رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مجلس كنائس مصر: قيادات أرثوذكسية تعارض "وحدة المعمودية"

جريدة الدستور

◘ الأب بولس جرس رأى أن القانون الموحد للأحوال الشخصية «وهم»
◘ لدينا «متعصبون» داخل جميع الكنائس يرفضون قبول الآخر
◘ «الإيمان العاطفى» وراء انتشار الإلحاد فى مصر
◘ تجديد الخطاب الدينى المسيحى ضرورة ولا أعترف بقانون بناء دور العبادة لأنه «عبثى»

رأى الأب بولس جرس، رئيس مجلس كنائس مصر، أن تحقيق الوحدة بين الكنائس المصرية أمر يصعب تحقيقه، وإن كان ذلك لا يمنع الحوار بينها من أجل تقريب وجهات النظر ودعم ثقافة تقبل الآخر.

وقال راعى كنيسة الأنبا أنطونيوس الكاثوليكية فى الفجالة، فى حواره مع «الدستور»، إن المجلس يعمل على تقريب وجهات النظر بين الطوائف المسيحية فى مواجهة الأفكار المتطرفة التى تحاول إقصاء الآخر، بالإضافة إلى عمله على تخريج جيل من الخدام من الشباب الذين يستطيعون إفادة كنائسهم ومجتمعاتهم.

واعتبر أن «الإيمان العاطفى» والانغلاق الكنسى أهم أسباب انتشار الإلحاد بين الشباب فى مصر حاليًا، داعيا القيادات الكنسية إلى تطوير وسائلها والدعوة لـ«الإيمان العقلى» من أجل مواجهة ظاهرتى الإلحاد والتطرف.

■ بداية.. لماذا تأخر الاحتفال السنوى لمجلس كنائس مصر عن موعد انعقاده الذى كان مقررًا فى أكتوبر الماضى؟

- تأجيل الاحتفالية السنوية للمجلس كان بسبب عدم وجود قيادات الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية فى مصر، نتيجة سفرهما إلى الخارج فى رحلات رعوية، لذا لم يكن ممكنا أن تجرى الاحتفالية فى موعدها، فاضطررنا لتأجيلها إلى فبراير من العام المقبل.

■ ما الهدف من تأسيس مجلس كنائس مصر؟

- كل جماعة مسيحية تسعى بالأساس لأن نكون واحدًا فى المسيح، أى أن نتحد به، لكن طبيعة البشر تميل للتعددية التى تعد سمة بشرية، لكننا أصبحنا نعانى حاليا من أزمة محاولة البعض إلغاء الآخر لمجرد الاختلاف فى الرأى.

محاولات الإلغاء هذه هى قوام الفكر الإرهابى المتطرف الذى يعتقد صاحبه أنه هو وحده على صواب ويحاول إقصاء الآخر بالقتل، وحتى نواجه ذلك دشنا مجلس كنائس مصر حتى يتعلم الجميع قبول الآخر عبر دعم الحوار بين الكنائس المختلفة، وهدفنا منه هو تأهيل الشباب والخدام حتى يقبلوا الآخر دون تعصب، ويؤدوا دورهم المجتمعى بأمانة كى يستطيعوا خدمة مجتمعهم المصرى ككل، لا الكنسى فقط.

■ هل يعنى ذلك أنكم تهدفون لتحقيق الوحدة بين الكنائس؟

- من الصعب تحقيق وحدة الكنائس فى الوقت الحالى، فهذا أمر لن يحدث إلا بـ«مجىء المسيح»، لكن ذلك لا يعنى أنه يجب عليها الانغلاق والخوف من الآخر وعدم التحاور مع بعضها، كما تحاول بعض القيادات فى الكنائس المختلفة أن تفعل.

ففكرة منع الشباب من قبول الآخر، عبر تشويه صورته أو تصويره بشكل خاطئ أمر لا يواكب العصر، لأن المعرفة أصبحت متاحة بسهولة للشباب ولكل الأجيال الجديدة، وأصبح بإمكانهم التعرف على حقيقة الأمور عبر بحث بسيط على الإنترنت، لذا فمن الخطأ الاستمرار فى هذه الفكرة، بل يجب دعم ثقافة الحوار بين جميع الأطراف.

