رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"منتدى أفريقيا 2018" يتوج عاما من الجهد ويعزز التفكير الإبداعي

منتدى أفريقيا 2018
منتدى أفريقيا 2018

يأتي "منتدى أفريقيا 2018" الذي يفتتح اليوم السبت في مدينة شرم الشيخ، ليتوج عاما من الجهد المصري المخلص للأشقاء في القارة الأفريقية، وفيما يهدف هذا المنتدى في المقام الأول لتحفيز الاستثمار في ربوع أفريقيا فإنه يعزز التفكير الإبداعي الذي بات شرطا جوهريا للنجاح ومواجهة التحديات في كل المجالات ومن بينها الاستثمار.

وتتجه أنظار العالم لهذا المنتدى الذي يعقد برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي وحضور نحو 10 رؤساء أفارقة، فضلًا عن عدد كبير من رؤساء الحكومات والوزراء الأفارقة ورجال الأعمال والمستثمرين، فيما تستمر فعالياته حتى غد الأحد ويتحدث فيه أكثر من 60 متحدثا دوليا.

وفيما يتناول هذا المنتدى قضايا اقتصادية وتجارية لتحفيز الاستثمارات ودعم النمو في أفريقيا فإنه يتطرق أيضا لقضايا ذات صبغة ثقافية مثل "الصناعات الإبداعية في أفريقيا" وفرص الإبداع في سياق ثقافي، يؤكد أهمية منح الشباب الصاعد في القارة الأفريقية فرص عرض أفكارهم.

وواقع الحال أن "المخزون الإبداعي في أفريقيا لا ينضب"، فيما قالت الفنانة ومصممة الأزياء ايلي هيوسون في صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية إن "أفريقيا ستطيح بعقولنا خلال الأعوام العشرين القادمة"، موضحة أنها التقت في باريس العديد من الفنانين والموسيقيين الأفارقة الشبان الذين أبهروها بمواهبهم وقدراتهم الإبداعية.

ونوهت هيوستون بأنها دشنت مع بعض الفنانين في الغرب ما يعرف بـ"استديو أفريقيا" كتجمع للمبدعين الشبان في أفريقيا سواء كانوا موسيقيين أو مصممي أزياء ومصورين، معتبرة أنه على الغرب أن يستعد للاستفادة من المخزون الإبداعي الأفريقي الذي سيفيض خلال العقدين القادمين.

وهذا المخزون الإبداعي الأفريقي أثر في أعمال لمثقفين كبار في الغرب مثل القاص والكاتب السينمائي والمسرحي البريطاني ويليام بويد وهو كاتب أفلام "الخندق"، و"مستر جونسون"، و"رجل طيب في أفريقيا".

وويليام بويد الذي ولد في السابع من مارس عام 1952 بالعاصمة الغانية أكرا كان والده الأسكتلندي طبيبا عمل طويلا في أعماق القارة الأفريقية وتنقل ما بين غانا ونيجيريا وهو يسلم في طرح مستفيض بصحيفة "الجارديان" البريطانية بأن معطيات البيئة والتنشئة أثرت في اهتماماته.

ومع أن التفاعلات الثقافية والحضارية بين الأفارقة والغرب حاضرة دوما في كتب جديدة أو طبعات جديدة لكتب رائدة في هذا السياق؛ مثل ذلك الكتاب الذي صدر بالإنجليزية بعنوان "تاريخ المنحدرين من جذور أفريقيا في بريطانيا" لبيتر فراير، فإن من الحق أيضا القول بأن التناول الإعلامي الغربي لشؤون وشجون القارة الأفريقية مازال يفتقر للتوازن ومعايير العدالة في مسائل شتى من بينها مثلا اختيار أفضل الوجهات السياحية في العالم مع نهاية العام والاستعداد للعام الجديد.

وإذا كانت "السياحة في أفريقيا" مطروحة ضمن القضايا التي يناقشها منتدى أفريقيا 2018 في شرم الشيخ، فمن الغريب حقا والمفارقات اللافتة أن دورية شهيرة في ثقافة السياحة بالغرب هي مجلة "ناشيونال جيوجرافيك ترافيل" قد أغفلت أي وجهة سياحية أفريقية وهي تتناول ما اعتبرته "أفضل الوجهات السياحية في العالم لعام 2019".

