رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صورة البلطجي التركي


تخيل معي أن هناك في هذا العالم كيان أو فرد يخوض صراعات ويعيش على عداء وشد وجذب مع أمريكا وروسيا والسعودية والإمارات واليونان وقبرص وسوريا ومصر وأرمينيا والأكراد وإيطاليا هولندا وألبانيا وصربيا.. أو استبعد مصر من هذه القائمة وتخيّل أنها هي من كانت تعادي كل هذه الدول والشعوب وتواصل مناكفتهم كما اعتادت أن تفعل منذ مئات السنين.

جنون مطبق!

هل هناك كيان أو فرد عاقل قد يقدم على كل هذه الاشتباكات؟

الأتراك اختاروا أن يفعلوا ذلك، منذ مئات السنين، وأردوغان وجماعته يواصلون المسيرة بتفاني، دولة اختارت أن تناصب العالم عداءً لا ينتهي، مقابل مجموعة من التحالفات القائمة على شبكات أخوية الإخوان المسلمين المحظورة.

وجدت القائمة طويلة، ووجدت أن الأدب، وتحديداً الرواية، ديوان العصر، جسرٌ يستطيع الواحد أن يرصد عبره صورة واضحة لهذا التركي/تركيا العثمانية، في الأدب العالمي وآداب الدول والشعوب المحيطة بها والمتقاطعة معهم.

لا تخلو أدبيات دولة في محيط تركيا، من نصوص ترصد صورة قاسية للأتراك والدولة التركية، فاليوناني نيكوس كازنتزاكيس أفرد فصلاً في سيرته الروائية (تقرير إلى غريكو) بعنوان (كريت تواجه تركيا) أقتبس منه: "لقد كانت دائماً المعركة ذاتها، المعركة الأبدية، والصراع لم يعد دائراً بين تركيا وكريت، بل بين الخير والشر، بين الضوء والظلمة، وراء الله كانت تقف كريت، بينما وراء الشر ووراء الظلمة والشيطان تقف تركيا".

ولا ننسى أن كانتزاكيس كتب رواية كاملة عن الصراع بين وطنه كريت – قبل أن تتوحّد مع اليونان – وتركيا العثمانية، بعنوان (الحرية أو الموت) وهو عنوان ملائم جداً لوصف العلاقة مع الآخر التركي.

أما في رواية (الحصن) للألباني إسماعيل كادريه أو إسماعيل قدري نرى صورة معسكر الجيش العثماني فارضاً الحصار على قلعة الحدود الألبانية، وتنعكس عبر الرواية صورة قاسية للفرد العثماني، وتتجلى الصورة البربرية في القائد الذي اصطحب جواريه وإمائه معه ليواقعهن أثناء حصار ألبانيا، وقد فضّل جاريته الحامل لأنه يحب أن يلتصق حليب صدرها بصدره عند العناق!

أما على مستوى الأدب العربي فحدّث ولا حرج، لأن العلاقة بين العرب ومصر من جهة والأتراك من جهة أخرى طويلة وممتدة ومليئة بالصراعات. ويمكننا أن نقتبس هنا مبدئياً من (الساق على الساق) لأحمد فارس الشدياق في وصف أهل الإسكندرية: "فأما رجالها فإن للترك سطوة على العرب وتجبرا، حتى أن العربي لا يحل له أن ينظر إلى وجه تركي كما لا يحل له أن ينظر إلى حرم غيره. وإذا اتفق في نوادر الدهر أن تركياً وعربياً تماشيا أخذ العربي بالسنة المفروضة، وهي أن يمشي عن  يسار التركي محتشماً خاشعاً ناكساً متحاقراً متصاغراً متضائلا (..) فإذا عطس التركي قال له العربي رحمك الله، وإذا تنحنح قال حرسك الله. وإذا مخط قال وقاك الله… وقد سمعت أن الترك هنا عقدوا مجلس شورى استقر رأيهم لدى المذاكرة على أن يتخذوا لهم مركباً وطيئاً من ظهور العرب".

 ولحسن حظي وقعت على دراسة بعنوان "صورة الأتراك في نماذج قصصية من بلاد الشام" أعدها الناقد الفلسطيني عادل الأسطة، ضمّنها نماذج من كتابات السوري حنا مينه، واللبناني توفيق يوسف عواد، والأردني زياد قاسم والفلسطيني توفيق فياض.

والنماذج كثيرة أورد منها بشكل سريع:

·         "ومشى في الكرم، قد فعل به الأتراك ما فعلوه بالحقول. قصوا أشجاره وسلطوا بغالهم على عرائشه قضماً ووطأ، وخربوا حاناته التي رصفها بيديه حجراً حجراً.." توفيق يوسف عواد – (الرغيف).

·         "فساق الجنود الأتراك كل من صادفوه من شيوخ القرية ونسائها بالسياط إلى مقر حافظ باشا في جنين.." توفيق فياض – (الشيخ لافي الملك).

·         "خالك يا بني أقسم ألا يأكل من قروانة الأتراك. وبرّ بقسمه فلم يأكل منها. كانوا يسوقونه إلى أعمال السخرة، لأن السلاح ممنوع على أمثاله. وكان يأنف من السخرة ويتملص بطرق مختلفة ويهرب.." حنا مينه – (بقايا الصور).

وفي مسافات أبعد، في فرنسا تحديداً كتب جيلبير سينويه – وهو من جذور مصرية بالمناسبة – روايته (يريفان)، وتحكي جوانب من الإبادة العرقية التي مارسها الأتراك ضد الأرمن في المذابح الكبرى عام 1915 إبان الحرب العالمية الأولى، وترصد الرواية صور مرعبة للأتراك الذين صنعوا مسابح من حلمات أثداء البنات الأرمنيات بعد أن يغتصبوهن وقبل أن يقتلوهن، وتحكي أيضاً العملية "نيميزيس" الانتقامية لتصفية طلعت باشا وزير داخلية الدولة العثمانية، وواحد من ثلاثة مسئولين بشكل رئيسي عن الإبادة، في شوارع برلين، على يد صوجومون تيهليريان تخليصاً لجزء يسير من الثأر الأرميني.

ومن النمسا يأتي الكاتب فرانز فيرفل، الذي كان مقيماً في دمشق في عشرينات القرن الماضي، وأتيح له أن يرى مأساة المهجرين إلى المدن العربية في شمال سوريا، رأى الأرمن الجياع المشرّدين على يد الأتراك، وقد تأثّر بذلك كثيراً، فكتب رائعته (الأيام الأربعون لجبل موسى) والتي ترصد قصة مقاومة ست قرى أرمينية لأمر الإخلاء القسري التركي، وتنمو الحكاية عبر سيرة بطلها كابرييل باكراديان الأرمني المقيم في باريس والذي عاد ليزور أهله في موطنه الأصلي لتندلع الحرب ويحاصره الأتراك فيخوض معارك المقاومة ضد الحصار العثماني.

يتعين على الأتراك أن يسائلوا أنفسهم لماذا لهم هذه الصورة السلبية في الآداب العالمية، يجدر بهم أن يحاولوا أن يكونوا أكثر شرفاً من سلفهم الغازي البلطجي المغرور، وهذه كلها أمنيات، لأن الواقع، يقول – بكل أسف – أن الدولة التركية الحالية أضعف وأقل شرفاً من تركيا العثمانية. وانظروا في قائمة عداواتها وقائمة حلفائها لتعرفوا ذلك.