رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أميرة ملش تكتب: اعرف امتى تكون عنيد


كالعادة، الكينج الشهير بمحمد منير، فناننا الرائع الذى يعبر عن جمال وإبداع الجنوب، يغنى بلسان حالنا وأحوالنا، سمعت فى أغنيته الجديدة جملة عجبتنى وسرحت فيها، بتقول «تنجح لما تكون تعرف امتى تكون عنيد»، يعنى مش دايمًا تكون عنيد، لأن العند أحيانًا يصيب صاحبة بالجمود، ويسبب له الخسائر، فالمرونة لا غنى عنها ومطلوبة فى مواقف كثيرة.
أشعر أحيانًا أن العند درجة من درجات الغباء فى مواقف بعينها، والمرونة صفة يتحلى بها الأذكياء، يعنى تقريبًا عكس الشائع، يتابهى البعض بأنه عنيد، «أنا فى العند مفيش زيّى»، لا أرى فى العند أحيانًا سوى جمود وتراجع فكرى، وفى درجة معينة يمنع صاحبه من التطور، وأقصد هنا العند على طول الخط، وأرى أنه أحيانًا يضع صاحبه فى خانة التفاهة وضيق الأفق، لا يصلح العند فى كل الأوقات وكل المواقف، ولذلك فإن المرونة هى صفة الدبلوماسيين وأهل السياسة، بينما هناك شعرة أيضًا تفصل بين المرونة والتخبط، كن مرنًا ولكن بحساب ومش عمّال على بطّال، لأنها قد تضعك فى خانة المتردد والمتخبط والعشوائى.
العند كثيرًا يمثل حالة الصعود إلى الهاوية، ما يضع صاحبه، ويضع المسئول عنهم فيما لا يحسدون عليه، مثل من كان يقول «أنا عندى دكتوراه فى العند»، وغيره من كان العناد صفته المشهور بها، والتاريخ يمتلئ بشخصيات كان العند والكبر سببًا فى تعاستهم وتعاسة من حولهم، فهل من الطبيعى عندما تريد الوصول لمكان ما أن تكمل فى الطريق الخاطئ بعد أن تكتشف ذلك، وأنك تائه وأنه يقودك لمكان آخر؟، أم أنك تقف وتتراجع وتسلك طريقًا آخر لتصل. شاهدت كثيرًا أشخاصًا تتصلب عقولهم ويتجمد تفكيرهم وتضيع من بين أيديهم الفرص بسبب العناد فى غير محله، وهناك بين النساء من تهدم حياتهن ويخسرن أشياء مهمة وثمينة لا تعوض بسبب العند، فقد قالت لى سيدة منذ فترة إن العند كان سببًا فى طلاقها من زوجها الذى تزوجته بعد قصة حب، ولكنها فى موقف ما اجتاحها العناد وسيطر عليها، ومنعها كبرياؤها من التراجع، رغم أن الموقف فى الأساس لم يكن بحاجة لكل هذا، ولكنه العند قد تحكم فيها، وكانت النتيجة هى خسارتها لحبيبها ولبيتها وللأسرة التى كانت تحلم بها.. وأعرف من خسر عمله ورزقه بسبب لحظة عناد لم يكن لها أى داع، جعلته يترك عمله الذى يفتح بيته، فى حين أنه رب أسرة وهو ما سبب له متاعب كثيرة وأزمات طاحنة، وقد دفع ثمن عناده هذا للأسف باهظًا سنوات وسنوات.
والغريب أن العند عندما يسيطر على شخص يتملكه، ويصبح التخلص منه ليس سهلًا على الإطلاق، لأن المشكلة الأكبر أن العند يرتبط بالكبرياء، ويرى العنيد دائمًا أنه إذا تراجع فهذا يجرح كبرياءه، فيستمر ويستمر وقد تكون الخسارة فادحة.. رغم أننى أرى أن العند ليس له علاقة بالكبرياء، إن صون كرامتك وكبرياءك يكون بوسائل أخرى كثيرة ليس من الضرورى أن يكون من بينها العناد، وأشعر أن من يعند إنما يعاند نفسه فى الأساس قبل أى شىء، العند مطلوب ولكن علينا أن ندرك متى وأين ومع من تكون عنيدًا، فهناك عند يحط من قدر صاحبه لأنه يعاند اللا شىء، مثلما يقول المثل الشعبى «يابا علمنى التفاهة، قاله تعالى فى الهايفة واتصدر»، طيب أقولك نصيحة «عدى التفاهة وحوّش العند للحاجة اللى تستاهل العند بجد».
يعنى العند مش فى كل شىء، العند أحيانًا يسبب لصاحبه المتاعب، والخسائر، وهو ليس دليل إطلاقًا على الحكمة والعقل والمنطق، بل يزيد الأمور تعقيدًا، وفى لحظة ستأتى بعد ذلك، ستريد لو تمحى من الذاكرة، تجد نفسك وقد خسرت شيئًا لا يمكن تعويضه، العناد فى بعض الأحيان يفقدك التفكير السليم وقد يورطك فى قرار خاطئ، انتظر حتى يأتى دور الموقف الذى يستحق العناد والتحدى، وعاند ساعتها براحتك، لا تهدر مجهودك وعنادك فيما لا يستحق. أما المرونة فهى من وجهة نظرى لا غنى عنها، حتى تستتب لنا الحياة، وأرى أنها من صفات الأذكياء، أن تكون مرنًا وتتراجع فى الوقت المناسب، وتعتمد بعض الاستثناءات، تصبح حياتك أسهل، وتكون مرتاح البال وتستطيع حل المشاكل والأزمات وعبور العقبات بخفة وسرعة ودون خسائر كبيرة، شىء من المرونة مايضرش، فهى أيضًا قد تساعدك على الاستمتاع بحياة أفضل، يعنى ممكن تخرج عن المألوف مرة وتتجنن مرات وتعمل شيئًا غير معتاد لعله يسبب لك السعادة، مثل أن تسير تحت المطر ولو مرة واحدة فى حياتك رغم إنك لا تفعل ذلك، أو ترقص على موسيقى صاخبة رغم رغبتك دائمًا فى الابتعاد عن الدوشة، ساعة الحظ ما تتعوضش كما يقول الأسلاف.
ولكن لأن أى شىء يزيد عن حده ينقلب إلى ضده، فإنك عندما تزيد جرعة المرونة عندك، فإنها تجعلك شخصًا غير مسئول لا يعرف كيف يدير أموره أو عمله، لأنها عندما تزيد عن الحد المفروض تعبر عن الفشل، فعندما تأخذ قرارًا وتكتشف خطأه تراجع عنه، لكن أن يصبح القرار عشرات القرارت وتتراجع عنها، فهذا ليس له علاقة بالمرونة إطلاقًا. كما يقول رسولنا الكريم «خير الأمور الوسط»، لا العند على طول الخط ينفع، ولا المرونة عمّال على بطال تشفع.. اعرف امتى تكون عنيد وامتى تكون مرن.