ولئن كان "نهر كانو" في كولومبيا مثلا مع غابات الأمازون المطيرة في بيرو إلى جانب أماكن أخرى مثل صحراء "نيو مكسيكو" بتكويناتها الصخرية من بين ما اعتبرته "ناشيونال جيوجرافيك" أفضل الوجهات السياحية في العالم خلال العام المقبل، فما القول في وجهة سياحية أفريقية مثل نهر النيل؟

وإذ يتحدث البعض عن أفضل الجولات الشتوية عبر العالم ويعدد أماكن في أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا وحتى القطب الشمالي، فإن أفريقيا حافلة بالوجهات السياحية الخلابة ونهر النيل لا يعرف التجمد في الشتاء مثل أنهار أوروبية تشكل في المنظور الغربي وجهات سياحية عالمية.

ولعل هناك حاجة لتحفيز التفكير الإبداعي فيما يتعلق "بالسياحة النيلية الأفريقية القابلة للاستمرار على مدار العام"، واستحداث رحلات نهرية على غرار ما تشهده أنهار أوروبية في فصل الصيف مثل "نهر الراين" حيث تنطلق البواخر بالسائحين القادمين من أماكن شتى في العالم في رحلات ما بين مدن أوروبية كامستردام وستراسبورج وبازل والحاضرات الثقافية الألمانية.

وإن كان نصيب أفريقيا من هذا النوع من السياحة يثير الأسى، فإن للتفكير الإبداعي أن يحقق الكثير من النتائج التي تثير السعادة، فيما يمكن له أن يستفيد من "الهامات النيل لرموز وايقونات أدبية خالدة" مثل الكاتبة البريطانية الراحلة آجاثا كريستي صاحبة "موت فوق النيل" أو كتاب مثل: "مستكشفو النيل، مغامرة فيكتورية عظيمة بين النصر والمأساة" بقلم تيم جيل.

فمثل هذا الكتاب ينطوي على إمكانات للإنتاج السينمائي والدرامي وهو يروى قصة اولئك الأوروبيين الذين خاضوا صراعا رهيبا للوصول لمنابع النهر العظيم وبعد ان وصلوا اكتشفوا أن بطالمة مصر حددوا بحساباتهم الرياضية قبل زمن بعيد مواقع تلك المنابع.

إنه كتاب يتحدث عن نهر النيل العظيم الذى لم يتوقف عن ممارسة سحره وسطوته على الرواد والمستكشفين الأوروبيين الكبار فيما بدأ الأمر فى القرن التاسع عشر بسباق لحل "اللغز الجغرافى الأعظم" فى ذاك العصر واستمر السباق على مدى ما يربو عن مائة عام.

والواقع كما يقول تيم جيل فى كتابه الجديد ان لغز منابع النيل ظل يلح على المستكشفين الأوروبيين وقبل ذلك على المصريين فيما كان البعض يعتقد فى دهور سحيقة ان النهر المقدس يأتى من السماء.

وهو اللغز الذى شد مستكشفين أوروبيين مثل ريتشارد بورتون وجون هانينج سبيك وصمويل بيكر ودافيد ليفينجستون وهنرى مورتون ستانلى ليجوبوا أواسط أفريقيا اعتبارا من منتصف القرن التاسع عشر وكل منهم تراوده الأمانى وغواية الشهرة واكاليل المجد أن تمكن من حل المعضلة والوصول لمنابع النهر العظيم.

وعبر صفحات الكتاب تتوالى صور ومشاهد نابضة بالحياة لدراما استكشاف منابع النيل بسرد مثير للمخاطر والتضاريس والمناخ والأمراض والحيوانات المفترسة والنساء الجميلات والأدلاء والمرشدين وشكوك أبناء الأرض السمراء فى هؤلاء القادمين من وراء البحار.

ومن بين المثقفين في الغرب ايضا "الذين وقعوا في هوى مصر والنيل" الكاتبة البريطانية اميليا ادواردز التي عاشت في القرن التاسع عشر وكانت كاتبة غزيرة الإنتاج وصاحبة اسم ذاع صيته في الغرب الثقافي كمحاضرة في علم المصريات.