■ هل تعنى أن بعض القيادات الدينية بالكنائس المختلفة تحاول عرقلة جهود التقارب بين الكنائس؟
- للأسف، هناك بعض الأشخاص داخل الكنائس يعانون من التعصب الفكرى تجاه الآخر ويرفضون قبول الكنائس الأخرى، وهذا الأمر ينطبق على الجميع، سواء كانوا كاثوليكا أو أرثوذكسا أو إنجيليين أو لاتينا. هؤلاء يرون أنهم الصواب والحق، لذا يرفضون التعامل مع الآخر ويدعون للانغلاق على الذات، وهذا أمر يرفضه المسيح، لأنه يريدنا جميعا أن نكون متحدين به.

■ ما الموضوعات الأساسية الموجودة على أجندة النقاش داخل المجلس؟

- مجلس كنائس مصر يتكون من لجانٍ مختلفة مثل المرأة والشباب والحوار اللاهوتى والقيادات الكنسية وجميعهم يهدفون لأمر واحد هو الحوار من أجل التقارب الكنسى بين الطوائف المسيحية.

ورغم ذلك هناك بعض اللجان المهمة لاتزال معطلة ولا تلعب دورها فى التقارب مثل لجنة الحوار اللاهوتى التى تتعطل أعمالها منذ تأسيسها نتيجة الاختلاف بين الكنائس فى بعض الأمور العقائدية.

كما تسعى هذه اللجان إلى إيجاد حلول لعدة مشكلات عامة مثل الإلحاد وابتعاد الشباب عن الكنيسة وغيرهما.

■ كيف يمكن للمجلس أن يواجه ظاهرة انتشار الإلحاد بين الشباب؟

- الإلحاد ظاهرة غير جديدة، سواء على المجتمع المصرى أو على المسيحية، فهى موجودة منذ عهد السيد المسيح، وتخطيها يكون عبر تخطى فكرة الإيمان العاطفى إلى مرحلة الإيمان العقلى، التى تعنى التفكير فى وجود الله بالعقل والعلم.

وأعتقد أن سبب انتشار هذه الظاهرة حاليا فى الأوساط الشبابية هو ابتعاد القيادات الكنسية عن الفكر المعاصر واختلاف النظرة بين القيادات الكنسية والشباب، فيجب علينا قبل أن ندعو الشباب لدخول الكنيسة أن نعد راعيا بمعنى الكلمة يستطيع أن يكون قريبا من قلوبهم وعقولهم.

ولا يمكن أن تستمر الدعوة لـ«الإيمان العاطفى» فى الوقت الذى يبحث فيه الشباب عن «الإيمان العقلى» وإثبات وجود الله، وكل ذلك أدى لانخفاض أعداد المترددين على الكنائس بمختلف طوائفها إلى ١٥٪ فقط من المسيحيين، رغم زيادة عدد الكنائس وتوافرها.

لذا يجب على هذه القيادات الاقتراب من الشباب وتفكيرهم أولا، كما دعا لذلك سنودس الشباب العالمى برعاية بابا الفاتيكان من أجل إيجاد مساحة من المشتركات.

■ ذكرتم أن الخلافات تعرقل جهود لجنة الحوار اللاهوتى.. فماذا عن مساعى توحيد المعمودية بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية؟

- هذا الأمر كان حلمًا لدى البابا فرنسيس والبابا تواضروس وسعيا معا لتحقيقه، لكن توحيد المعمودية لم يلق قبولًا بين كثيرين، لذا لم يتم، رغم النية الصادقة للبابوين فى سعيهما للوحدة الكنسية، وزيارة بابا الفاتيكان للقاهرة دعما لذلك.

