رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معركة الدستور.. تعديل أم تغيير؟


بمفهوم الصراع السياسى المشروع الذى يحسم نتائجه الشعب فقط وعندها لابد من أن يخضع الجميع، وفى كل الأحوال أمل مصر وبناؤها وتقدمها لن يكون بغير تشارك وتوافق واتفاق كل المصريين حتى تكون مصر لكل المصريين

الدستور هو مجموعة المبادئ العليا والقيم الحاكمة والأهداف السياسية التى يتفق ويتوافق عليها المجتمع والتى تصاغ فى شكل وثيقة دستورية تكون هادية وحاكمة للجميع.

وهذه الوثيقة تعبر عن آمال وأمانى الشعب فى مرحلة زمنية مثل الثورات أو الأحداث المفصلية التى يتم فيها تغيير الأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية بهدف التغيير للأحسن. ومن الطبيعى ألا تتجاوز هذه الوثيقة الدستورية الثوابت الوطنية الخاصة بالتاريخ والهوية والانتماء، وتختلف الدساتير من حيث طريقة الإعداد وكم المواد ولكن الأهم هو أن تكون هذه الوثيقة محل تقدير واقتناع من الجميع، ومن المعروف أن دستور 2012 وهو دستور ما بعد ثورة 25 يناير 2011 لم يكن محل إجماع وطنى أو توافق مجتمعى نتيجة للظروف والملابسات التى أطاحت به منذ تشكيل لجنته التأسيسية التى حدد شكلها وطريقة تشكيلها البيان الدستورى الصادر عن المجلس العسكرى فى 30/3/2011 والذى حدد طريقة لاختيار مائة عضو ليشكلوا اللجنة التأسيسية لوضع الدستور عن طريق قيام أعضاء مجلسى الشعب والشورى المنتخبين باختيار هذه اللجنة، ولما كانت أغلبية أعضاء المجلسين من التيار الإسلامى نظراً لعدة ظروف منها الإصرار على أن تكون انتخابات المجلسين قبل وضع الدستور حتى يتم ضمان الأغلبية للتيار الإسلامى، نظراً للتسرع والإسراع فى الانتخابات فى الوقت الذى لم تأخذ فيه الأحزاب القديمة أو الجديدة أو شباب الثورة الفرصة فى الإعداد والاستعداد للانتخابات، ولكن كانت هذه القوى منهكة فى المليونيات التى كانت تتوالى حفاظاً على مبادئ ثورة 25 يناير، فى الوقت الذى كانت فيه القوى الإسلامية تغازل العاطفة الدينية للمصريين واصفة الانتخابات بغزوة لنصرة الإسلام، لذا جاءت اللجنة التأسيسية غير معبرة عن كل فصائل المجتمع، ناهيك عن انسحاب كثير من القوى السياسية والاجتماعية والدينية الفاعلة من هذه اللجنة الشىء الذى أصابها بعدم المشروعية الشعبية، إضافة إلى حكم المحكمة الإدارية العليا بعدم دستورية هذه اللجنة، فأضاف عدم مشروعية دستورية وقانونية أيضاً، ولما كان هناك غرض فى نفس يعقوب لدى السلطة فى إعداد وتمرير دستور يعبر عن فصيل بذاته، وجدنا محاصرة المحكمة الدستورية العليا فى واقعة غير مسبوقة ذلك لمنعها وعدم تمكنها من إصدار حكم بعدم دستورية اللجنة، وتم تمرير الدستور بليل فى إطار تحدى الرأى العام وكل القيم الدستورية والقانونية عند إعداد الدساتير، فكان دستور لفصيل محدد ولدولة دينية لا علاقة لها بالدولة المدنية الديمقراطية الحديثة والتى توافق عليها الجميع بما فى ذلك وثيقة الأزهر التى وقع عليها الجميع بما فيهم التيار الإسلامى الذى اقتنص الدستور. وقبل الاستفتاء على هذا الدستور وفى إحدى جلسات ما كان يسمى بالحوار الوطنى أقر د. مرسى أن هناك مواد فى الدستور مطلوب حصرها والعمل على تعديلها عن طريق تقديم مرسى لهذه التعديلات لمجلس النواب القادم، وتم تكرار ذلك فى خطابه يوم الأربعاء 26/6 وجاءت ثورة 