والمثقفة البريطانية "اميليا ادواردز عاشقة مصر التي وهبت النيل عمرها" ولدت عام 1831 وعاشت في العصر الفيكتوري وقضت عام 1892 وهي التي اقامت في أرض الكنانة عامي 1873 و1874 وقامت برحلة نيلية من القاهرة إلى أبو سمبل.

ووصفت الكاتبة اميليا ادواردز هذه الرحلة النيلية بأنها "غيرت مجرى حياتها" أما كتابها الذي يحمل سردها الثقافي عن هذه الرحلة النيلية بعنوان:"الف ميل صعودا في النيل" فقد عرف طريقه فورا لقوائم أعلى مبيعات الكتب حينئذ فيما يعاد طبعه حتى الآن بلوحاته البديعة في طبعات جديدة مازالت تحظى باقبال القراء في الغرب.

ولعل جديد الاكتشافات التي تؤكد أن أفريقيا هي "مهد البشرية الأول" أن تعزز موقع القارة الأفريقية في المشهد السياحي والثقافي العالمي وتحقق لها مكاسب يعتد بها على صعيد السياحة الثقافية فيما شهد العام الحالي اكتشافات تحرض الخيال الإبداعي على مزيد من الإبداع مثل ذلك الاكتشاف الذي اهتمت به وسائل الإعلام الدولية عندما أعلن في بداية هذا العام أن فريقا من العلماء عثر على نوع جديد من الديناصورات يلقي الضوء على التاريخ الغائب للديناصورات في القارة الافريقية.

وكانت بعثة كشفية تضم علماء في الحفريات بجامعة المنصورة قد نجحت في تحقيق هذا الاكتشاف لبقايا حفرية لديناصور عاش في أفريقيا منذ 80 مليون سنة الذي وصف عالميا بأنه "من الاكتشافات العلمية المهمة" فيما قال مات لامادا الباحث بمتحف كارنيجي للتاريخ الطبيعي في الولايات المتحدة انه أصيب بحالة من الذهول عندما رأى صور هذه الحفريات الديناصورية.

ويسهم هذا الاكتشاف الذي تحقق في الصحراء الغربية لمصر في الإجابة على أسئلة مهمة ومطروحة منذ وقت طويل بشأن السجل الحفري وعلم الحفريات في أفريقيا ومن ثم فقد وصفه مايكل ديميك الباحث بجامعة اديلفي الأمريكية "بالاكتشاف المذهل للغاية" موضحا انه "اكتشاف يتمتع بطبيعة خاصة نظرا للمكان الذي عثر عليه فيه".

وإذا كانت السينما تشكل وسيطا ثقافيا ابداعيا هاما لدعم العلاقات والتواصل الحميم بين الشعوب فإنها مؤهلة لدعم قضية كالسياحة الأفريقية ونصيبها في المشهد السياحي العالمي فيما تمضي مصر بخطى لافتة على صعيد توظيف ابداعات" الفن السابع" في تواصلها مع الأشقاء بالقارة الافريقية وبما يحقق التفاعل الحقيقي بين الثقافة المصرية وثقافات القارة السمراء.

ويأتي هذا التوجه في اطار نظرة ثقافية مصرية تؤازر التفاعل مع ثقافات افريقيا وعرض مستجدات المنجز الثقافي-الابداعي الافريقي في ارض الكنانة وبما يتسق مع حقيقة ان البعد الافريقي حاضر ضمن مستويات الهوية المصرية ومكوناتها الثرية.

وهكذا أمسى مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية يشكل بؤرة ثقافية مشعة للتواصل الثقافي السينمائي بين مصر والدول الأفريقية الشقيقة ونجح كل عام في جذب نجوم في سماء الفن السابع في وقت تكتسب فيه الأطر المؤسسية للسينما الأفريقية المزيد من الرسوخ كما يتبدى مثلا في كيان سينمائي أفريقي هو "الاتحاد الافريقي للسينمائيين" الذي ظهر لحيز الوجود منذ عام 1969.

والمخرج المالي الشهير شيخ عمر سيسوكو هو رئيس هذا الاتحاد الذي بات نشاطه لافتا في الآونة الأخيرة للنهوض بدور أكثر فعالية على صعيد تطوير الصناعة السينمائية بدول القارة الافريقية والاستفادة من منجزات التقنية الحديثة وتوظيفها "في خدمة الفن السابع".

