رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الذين لم يقولوا نعم.. أو لا


بإعلان «الهيئة الوطنية للانتخابات» موافقة أكثر من ٨٨٪ على التعديلات الدستورية، فإن الرئيس عبدالفتاح السيسى سيظل فى موقعه حتى سنة ٢٠٢٤، بعد أن تم تمديد ولايته الحالية سنتين إضافيتين. وصار بإمكانه الترشح لولاية ثالثة مدتها ٦ سنوات، ما يعنى أنه قد يظل فى الحكم حتى سنة ٢٠٣٠، لو ترشح، ثالثًا، ولو لم يظهر منافس قوى، وطبعًا لو أطال الله عمره.
عدد المشاركين فى الاستفتاء بلغ حوالى ٢٧ مليونًا و١٩٤ ألفًا، بنسبة ٤٤.٣٣٪، من إجمالى من لهم حق التصويت، بينهم حوالى ٢٣ مليونًا و٤١٧ ألفًا، صوتوا بـ(نعم)، بنسبة ٨٨.٨٣٪، مقابل مليونين و٩٤٦ ألفًا تقريبًا صوتوا بـ«لا» بنسبة ١١.١٧٪.
لو عدت إلى كل الانتخابات والاستفتاءات السابقة، التى جرت منذ ٢٥ يناير ٢٠١١، يمكنك بسهولة استنتاج أن من اعتادوا المشاركة، يتراوح عددهم بين ٢٣ و٢٦ مليونًا، وأن نسبتهم تراوحت بين ٤٦ و٥٢٪. ما يقطع بلا جدوى، أو أهمية، أن تقوم حزب أو «جهة ما» بحشد الناخبين، بترهيبهم أو بترغيبهم: بإجبارهم على التصويت أو بتوزيع كراتين أمام اللجان. وأضف إلى ذلك، أنه ليس منطقيًا أو معقولًا أن يتم إجبار مواطنين، بالترهيب أو بالترغيب، على التصويت بـ«نعم». ومن الوارد جدًا أن يحصل مواطن على «الكرتونة»، ويصوّت بـ«لا»، وهذا ما سيفعله غالبًا، لو تم إجباره على التصويت.
النتيجة كانت متوقعة، وهى نفسها تقريبًا التى خرجت بها «استفتاءات الخواجات»، التى أجرتها قنوات تليفزيونية وصحف ومواقع إلكترونية، غير مصرية، وقامت بالترويج لها بتدوينات وتغريدات، مموَّلة، أغرقت شبكات التواصل الاجتماعى. صحيح أن «الخواجات» أطلقوا غلمانهم ليشككوا فى نتائج تلك الاستفتاءات ويرجعوها إلى تدخل لجان إلكترونية، غير أن تلك هى عادتهم، ولن يشتروها، بل تم شراؤهم من أجلها. بالضبط، كما اعتادوا فى أى استفتاءات أو انتخابات، يعجزون عن اللعب بـ«كارت التزوير» فيها، أن يخترعوا أسبابًا أو تبريرات، كتلك التغريدة أو التدوينة، التى تم تعميمها، وروجت لها كائنات مغيّبة، لا تعرف شيئًا عن احتساب النتائج فى أى تصويت جرى على مدار التاريخ!.
الثابت هو أنه لم يحدث فى تاريخ الانتخابات، منذ اخترعوها، أن تم احتساب النسبة إلا من إجمالى عدد الأصوات الصحيحة، الأصوات الصحيحة فقط. الأصوات الباطلة فمكانها الطبيعى سلة المهملات، التى ذهبت إليها أصوات من لم يقولوا «نعم» أو «لا»، فى الاستفتاء الأخير، وفى كل الاستفتاءات التى جرت عبر التاريخ. غير أن الآلة الدعائية التابعة لتنظيم الإخوان أو تلك التى تديرها أجهزة مخابرات دول معادية، حاولت، كعادتها، توليد «النملة»، المعروف أنها تبيض، وقامت بتعميم تغريدة أو تدوينة جمعت نسبتى الموافقين والرافضين مع نسبة الأصوات الباطلة، وبالتالى تجاوز إجمالى النسب الثلاث ١٠٣٪.
الغريب أو الطريف، هو أنهم جربوا اللعبة نفسها مع نتائج انتخابات الرئاسة الماضية، وزعموا أنها المرة الأولى فى التاريخ التى يتم فيها احتساب النسبة المئوية من إجمالى الأصوات الصحيحة، وليس إجمالى الحضور. أما الأكثر غرابة، وطرافة، فهو أن أبرز المروجين للشائعة القديمة، كان يشبه الفأر، شكلًا وسلوكًا، بالضبط كأبرز مروجى الشائعة الجديدة.
الفأر، نظريًا، حيوان نباتى، لكنه عمليًا وواقعيًا، يلتهم كل شىء تقريبًا، ولوحظ أنه يقضم من ذيله، لو لم يجد ما يأكله، بل إنه قد يأكل جثث زملائه. والصفات، كلها، كما لعلك لاحظت تنسحب على «المتثورجين» أو مَن يوصفون بالنشطاء الذين ينشطون ليلًا، كالفئران، ولا يستطيعون، مثلها، رؤية الألوان. ولن أسترسل، فى عرض مزيد من أوجه التشابه، مكتفيًا بالإشارة إلى أن بعض الفئران تقوم بالتبول داخل الطبق الذى تأكل أو تشرب فيه!.
لا أريدك أن تعتقد أننى أشغل نفسى بتفاهات، وأحاول أن أشغلك بها. فغير أننا بـ«نتسلّى مع بعض»، يمكنك، بتتبع حالة هؤلاء وحالات أخرى شبيهة، أن تدرك كيف يمكن لأى جاهل، ضعيف الإمكانيات أو معدومها، أن يصبح سياسيًا ذائع الصيت، لمجرد انتمائه إلى «شلة» أو عصابة، يزعمون، زورًا، أنها تيارات سياسية، الأمر الذى لن تجد له تفسيرًا، إلا لدى الأطباء النفسيين، لو أحسنت الظن بتلك الشلل أو العصابات، واستبعدت فرضية وجود من يحركونها عن بُعدٍ أو عن قرب.
الخلاصة هى أنك لست أمام معارضين أو سياسيين، أو حتى مواطنين طبيعيين، بل أمام أحد أنماط الانحراف الاجتماعى أو السلوكى، يصيب عادة من وضعوا لأنفسهم أهدافًا ومستويات طموح لا تتفق مع إمكانياتهم. وبفشلهم فى تحقيق أى منها، لازمهم شعور بالعجز والضعف وخيبة الأمل، جعلهم ينسلخون جزئيًا أو كليًا عن واقعهم ومجتمعهم. باختصار، أنت أمام مرضى نفسيين، لو أحسنت الظن بهم.