبقى على الملأ كده".

"عامر" ليس الوحيد الذي يعلن عن امتلاكه لعدد من الآثار الفرعونية، بل تجري كتابتها في العلن، ومنهم من يقوم بعرض صور وفيديوهات خاصة بما يملكونه، وذلك في غياب رقابة وزارتي الداخلية والآثار.

قبل الآن أعلن وزير الآثار، أنه يوجد 21 ألفًا و600 عملة و151 تمثالًا قامت النيابة العامة بالتنسيق مع عدد من الجهات بإعادتها، لكن لا يزال الكثير منها طليق، ويقوم التجار ببيع آثار بلده دون إدراك قيمتها.

واتسق ذلك مع ما كشفته تقارير ائتلاف الآثار، الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقرًا له، أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورًا كبيرًا، فباتت ساحات مراهنة وصالات مزاد مكشوفة لبيع وعرض الآثار، مما جعل من السهل الوصول إلى الكنوز المخبأة.

تحظر المادة (8) من القانون رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته في 2018 الخاص بحماية الآثار، الاتجار في الآثار، ونصت على أنه في حالات الملكية الخاصة أو الحيازة القائمة قانونًا، لا يجوز لمالك الأثر أو حائزه التصرف فيه للغير أو إتلافه أو تركه، إلا بعد موافقة كتابية من المجلس الأعلى للآثار خلال 60 يومًا على الأقل، وإلا كان العمل غير مشروع، وفي جميع الأحوال يشترط ألا يترتب على الحيازة القانونية إخراج الأثر من البلاد بأي صورة كانت.

ورغم ذلك فالاتجار مستمر، إذ أنه في 27 إبريل الماضي، أحبطت جمارك مطار برج العرب الدولي بالإسكندرية، محاولة أحد الركاب تهريب 28 قطعة من العملات المعدنية الأثرية، أثناء إنهاء إجراءات تفتيش الركاب القادمين على رحلة طائرة شركة خطوط مصر للطيران القادمة من جدة بالمملكة العربية السعودية، فكشف جهاز الفحص بأشعة إكس راي عن وجود العملات مخبأة بين طيات الملابس بحقيبتيها، وتم تحرير محضر ضبط جمركي رقم 25 لسنة 2019 وتحريز المضبوطات.

وفي 25 فبراير الماضي، نجح قسم شرطة مباحث مطار الأقصر في ضبط أجنبي بحوزته 3 قطع رأس سهم من البرونز، و13 عملة معدنية مختلفة الأحجام والأشكال، و2 نرد من العاج يشتبه في أثريتها، وبعرضها على الوحدة الأثرية بالمطار أفادت بأنها أثرية.

وفي 30 مارس الماضي، لم تنجح محاولات شخص يقطن محافظة المنيا بمركز سمالوط تهريب 79 قطعة أثرية بعضها يعود لعصر الفرعوني القديم، والبعض الآخر يعود للعصر اليوناني، بعد أن تمكنت قوات الأمن المصرية من إحباط محاولته.

تقارير ائتلاف الآثار، أعلنت أنه منذ عام 2011، جرى تهريب ما قيمته 3 آلاف مليار دولار من الآثار المصرية إلى الخارج بطرق غير قانونية، وأن إيطاليا هي الدولة الأولى في صادرات الآثار المصرية عن طريق الموانئ المصرية واليونانية.

وكان من بين تلك الصفقات العثور على حقيبة دبلوماسية في ميناء نابولي بها تشكيلة انتقائية من الآثار المصرية، منها أقنعة المومياء الفرعونية الملونة، وحوالي 200 قطعة فنية صغيرة وأكثر من 20000 قطعة نقدية "مسكوكات".

الدكتور مختار الكباني، مستشار الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، يقول إن السبب وراء ازدهار سوق تجارة وتهريب الآثار في مصر هو الجماعات المسلحة، لما لها من معدات وقوى بشرية استطاعت التنقيب والتفتيش عن كنوز مصر المدفونة تحت كل شبر فيها، مستفيدين من قدرتهم في استخدام المعابر لتهريب السلاح، لذا عندما تتمكن القوات المصرية من استردادها أو ضبطها تجدها قي حالة سيئة ومفتتة.

وأكد "الكباني"، في تصريحاته لـ"الدستور" أن بريطانيا هي الدولة الأكبر في تهريب الآثار المصرية منذ فترات الاستعمار، لذا يوصي بمراقبة البعثات البحثية البريطانية أثناء تواجدها في مصر التي وصلت إلى ١٩ بعثة.

يضيف: "يعودون لبلدانهم بخريطة كاملة بعدة مواقع هامة للآثار"، مشيرًا إلى أنه من أهداف الآثار حاليًا إعادة رأس نفرتيتي، وكذلك تمثال حم أيونو، وحجر روزيتا من المتحف البريطاني لكن هذا لن يكون سهلًا حيث أن هذه القطع خرجت من مصر بطرق غير مشروعة.

ويستطرد: "استعدنا 1600 قطعة أثرية بعد عام 2011، منهم 1000 في عام 2016 فقط، وذلك بفضل عدد من الاتفاقات مع بلدان الأخرى".

فيما أكد اللواء علاء الدين عبدالمجيد، الخبير الأمني، أن ضبط القطع الأثرية يعتمد على بلاغات المواطنين عن أشخاص ينبشون أسفل منازلهم بحثًا عن القطع الأثرية، أيضًا على المعلومات الواردة من مصادر وزارة الداخلية السرية، لافتًا إلى أن الوزارة تستخدم تقنيات متطورة لملاحقة نابشي الآثار.