رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمن مصر يبدأ من أمن سوريا


العلاقة المصرية السورية هى علاقة أمن وأمان ورباط تاريخى وحقيقة استراتيجية.. فمنذ عصر القائد المصرى العظيم «أحمس» الذى طرد الهكسوس حتى حدود سوريا الشمالية قد تأكد أن حدود مصر وأمنها القومى يبدأ بحدود سوريا الشمالية وأمنها القومى، فكلاهما مفتاح للآخر.

هناك من يؤمن بنظرية المؤامرة، وهناك من لا يؤمن بها، ولكن هناك ظواهر وعلامات والأهم وقائع على أرض الواقع تؤكد وجود تلك النظرية، ونظرية المؤامرة بدأت وتأصلت وتكرست مع ظهور ما يسمى بالظاهرة الاستعمارية، والظاهرة الاستعمارية حقيقة أثبتها التاريخ وأكدتها الجغرافيا، فهى ترتبط بإحدى الثنائيات الدائرة فى فلك الخير والشر، وهذه الظاهرة هى امتداد لتأثير ونتائج صراع أول أخوين فى البشرية قابيل وهابيل، ولذا فقد وجدنا ومنذ بداية التاريخ وبالتوازى معه ذلك الصراع المسمى بـ«صراع الإمبراطوريات».

وذلك الصراع اعتمد على قيام أى إمبراطورية اعتماداً على نهب مقدرات الشعوب وسلب خيرات الطبيعة لصالحها فتصب تلك الإمكانات وهذه المقدرات العالمية لصالح دولة واحدة تحمل اسم تلك الإمبراطورية، وعندما تصل تلك الإمكانيات إلى أقل ما هو مطلوب من إيرادات وإمكانيات تبدأ تلك الإمبراطورية فى الاضمحلال والسقوط لكى تظهر إمبراطورية أخرى بمسمى آخر وإن كانت بنفس طريقة الوصول، وما غزوات الهكسوس والفرس واليونان والرومان والتتار والفرنسيين والإنجليز غير صراع تلك القوى الاستعمارية فى احتلال الدول ونهب خيراتها والاستيلاء على مقدراتها فى محاولة لحل مشاكل المستعمر السياسية والاقتصادية وخير دليل على ذلك هو عندما غرقت أوروبا فى المشاكل المستعصية كان الحل هو اختراع ما يسمى بـ«الحروب الصليبية» على بلاد الشرق عام 1095 بحجة حماية الأماكن المقدسة المسيحية وحماية الأقليات الدينية تلك الورقة القديمة الحديثة لكل الاستعماريين فى الوقت الذى كان فيه السبب هو استغلال إمكانات الشرق لحل الأزمة الأوروبية.

وطوال التاريخ ويأخذ الاستعمار أشكالاً مختلفة وألوانا متنوعة، فبعد أن كان استعماراً استيطانيا بقوة السلاح والجيوش والقهر المادى، قد أصبح الآن استعماراً متعدد الأشكال فى إطار ما يسمى بالقوى الناعمة أحيانا فهو استعمار سياسى أى خضوع الدول المستعمرة للمستعمر سياسيا فى كل قرراته السياسية محليا ودوليا وهذا بعد خضوع تلك الدول للاستعمار الاقتصادى فى صورة معونات اقتصادية فتغيب القدرة الاقتصادية ويتوه القرار وتزيد المشكلة بمزيد من القروض ولذا تصبح الشعوب المستعمرة أسيرة استعمار ثقافى وغزو فكرى يغير الهوى ويهدد الهوية.

وهذا أخطر بكثير من الاستعمار الاستيطانى حيث إنه يثير الكرامة الوطنية ويستفز الشرف الإنسانى فتكون المقاومة المسلحة فى مواجهة ذلك الاستعمار الاستيطانى، وهذا غير الأشكال الأخرى التى يمكن أن تساعد فى عملية غسيل مخ وتسطيح وعى الجماهير أمام تلك الأنواع الاستعمارية الناعمة، ولذا فقد غاب الآن نظام الإمبراطوريات، وسقط شكل الاستيطان العسكرى عدا دولة إسرائيل الصهيونية فهى مازالت استثناء فهى عنصرية استيطانية دينية، وبعد أن كانت هناك ثنائيات استعمارية بين فرس وروم وبين إسبانيا والبرتغال، ثم بريطانيا وفرنسا وصولا إلى أمريكا والاتحاد السوفييتى.