30 يونيو وكان من الطبيعى أن يكون تعديل الدستور أو تغييره لكثرة ما به من مواد مطلوب تعديلها وصياغتها فى مقدمة خطة المستقبل التى أعلنت فى 3/7/2013، وتم تشكيل لجنة العشرة وجار تشكيل لجنة الخمسين فى ظل رأى عام ضاغط بتغيير الدستور وليس تعديله، وهنا بلا شك فنحن فى ظل وظلال معركة بين التيار الإسلامى الذى استأثر بدستور على مقاسه، وكما أراد، وبين مجمل التيارات السياسية الأخرى التى تريد دستوراً توافقياً يعبر عن الجميع فى ضوء تلك المرحلة المهمة من تاريخ المصريين، وهنا تكون تلك المواد الخاصة بالشريعة الإسلامية مع العلم بأنه لا نقاش ولا خلاف ولا حوار حول ضرورة وأهمية المادة الثانية من الدستور والتى دافعنا عنها منذ تعديلات مبارك فى 2005، 2007، ولكن الحوار والخلاف حول مواد مثل المادة الخامسة والتى تقر ما يسمى بمرجعية الفقيه وهى شيعية والتى تفرض وصاية من الأزهر على المجلس التشريعى بما يفقده قيمته التشريعية وتلغى أيضاً سلطة الشعب الذى هو مصدر السلطات، أيضاً المادة 219 والتى تتحدث عن أحكام الشريعة وليس المبادئ وحددت مرجعية بذاتها، الشىء الذى يفتح أبواباً للفتوى لا تنتهى، إضافة إلى ربط الديمقراطية بالشورى بما يحدث عدم توازن وتدخل سيكون له آثاره فى الإطار التطبيقى، والمادة الخاصة بالعزل السياسى التى جاءت مع مواد كان هدفها تصفية حسابات مع قطاع من المصريين لترك الساحة لمن يريدون السيطرة الدائمة على السلطة، وهناك مجلس الشورى بين الإلغاء والإبقاء. هناك الـ 50٪ للعمال والفلاحين والتى تم تمريرها من باب المداومة مع العمال والفلاحين بإبقائها لمدة معينة، هناك الكثير والكثير ولكن يأتى النظام الانتخابى للبرلمان من أهم القضايا الحاسمة فى الأيام القادمة، فقد تم وضع نظام الثلثى للقوائم والثلث للفردى والإصرار عليه بالرغم من عدم دستوريته، ولكنه هو النظام الأمثل الآن للتيار الإسلامى، نعم القائمة النسبية غير المشروطة مفيدة خاصة لأى أقلية، ولكن النظام الحالى والذى ساعد الإخوان على الحصول على ما حصلوا عليه قد جاء لمصلحتهم خاصة فى الدوائر الفردية التى تضم أكثر من مركز إدارى، فمن الطبيعى أن يكون المرشح من مركز ضمن هذه المراكز، ولكن الجماعة هى من لها أتباع فى كل مراكز الدائرة الشىء الذى يحول فوائد القائمة لمرشحى الجماعة وهى دائرة فردية، ولذا لابد من إلغاء هذا النظام والعودة مؤقتاً للنظام الفردى الذى يجعل كل مركز إدارى دائرة انتخابية، وعلى الأحزاب التى تنادى بالقائمة أن تعيد حساباتها، فالأهم هو تواجدها الجماهيرى وأن ترشح مرشحين يملكون تواجداً جماهيرياً شعبياً فالمصلحة العامة أهم الآن من المصالح الحزبية الضيقة، ومن المعروف أن الدستور سواء كان تعديلاً أو تغييراً لابد من الاستفتاء عليه، فهل استعد الجميع لهذه المعركة الفاصلة والحاكمة والتى ستشكل المشهد السياسى فى قابل الأيام؟ أم أن الجميع لا يجيد غير الاحتفال بنجاح الثورة، وكأن كل شىء قد تم ثم نعود مرة أخرى لنقطة البداية، المعركة متواصلة والنضال دائم، والأهم لا نريد معركة بمعنى التصارع، ولكن بمفهوم الصراع السياسى المشروع الذى يحسم نتائجه الشعب فقط وعندها لابد من أن يخضع الجميع، وفى كل الأحوال أمل مصر وبناؤها وتقدمها لن يكون بغير تشارك وتوافق واتفاق كل المصريين حتى تكون مصر لكل المصريين.

■ كاتب سياسي وبرلمانى سابق