رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة سوريا إلى الجامعة العربية




شتاء ٢٠١٩، يقضيه السوريون خارج بلادهم وسط عواصف ثلجية فى مخيمات اللاجئين بالأردن أو لبنان، ويقضيه السوريون داخل بلادهم وسط متغيرات عدة لا تمس الظروف المناخية فقط، ولكن الأهم هو الظروف السياسية، فالبلاد عاشت ثمانى سنوات من أصعب سنوات التاريخ بالنسبة للشعب السورى- الدولة لم تحتل بالمعنى المعروف للاحتلال- ولكنها تحولت إلى مسرح عمليات للحرب بالوكالة ولاستعراض أنواع الأسلحة والقوات ومسرح للتدريب العسكرى وبروفة لحرب قد تطال العالم.
وسط كل ذلك، استطاع من تبقى من الجيش السورى، تحت قيادة الرئيس الأسد، التماسك والتمسك بمساحات من الأراضى السورية تحت السيطرة، وعبر الأعوام الثمانية الماضية كان هناك العديد من التحولات على الأرض من ظهور لتنظيمات عسكرية ممولة من دول عربية إلى تدخل تركى سافر بمؤامرات وتدخل عسكرى وتسهيلات لوجستية وتحول الجنوب التركى إلى ممر آمن لآلاف العناصر القادمة من تونس والجزائر وأفغانستان ودول الكومنولث الروسى وأوروبا، لتتشكل على الأرض عشرات التنظيمات، بدءًا من جبهة النصرة إلى أحرار الشام، مرورًا بالجيش السورى الحر إلى وصول تنظيم القاعدة عابرًا من العراق إلى سوريا لمد نفوذه والإعلان عن دولته وسك عملته وتطبيق شريعته، وأصبح السورى فى دمشق يتبع جيش وحكومة دولته وشقيقه فى الجنوب تحت إمرة تنظيمات أخرى، وابن عمه فى إدلب وحلب يخضع لتنظيم ثالث.. وظلت الأمور تتفاقم والتوكيلات والتمويلات تزداد، ومسئولون عرب يؤكدون أنه لا حل فى وجود الأسد، وآخرون من الغرب يفاوضون على من يمتلك القطعة الأهم ولمن سيضخ الغاز عبر أراضى سوريا، أو لمن ستمنح الثورات السورية، ففى الوقت الذى كان فيه أطفال سوريا يموتون غرقًا على شواطئ أوروبا وتركيا، كان المسئولون يبحثون عن الغنائم.
وعبر كل هذه الأجواء كان الموقف المصرى واضحًا منذ تولى الرئيس السيسى الحكم مع الشعب السورى وضد تقسيم البلاد، ووصل عشرات الآلاف من السوريين مصر، عاشوا وعملوا وحققوا النجاحات.. لم يتم وضعهم فى معسكرات للاجئين، بل كانت بيوت المصريين بيوتهم، ولِمَ لا، فمصر وسوريا طوال التاريخ وطن واحد وما بين دول إسلامية فى تاريخ سابق إلى إقليم شمالى وجنوبى فى الستينيات إلى وحدة هدف فى الحرب وشهداء هنا وهناك ارتقوا دفاعًا عن الوطن.
مرت شهور كثيرة وسنوات وسوريا تتعرض لحصار سياسى ومعارك عسكرية.. ما بين انقسامات داخلية ومؤامرات خارجية، حتى استطاعت أخيرًا أن تعيد أغلبية الأرض السورية إلى سيطرة الجيش السورى، وعادت الأضواء إلى دمشق والمهرجانات إلى اللاذقية والهدوء إلى درعا، وأعيد فتح البوابات فى الحدود الأردنية وتأمين مساحات كبيرة فى الحدود العراقية، وظلت الحدود التركية وتهديدات أردوغان هى الشاغل المزعج فى الوضع السورى.
وبعد ثمانى سنوات من المقاطعة العربية، تحديدًا منذ علقت الجامعة العربية عضوية سوريا فى نوفمبر ٢٠١١، والمقعد السورى ما زال شاغرًا فى كل الاجتماعات التى تنظمها الجامعة العربية.. وعقب ذلك طلبت دول مجلس التعاون الخليجى من سفرائها مغادرة دمشق، ولكن فى أواخر العام الماضى بدأت مظاهر أخرى لعودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد أن استطاع الجيش السورى تحرير أغلبية الأراضى السورية والاتجاه شمالًا، تعاونًا مع الأكراد فى محاولة لتحرير إدلب أو إعادة تواجد الجيش فى كل مناطق الشمال.
العودة السورية إلى الجامعة العربية تبدو وشيكة وإن لم تلحق بالقمة الاقتصادية المقبلة، ولكن ما حدث من زيارة للرئيس السودانى لدمشق، ثم إعادة فتح سفارة الإمارات، والإعلان عن قرب فتح سفارة البحرين وسفارات أخرى فى الطريق، وتصريحات عن ضرورة تفعيل الدور العربى فى سوريا، والحديث عن زيارات متكررة لمسئولين سوريين دولًا عربية، آخرها زيارة رئيس مكتب الأمن الوطنى السورى القاهرة، ومع موقف مصرى داعم لسوريا، الدولة والشعب، ربما تشهد الأيام المقبلة تحولًا فى مواقف دول عديدة.. ففى تصريحات للنائب العراقى جاسم صقر قال إن هناك دولًا عربية، العراق ومصر وتونس والجزائر، تدعم العودة السورية.. مضيفًا أن مصر هى اللاعب الأبرز لكونها حليفًا قويًا لروسيا ووجود الجامعة العربية بها، مؤكدًا أن العراق يدعم ذلك لارتباط استقرار الأوضاع على الحدود بعودة سوريا إلى وضعها الطبيعى، معتبرًا أن استقرار سوريا يصب فى مصلحة الشرق الأوسط.. ومن البحرين أكد خالد بن أحمد، وزير الخارجية، وقوف البحرين إلى جانب سوريا فى مواجهة أى تدخل خارجى والحفاظ على وحدة أراضيها.. من لبنان أيضًا ترددت أنباء عن أن جبران باسيل، وزير الخارجية اللبنانى، يجرى سلسلة اتصالات مع الأمانة العامة للجامعة ودول عربية للحث على عودة سوريا للجامعة، وأيضًا من الموفد التونسى إلى لبنان زهر القروى الشابى، الذى أكد أن بلاده ترحب بعودة سوريا حال وافقت الجامعة على رفع تعليق العضوية.. وأضاف أن هناك بوادر خير فى هذا الموضوع بعد فتح بعض السفارات العربية فى سوريا وأن الجو ملائم للعودة.
صحف واشنطن بوست الأمريكية والتليجراف البريطانية ونينرا فبسيما غازيتا الروسية تشير، عبر تصريحات عديدة لمسئولين غربيين وعرب، إلى أن العودة السورية للجامعة العربية باتت وشيكة، خاصة بعد تصريحات ترامب وتهديداته لتركيا، ويبدو أن الشتاء القارس فى بدايات عام ٢٠١٩ سوف يحمل الدفء لسوريا سياسيًا، وسوف يعيد سوريا إلى الجامعة العربية، فى خطوة عربية للتعافى من آثار الربيع الأسود، الذى دفع فيه العرب ثمنًا باهظًا وتعرضوا لمؤامرات عديدة دمرت جيوشًا وأوطانًا.