رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العنف الدينى .. إلى أين ؟!!


مما لا شك فيه أن المصريين - مسلمين ومسيحيين وغيرهم - الذين رفضوا أن تحكمهم جماعة الإخوان المسلمين يعانون من رد فعل هذه الجماعة ومن عنفها وإرهابها، ولكن مما لاشك فيه أيضا أن المسيحيين يدفعون ثمنا مضاعفا،

أولا لموقفهم السياسى وثانيا لانتمائهم الديني, وليس أدل على ذلك من أنه حتى يوم السبت، الثالث من أغسطس، تم رصد العديد من حالات التربص بالمسيحيين، وممارسة العقاب الجماعى عليهم فى أكثر من ثلاث عشرة منطقة، ومنذ الاثنين 29 يوليو الماضى، وحتى السبت الموافق الثالث من أغسطس تم رصد 31 حادثاً ضد المسيحيين فى دلجا بديرمواس، ونزلة عبيد، وملوى، وأبوقرقاص، ومغاغة، وقرى بنى أحمد الشرقية، وريدة بالمنيا، وبورسعيد، والمنصورة، ونجع حمادي، وأسيوط، وسوهاج، منهم 17 حادث اعتداء على مواطنين مسيحيين، و5 حوادث اعتداء على ممتلكات مسيحيين، و5 اعتداءات على كنائس، و4 حوادث اختطاف فى المنيا ونجع حمادى!! والاعتداءات المتكررة على المسيحيين ليست من قبيل الصدفة، فهناك خطاب تحريضى ممنهج ضدهم، فقد قال شهود عيان إن أحد قادة الجماعة قال من فوق منصة رابعة العدوية إن العمليات ضد المسيحيين ستبدأ الآن، كما أنه كانت هناك هتافات ضد المسيحيين رددها كل المعتصمين، ويهدف الإخوان من خلال كل هذا إلى تحقيق هدفين هما: خلخلة التلاحم الوطنى ضدهم ببث الفتنة بين المسلمين والمسيحيين من ناحية، ومن ناحية أخرى ليصوروا الأمر على أن من هم ضدهم هم المسيحيون، وأن جوهر الصراع هو صراع دينى وليس سياسياً، ومن ثم ليكسبوا تعاطف الطبقة غير المثقفة فى مصر، لقد بات من الواضح أنه بعد اندلاع ثورة الثلاثين من يونيو وحتى الآن تتزايد خطابات التحريض على العنف والكراهية الدينية من رموز جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها من دعاة الأصولية الدينية، بغية تحقيق مكاسب سياسية دونما أى اعتبار لتداعيات تلك الخطابات السامة ومخاطرها الجسيمة على السلم الأهلى والتماسك الاجتماعى، ومن المؤسف والمخجل أن مؤسسات الدولة تقاعست وما زالت تتقاعس عن توفير الحماية الواجبة لمواطنيها من المسيحيين والتصدى بحزم لهذه الاعتداءات على شركاء الوطن، وما زلنا نعانى من غياب التطبيق الحازم للقانون فى ملاحقة ومحاسبة مرتكبى تلك الاعتداءات التى تنال من المسيحيين المصريين، ففى شمال سيناء تُظهر الإفادات الواردة من هناك أن قوات الجيش والشرطة لا تزال عاجزة عن توفير الحماية الكافية للمواطنين– مسلمين ومسيحيين- جراء أعمال العنف والإرهاب والترويع التى تمارسها جماعات مسلحة من المتشددين الإسلاميين ضدهم، وهو ما اقترن بحالات للقتل والخطف، استهدفت المواطنين المسيحيين وراح ضحيتها القس مينا عبود شاروبيم، كما قُتل المواطن المسيحى مجدى لمعى بعد اختطافه، بعدما عجز أهله عن سداد الفدية المطلوبة لإطلاق سراحه، كما تشير الإفادات أيضا إلى نزوح عدد كبير من مسيحيى شمال