وبعد هزيمة السوفييت فى أفغانستان بيد الأصولية الإسلامية التى أعدتها وصنعتها وساعدتها أمريكا، وتفردت أمريكا بالعالم الآن حتى تبزغ قوى جديدة تدخل حلبة المنافسة الاستعمارية، ومنذ الحملة الفرنسية فهناك اتفاق مقدس يربط تلك الإمبراطوريات الاستعمارية بفكرة إنشاء وطن لليهود حتى يكون هو المرتكز والأداة والوسيلة لفرض السيطرة على منطقة الشرق الأوسط بعد تقطيع أوصاله حتى تكون الدولة الصهيونية هى الدولة الأولى والأهم لكل مستعمر ماض «بريطانيا» ومستعمر حالى «أمريكا» ومستعمر قادم.

وهنا كان ذلك المخطط الأمريكى الصهيونى المعلن عام 1983 باسم «مخطط دينون» والذى يعمل على إعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط على أسس طائفية، وبالفعل فقد دخل هذا المخطط مرحلة التنفيذ الفعلى حيث كانت البداية فى العراق الذى دفع بيد أمريكية لغزو الكويت حتى يقع فى المصيدة الأمريكية ويتم الغزو الأمريكى بحجة الأسلحة ذات الدمار الشامل وحتى تقدم أمريكا هدية الديمقراطية للعراق، فكانت تلك الفوضى الأمريكية والتى قسمت العراق إلى دولة سنية ودولة شيعية وأخرى كردية ومازالت الفوضى تسود، ثم تم تقسيم السودان إلى شمال وجنوب حتى يتفرد البشير بدولة إسلامية فى مقابل دولة مسيحية ومازال الصراع محتدما، ثم كان ما يسمى بـ« الربيع العربى» الذى لم يسلم من امتداد اليد الأمريكية القذرة إليه فكان غزو الأطلسى لليبيا لضمان البترول الليبي، وضمان أموال تعميرها ثم تخريبه بأيديهم ومازالت الفوضى تضرب بأطنابها وليبيا فى طريقها إلى التقسيم. ثم كان بالتوازى إحداث هذا الخلل فى تونس ومصر ولبنان حتى يتم تطبيق ما يسمى بـ«نظرية الفوضى الخلاقة» والتى لا علاقة لها بخلق ولا خلق، ثم جاءت الثورة السورية التى بدأت بالمعارضة الداخلية التى طالبت بالحرية والديمقراطية وتداول السلطة وهذا حق مشروع يقف وراءه كل أحرار العالم.

ولكن وجدنا أصحاب الفوضى يضعون أيديهم فى سوريا فدخلها كل الأنواع والأشكال بهدف واحد وحيد وهو سحق سوريا وتفتيتها فكانت ثورة على سوريا وليست ثورة فى سوريا، فهناك فارق بين ثورة شعبية تسقط نظاما غير مرضى عنه وبين سقوط وطن وسحق دولة لها قيمتها وأهميتها بالنسبة للمنطقة ولمصر، والأهم فى مواجهة الدولة الصهيونية أن سقوط سوريا يعنى القضاء على «حزب الله» فترتاح إسرائيل، ثم المواجهة لضرب إيران فتسقط المنطقة فى مزيد من الاستبداد الأمريكى والصهيونى وهذا هو المدخل لمصر، وموقف أمريكا والغرب مما يحدث فى مصر الآن هو ليس لصالح الإخوان ولا هى واقعة فى غرام الدولة الإسلامية.

فأمريكا لا تعرف غير مصلحتها ولا تسعى لغير ذاتها وهنا يجب أن نعلم أن العلاقة المصرية السورية هى علاقة أمن وأمان ورباط تاريخى وحقيقة استراتيجية.

فمنذ عصر القائد المصرى العظيم «أحمس» الذى طرد الهكسوس حتى حدود سوريا الشمالية قد تأكد أن حدود مصر وأمنها القومى يبدأ بحدود سوريا الشمالية وأمنها القومى، فكلاهما مفتاح للآخر، فعندما تأكل أمريكا سوريا فهى تستعد لكى تأكل مصر، فهل نقبل هذا أيها المصريون الشرفاء الأحرار المناضلون على مدى التاريخ؟ فهل نعود إلى رشدنا ونوحد صفوفنا، فما يحدث بداخلنا هو الذى يشجع الآخر على التقليل من قدرنا وقدرتنا، مصر هى مقبرة الغزاة وستظل كذلك وحتى تظل أيضا مصر دائما لكل المصريين.

■ كاتب سياسى وبرلمانى سابق