وتفيد تقارير بأن دولا افريقية كنيجيريا قطعت خطوات كبيرة في مسيرة الإنتاج السينمائي حتى أن هناك من يطلق على استديوهات السينما النيجيرية الاسم الدال والموحي "نوليوود" على غرار هوليوود حاضرة السينما الأمريكية او "بولييود" التي تشير لصناعة السينما الهندية العملاقة.

وحسب هذه التقارير المنشورة فان نيجيريا تنتج نحو 100 فيلم كل عام وتحقق ايرادات سنوية من صناعتها السينمائية تصل لنحو 540 مليون دولار أمريكي فيما يتجاوز مجموع استثمارتها في هذه الصناعة الـ 3 مليارات من الدولارات الأمريكية.

وكما يوضح تقرير أعده الاتحاد الأفريقي للسينمائيين عن واقع السينما بالقارة الأفريقية فان هناك توجها حميدا للربط بين الفن السابع وخطط التنمية وتطوير أوجه الحياة في ربوع القارة وزيادة مداخيل دولها من الصناعات الثقافية الابداعية وفي طليعتها السينما.

ولئن تبدى الاهتمام في هذا التقرير للاتحاد الأفريقي للسينمائيين بتدريب شباب السينمائيين الأفارقة وتأسيس مراكز إقليمية متطورة للانتاج السينمائي، فلمصر أن تنهض بدور كبير على هذا الصعيد بوصفها "الدولة الرائدة في السينما الأفريقية" كما يمكن لمهرجان الأقصر للسينما الافريقية أن يخدم هذا التوجه البناء بعد ان نجح في تطوير علاقات عمل وتواصل ابداعي مع مهرجانات سينمائية أفريقية هامة كمهرجان"ايام قرطاج" في تونس ومهرجان "فيسباكو" ببوركينا فاسو.

كما أن مصر التي تراس الاتحاد الأفريقي في عام 2019، لها أن تترجم المزيد من الكتب للعربية للمبدعين من الأدباء الأفارقة وخاصة الأجيال الجديدة وقد يكفي للإشارة لمدى تطور الابداع الأفريقي على مستوى الأجيال الشابة أن مثقفة أمريكية كبيرة مثل آنا نورث رأت أن شاعرة شابة قادمة من أفريقيا مثل الصومالية وارسان شاير التي تبدع بالإنجليزية في لندن أحق بالجائزة من الأمريكي بوب ديلان الذي نال هذه الجائزة في عام 2016.

والمتابعات الثقافية لمسارات الأدب والكتابة في القارة الأفريقية تكشف بالفعل تنوعا ثريا مابين كتابات رومانسية وحداثية واخرى تدخل في باب الخيال العلمي وحتى قصص بوليسية مثيرة مع وجود مطبوعات ثقافية وادبية رفيعة المستوى وحريصة حقا على نشر الإبداعات بأقلام أفريقية.

وهذه المطبوعات الثقافية والأدبية من مجلات وصحف مثل "كواني" و"سارابا" و"جالادا" و"شيمورينجا" خليقة باهتمام ثقافي مصري وعربي للتعرف على اتجاهات الأدب الأفريقي الجديد والتواصل الثقافي مع المبدعين الأفارقة مثل الشاعر والكاتب النيجيري بن اوكري والعاشق لابداعات سيد الرواية المصرية نجيب محفوظ.

وبن أوكري اسم من أسماء يعرفها الغرب ولا نعرفها نحن بما يكفي مثل كوجو لينج وبيسي هيد والين موبانكوكو ويوفوني اديامبو اوور وكلها تقدم ابداعات افريقية ثرية ومتنوعة وتعبر عن "الذائقة الافريقية الجديدة ومزاج العصر في افريقيا" ولعلها تنتظر قراء بالعربية في وقت يتحدث فيه مبدع افريقي مثل النيجيري بن اوكري عن اهمية "عولمة الأدب الافريقي".

و"منتدى أفريقيا 2018" في مدينة السلام المصرية:"شرم الشيخ" يعبر عن ثقافة أفريقية شفرتها الحب وابجديتها الإخلاص..وسنبقى دوما نغني بالحب الافريقي للنيل والبرق والعصفور وحوريات النور!