سيناء هرباً من تهديدات مستمرة لحياتهم، بينما باتت أبواب الكنائس مغلقة هناك معظم الوقت خشية الهجوم عليها، فى ظل غياب التأمين الكافى لها من جانب قوات الجيش والشرطة، وفى قرية بنى أحمد الشرقية بمحافظة المنيا بدا واضحاً تراخى أجهزة الدولة وقوات الأمن فى التدخل لإنهاء حالة الاحتقان والتوترات المتصاعدة على مدار شهر كامل بين سكان القرية ذات الأغلبية المسيحية ومؤيدى الرئيس المعزول فى القرى الثلاث المجاورة، الأمر الذى أسفر فى الثالث من أغسطس الجارى عن قيام مواطنين من القرى الثلاث بمحاصرة القرية ذات الأغلبية المسيحية، ومهاجمتها ووقعت اشتباكات بين الطرفين، ولم تتدخل الشرطة إلا بعد أكثر من ساعتين من بدء الهجمات، مكتفية بتأمين الكنيسة، فيما تقاعست الأجهزة الأمنية عن منع الاعتداءات على الممتلكات الشخصية– من منازل وسيارات ومحال تجارية. إن الخطاب الدينى التحريضى من جماعات الاسلام السياسى ودعاة الأصولية له تأثير مدمر على العلاقات المسيحية الإسلامية، ولذلك يتعين على فصائل الإسلام السياسى نبذ العنف ووقف جميع خطابات التحريض على العنف والكراهية الدينية وإدانة المتورطين فى أعمال العنف والتبرؤ منهم، كذلك لابد من التزام الدولة وأجهزتها المعنية بملاحقة مرتكبى جرائم العنف الدينى والمنخرطين فى التحريض عليه وتقديمهم للعدالة الناجزة دون هوادة، وعدم اللجوء إلى الحلول العرفية التى دائماً ما تنحاز لطرف دون آخر فتنصف الطرف القوى وتجور على حق الطرف الضعيف، هذا فضلا عن أنه لابد من إجراء تحقيقات عاجلة ونزيهة من قبل النيابة العامة بشأن جرائم العنف الدينى وإحاطة الرأى العام بنتائجها وتوفير الحماية الواجبة للشهود فى هذه الجرائم، ودعوة النائب العام إلى إجراء تحقيقات مستقلة للكشف عن أوجه القصور فى توفير الحماية الواجبة للمسيحيين وممتلكاتهم ودور عبادتهم سواء من جانب قوات الشرطة أو الجيش، واتخاذ الإجراءات الواجبة لمحاسبة المقصرين فى هذا الصدد، إن الفرق بين دولة المواطنة ودولة الأهل والعشيرة هو تطبيق القانون على المخطئ ومحاسبته دون اعتبار لدينه أو انتمائه للأغلبية، إن دولة القانون هى التى لا تفرق بين مواطنيها لا على أساس لون أو جنس أو دين، فإذا كنا فى مصر دولة العلم والإيمان كما أطلق عليها الرئيس السادات وصلنا إلى هذه الدرجة من الرخاوة، وفشلنا فى أن نتعايش معاً، وأن تديننا وتعبدنا للإله الواحد فشل فى أن يجعلنا نقبل التعددية والتنوع وعجز عن أن يمنعنا من الاعتداء على المغايرين دينياً، فعلى الأقل لنكون دولة قانون يقف الجميع أمامه متساوين دون أى حسابات أو اعتبارات لأغلبية أو لأكثرية، بدلاً من أن تتحول مصرنا لغابة يكون فيها البقاء للأقوى والاستمرارية للعنيف، ووقتها سيكون الكل خاسر، ومن ثم لن يجدى البكاء على اللبن المسكوب، ولن ينفع لطم الخدود على أشلاء الوطن.

■ راعى الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا مصر

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.