رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكمة الصدِّيق.. تقرير: مواجهة يوسف للقحط حمت الدولة الفرعونية من السقوط

جريدة الدستور

اعتبر تقرير للقناة السابعة الإسرائيلية «أرتوز شيفا»، الخطة التى وضعها النبى "يوسف الصديق" لمواجهة سنوات القحط والمجاعة التى حلّت بأرض مصر، وكذلك الطريقة التى اتبعها لتهيئة الحالة النفسية والمعنوية للشعب المصرى، خلال تلك الفترة، بمثابة عملية إنقاذ للنظام السياسى الفرعونى القائم آنذاك، وحماية المستقبل الاجتماعى والحضارى للبلاد، لأنها حالت دون شعور الناس بالنقمة على الدولة، وحدوث احتجاجات وصراعات تهدد الحياة فى مصر القديمة.

سلط التقرير الضوء على عبقرية "يوسف" وذكائه الحاد فى إدارة الأزمات الكبرى، وتناول الآليات التى استخدمها للمرور من الضائقة والمجاعة، التى أصابت البلاد، بسلام دون خسائر، وكذلك حلل قدرته على فهم طبيعة النفس البشرية وتوجيهها ناحية التنمية والعمل، واستشراف الأزمات التى قد تحدث فى المستقبل، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحيلولة دون وقوعها.
وفسّر التقرير القصة من منظور الروايات التوراتية، مشيرًا إلى أن آليات التوجيه المعنوى التى اتبعها «يوسف» كانت العامل الأقوى فى نجاحه، إذ فهم جيدًا شخصية فرعون مصر آنذاك، وكان لديه إدراك لطبيعته النفسية، ما جعله يقدم التفسير الأنسب للحلم الذى رآه فرعون، وعجز الخبراء عن تفسيره، وينطق بالكلام الملائم للحالة التى عليها الحاكم، الذى يحب أن يسمعه فى ظل حالة الحيرة والتوتر التى أصابته بسبب الرؤيا التى شاهدها.
وذكر أن «يوسف» برع أيضًا فى ترويض إخوته، والتغلب على عيوبهم، بل دمجهم فى المجتمع المصرى، فى حين أجرى تهيئة نفسية للمصريين، استطاع من خلالها تقوية شعورهم بقيمة ذواتهم، وتسخيرها ناحية الخير والتنمية والعمل خلال فترة القحط، لتجنب المجاعة.
وأشار إلى أن «يوسف» حصر جميع الأموال الموجودة فى الدولة ولدى المواطنين، ووفر من خلالها الغلال، لأنه كان يستشرف المستقبل، ويشعر باللحظة التى سيجيئ فيها المصريون، وهم فى أزمة، ليقولوا له: «أعطنا الطعام.. نحن جياع».
وكشف عن أن «يوسف» وضع خطة بديلة لتنفيذها حينما ينفد المال الذى لدى المواطنين، ولا يستطيعون شراء الغلال من الدولة التى خزنتها فى فترات الوفرة، تعتمد على أن تتسلم الحكومة الماشية من الناس، وأن تعطيهم بدلًا عنها حصصًا من الطعام.
وحسب التقرير، تجلّت حكمة «يوسف» فى الحفاظ على البلاد والدولة، حينما نفدت مواشى المواطنين، ولم يعودوا يملكون ما يسلمونه للحكومة مقابل الطعام، إذ رفض المقترح الذى قدمه المصريون بأن يسلموا أراضيهم أيضًا للحاكم، وأن يكونوا عبيدًا يعملون عنده، مقابل إعطائهم الطعام.
وقرر «يوسف» وقتها وضع تصور، بموجبه يزرع الناس أراضيهم، مقابل تسليم الحكومة جزءًا من المحصول أو يقتسم الطرفان الإنتاج للحصول على الطعام وتجنب المجاعة والعيش فى عبودية للفرعون، لأنه كان يستشرف الوضع فى المستقبل، والإحساس الذى سيشعر به الناس عند انفراج الأزمة من رفض العبودية والشعور بالنقمة تجاه الحاكم، ما يوّلد احتمالات كبيرة للقيام بثورة والدخول فى صراعات للمطالبة بالتحرر، بهذا يكون قد حافظ على النسيج الاجتماعى لمصر.
وأكد الكثير من الخبراء أن تلك الخطط تعكس حكمة وفطنة شديدة لدى «يوسف»، حتى فى أدق تفاصيل الإدارة، وكأنه قد استخدم مقاييس العصر الحديث، ووضع إحصائيات علمية تشبه تلك التى يضعها علماء الاقتصاد الكبار.
وقال التقرير: إن «يوسف» عبر بمصر تلك الفترة بأقل التغييرات والتأثيرات الاجتماعية، حيث حفظ للناس كرامتهم، وحفظ للدولة نظامها وهيبتها وقدرتها على التعامل وإدارة الأزمات، وحافظ على النسيج وبنية البلاد وحضارتها.
وذكر أنه كانت هناك حساسية ووعى لدى «يوسف» فى تحليل التأثيرات الاجتماعية على المصريين، وكذلك التغييرات فى أنماط حياتهم وغذائهم، والأمور التى قد تؤثر سلبًا عليهم، وعلى مسار معيشتهم.
وأضاف أن نجاح «يوسف» كان دليلًا على أن مصر امتلكت قائدًا واعيًا، يستطيع تحمل المسئولية ومواجهة الأزمات، والحفاظ على وحدة المصريين، وكذلك الحفاظ على المنطقة، بإنقاذ ومساعدة المجتمعات المحيطة بأرض مصر خلال القحط، بما يؤمّن حدود البلاد ويحميها من أى أخطار.

وفنّد النجاح الذى حققه «يوسف»، أيضًا، مزاعم إخوته -حسب الروايات التوراتية- من أنه كان نرجسيًا مغرورًا بجماله وحب والده يعقوب له، وتبين أنه كان قائدًا متواضعًا وذكيًا، ويفهم جيدًا نفسية الأشخاص الذين يقابلهم، وعلى دراية جيدة بأساليب الإدارة الحديثة، كما كان له حس إنسانى كبير، تمثل فى حرصه على إنقاذ الناس وحمايتهم من الجوع.