رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"عُدتُ يا أمي".. العقبات صَنَعت بطلًا (وثائقي قصير)

جريدة الدستور

"كُنتُ أصرخ فيهم أن يُنقذوا إبني.. سقط على الأرض فجأة ولم يتمكن من النهوض.. كان المشهد قاسيًا في ذلك اليوم، في قاعة امتلأت بالمشجعين".. لازالت والدة لاعب المصارعة المصري مصطفى جمال، تتذكر جيدًا كواليس هذا اليوم الذي وقع قبل 10 سنوات في مباراة على بطولة الجيزة للمصارعة الحرة، كان يخوضها نجلها في صالة ناديه الشهير بالجيزة، والذي رفض علاجه عند إصابته، فكان سببًا في تفاقهما، وكادت أن تعصف به بعيدًا عن رياضته المحببة ـ هكذا تقول الأم.

في ديسمبر من العام 2009، كان "ذا روك المصري" ـ هكذا يُلقبونه ـ على موعد مع تجربة قاسية أبعدته لسنوات عن المصارعة، حينما كان يخوض مباراته النهائية في بطولة الجيزة، في وقت كان اللاعب الشاب قد جذب أنظار متابعي اللعبة بظهور بطل جديد فيها، غير أن آلامًا في كتفه كانت تُصاحبه قبلها بـ 8 أشهر، نتيجة إصابة في التدريبات، رفض مسئولو ناديه علاجها، وقللوا منها ـ حسبما قال لـ "الدستور" ـ تجددت في ذلك اليوم، ولم يقوى جسده على تحملها كثيرًا.. «سقطت أرضًا أثناء المباراة، ولم أكن قادرًا على النهوض ثانيةً.. لا يُمكنني أن أنسى هذا المشهد.. كان مؤلمًا.. انهارت والدتي وهي تصرخ فيهم بأن ينقذوني.. كانت توجه الدعوات ضد إدارة النادي الذي لعبت له، وأنهم السبب فيما وصلت إليه»ـ يقول مصطفى روك.

«منذ صغري وأنا أعشق لاعب المصارعة (ذا روك) وكنت أُشاهد مبارياته عبر الإنترنت.. كُنتُ مُغرمًا به، وتمنيت يومًا أن أُصبح بطلًا مثله، لكن لم أكن أعرف الطريق نحو هذا».. يتحدث بطل المصارعة عن بداياته، مضيفًا أن نورًا هداه لطريقه في عامه الأول بالدراسة الجامعية عام 2007، داخل جامعة القاهرة، حينما أعلنت الجامعة عن بطولة في المصارعة.. «كان يتبقى أسبوعين فقط على موعدها، ولم أكن أعرف عن تلك الرياضة غير ما أُشاهده عبر الإنترنت، وكانت من بين شروط الإنضمام أن يكون اللاعب تابعًا لأحد الأندية بالخارج.. حينها توجهت لنادي شهير بالجيزة، وأخبرتهم برغبتي في التدريب لديهم من أجل المشاركة في البطولة.. الجميع قابلوني بسخرية شديدة، لم يُصدق أحدهم أنني سأكون جاهزًا للبطولة في هذه المدة القصيرة، لكن حدث وفعلتها، وتمكنت من الحصول على المركز الثالث، وتغلبت على من سخروا مني، وكانت مفاجأة للجميع".

استمر الشاب في رياضته داخل النادي الذي التحق به، ويظل يلعب تحت مظلته، حتى حفر اسمه بين أقرانه في هذه اللعُبة في وقت قصير.. «حصلت على بطولات، ونافست أبطال معروفين، كان من بينهم الفوز على بطل مصر وإفريقيا ـ آنذاك ـ في دورة رمضانية عام 2009 رغم إصابتي.. تعرضت لخلع في الكتف أثناء هذه المباراة، ولكن نهضت وطلبت من الحكم أن يرد كتفي لأُكمل المباراة.. الجميع كان مندهشًا من طلبي، فخلع الكتف ليس أمرًا سهلًا في لعبة عنيفة مثل المصارعة.. لكن فعلت هذا، واستكملت المباراة.. وفزت بها.. لكن تفاقمت الإصابة بعدها».

أظهرت الفحوصات الطبية، حاجة "ذا روك المصري" لتدخل جراحي، لكن إدارة ناديه تخلّت عنه، فحسب قوله: "أخبرني الطبيب المتعاقد مع النادي، بأن كتفي في حاجة لعملية جراحية، لكنهم رفضوا ذلك، وأجبروا الطبيب على التراجع عما قاله، وإخباري بأن الأمر ليس بهذه الجثامة، وهنا اتجهت لطبيب آخر، وشدد على ضرور إجراء جراحة بشكل عاجل، لكنها كانت تحتاج لـ 18 ألف جنيه، ولم يكن لدي هذا المبلغ، ورفض النادي مرة أخرى أن يُساعدني في ذلك، واضطررت لترك المصارعة والعمل في مهن أخرى من أجل توفير نفقات العملية، وحدث هذا منذ 2011 حتى تمكنت من إجراء الجراحة في 23 أغسطس من العام 2012، ولم يكن بمقدوري اللعب لغير النادي ذاته الذي رفض علاجي، وكان عليّ الانتظار حتى فترة الانتقالات التي تحدث كل 4 سنوات، وكان موعدها التالي في عام 2016، ورفض النادي أن يمنحني استغناء".

آلام المصارع الشاب لم تتوقف، فلم تكن الجراحة الأولى كافية ليتعافى من الإصابة التي لحقت به: "كنت أشعر بآلام أثناء المباريات، وأثبت الفحص حاجتي لجراحة أخرى هي الأولى من نوعها، لأتمكن من ممارسة رياضة هذه الرياضة العنيفة (المصارعة الحرة) ورفض النادي مجددًا مساعدتي، ورغم ذلك تمكنت من الفوز بالبطولة العربية والتي كانت مقامة في شرم الشيخ عام 2015، ثم تركت المصارعة مجددًا، من أجل العمل وتوفير نفقات الجراحة الثانية".

في مايو 2016، خضع "ذا روك المصري" للجراحة الثانية، وكانت ناجحة، وعاد بعدها للمصارعة بعد انتقاله لنادي آخر: النادي الجديد يهتم بيّ كثيرًا، ويُعاملونني معاملة جيدة، وأقضي فترة رائعة معهم، ونافست من أجل الانضمام لمنتخب مصر.. كان الأمر صعبًا في البداية، غير أنني تمكنت في العام الماضي من تحقيق ذلك بعد 9 سنوات من الألم والإصابة.. فعلتها رغم كل المعوقات.. كُنت أتدرب في الصحراء في أجواء قاسية.. أخيرًا حققت أحد أحلامي، ليبقى حلمي الجديد هو الأولمبياد، وتحقيق ميدالية لمصر.

"صرخات أمي عند انهياري، كانت كافية لأتحدى كل شيء من أجل تحقيق حلمي.. عاهدت نفسي وقتها على أن أعوضها عن آلامها تلك التي تجرعتها عندما رأت ابنها سقط أرضًا، كُنتُ مُصرًا على العودة سريعًا لأجلها.. وها أنا فعلت.. ولديّ الكثير لأُحققه".. يقولها مصطفى جمال، مضيفًا: "تمسكوا بأحلامكم.. اجتهدوا لأجلها.. حوّلوا العقبات لانتصارات.. لا شيء مستحيل، إن كانت عزيمتنا قوية".