رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد مختار جمعة يكتب: شر الناس وخيارهم

جريدة الدستور



شرار الناس بل أكثرهم شرًا هم من يكونون معاول هدم لدينهم أو لوطنهم، ومن يتخذون من الفساد والإفساد مسلكًا، ومن النفاق والمداهنة سبيلًا، حيث يقول الحق سبحانه: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ» (البقرة: ٢٠٤-٢٠٥).
من شرار الناس بل أكثرهم شرًا أيضًا المخادعون المنافقون المتلونون، حيث يقول رسولنا «صلى الله عليه وسلم»: «إن شر الناس ذو الوجهين الذى يأتى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه».
شرار الناس كالأرض السبخة التى لا تنبت كلأ ولا تمسك زرعًا، حيث يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِى اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِى دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِى اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ» (رواه البخارى)، فالذى لا ينفع الله به الناس هو كالأرض السبخة أو القيعان التى لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فخير الناس أنفعهم للناس، وشرهم من تركه الناس واتقوه وتجنبوه اتقاء فحشه، حيث يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ» (رواه البخارى)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ» (سنن ابن ماجة).
وإذا كان أشر الناس هو من يتأتى منه الأذى للناس أو لدينه أو لوطنه، فإن خيرهم بالطبع من يأتى منه الخير لدينه ووطنه والناس أجمعين، أما خيار الناس فهم أنفعهم للناس، فعن أبى هريرة (رضى الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «ألا أخبرُكُم بخيرِكُم من شرِّكم؟ قالَ: فسَكَتوا، فقالَ ذلِكَ ثلاثَ مرَّاتٍ، فقالَ رجلٌ: بلَى يا رسولَ اللَّهِ، أخبِرنا بخيرِنا من شرِّنا، قالَ: «خيرُكُم مَن يُرجَى خيرُهُ ويُؤمَنُ شرُّهُ، وشرُّكم من لا يُرجَى خيرُهُ ولا يُؤمَنُ شرُّهُ»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «مَنْ قَضَى لأَحَدٍ مِنْ أُمَّتِى حَاجَةً يُرِيدُ أَنْ يَسُرَّهُ بِهَا فَقَدْ سَرَّنِى، وَمَنْ سَرَّنِى فَقَدْ سَرَّ اللَّهَ، وَمَنْ سَرَّ اللَّهَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ».
وسئل (صلى الله عليه وسلم) أَىُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَىُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه وسلم): «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِى عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ فِى حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِى هَذَا الْمَسْجِد- يَعْنِى مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا، وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِى حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ» (المعجم الكبير للطبرانى).