ورغم أن الكنيسة الأرثوذكسية قريبة من جميع الكنائس الأخرى بالمجلس من حيث الطقوس والأسرار المقدسة، فإن بعض قياداتها لا يريدون الاعتراف بذلك ويخشون من خطط التقارب بين الكنيستين كى يحافظوا على سلطتهم الدينية داخل كنائسهم.

■ من وجهة نظرك.. كيف يمكن تجديد الخطاب الدينى فى المسيحية للتغلب على جهود عرقلة الوحدة بين الكنائس؟

- الخطاب الدينى المسيحى فى أشد الحاجة للتجديد والتطوير، خاصة بعد انغلاق كل كنيسة وطائفة على ذاتها، ورفض بعض قياداتها التقارب مع الكنائس الأخرى، لكن تجديد الخطاب الدينى المسيحى لن يقوم ما دامت هناك عقول تقليدية تعيش بفكر الماضى ولا تقبل الآخر.

ويجب أن يقوم خطابنا المعاصر على قبول الاختلاف مع الآخر دون تحويله إلى خلاف يؤدى لمزيد من الانعزال، فلا يمكننا أن نرفض التقارب بين الكنائس الشقيقة ونكفر بعضنا البعض ثم نلوم على بعض الأديان الأخرى التى تكفرنا، وهذا الأمر المؤسف يدعونا لوضع حد له عبر زيادة مساحة الحوار بيننا واحترام ثقافة الاختلاف بين جميع الطوائف.

■ ما دور مجلس كنائس مصر فى دعم هذا التوجه؟

- المجلس يعقد لقاءات دورية مع القيادات الكنسية من مختلف الطوائف المسيحية ويؤكد فيها ضرورة الحوار بين الكنائس الشقيقة بكل محبة، كما علمتنا المسيحية، كما يؤكد دائما على ثقافة قبول الآخر، ويدعو لتطوير الخطاب الدينى المسيحى حتى يتناسب مع التغيرات المجتمعية المعاصرة، وكذلك يدعو للبعد عن جمود النص الدينى الذى يجعله بعض التقليديين حاجزًا يحول بينهم وبين الحوار مع الكنائس الأخرى.

■ بالانتقال إلى شأن آخر.. كيف ترى تأخر صدور قانون موحد للأحوال الشخصية للأقباط؟

- القانون الموحد للأحوال الشخصية للأقباط «وهم»، لن يتحقق، نظرًا لاختلاف القوانين الكنسية المتعلقة بالزواج والطلاق بين الطوائف، ولا أتوقع أن تتفق الكنائس عليها، فمثلا الكنيسة الكاثوليكية لا تقر بالطلاق لأى سبب، بينما تقتصر الأرثوذكسية على الطلاق لعلتى الزنا وتغيير الديانة، وهذا مجرد مثال على اختلاف الأحكام.

كما أن الخلاف حول القانون الموحد يتعلق أيضا ببعض الموروثات فى المجتمعات الشرقية التى ترفض الزواج بين مختلفى الديانة خشية حدوث فتن طائفية، وهو أمر يختلف كثيرًا عن الدول الغربية التى لا تمانع فى ذلك.

■ ألا يمكن الاكتفاء بالزواج المدنى لحل الأمر؟

- وفقًا للكنيسة الكاثوليكية يكون من حق أى شخص أن يختار الطريقة التى يتمم بها مراسم زواجه، وهى لا تمانع فى أن يتجه البعض للزواج المدنى، لكن فى الوقت ذاته ليس من حق المتزوجين مدنيًا أن يمارسوا الطقوس الكنسية بشكل عادى بعد هذا الزواج، فإذا كان الأشخاص اختاروا طقوسًا غير كنسية لزواجهم فنحن لا نحرم ذلك، لكننا لا نقبله أيضا.

■ أخيرًا.. ما رأيك فى مسألة صدور قانون بناء الكنائس؟

- أملك رأيًا صادمًا فى هذا الأمر، فأنا لا أعترف بوجود قانون لبناء الكنائس أو بناء دور العبادة بشكل عام، وأرى أنه من حق أى شخص أن يمارس عباداته وصلواته دون قانون خاص، فالكنيسة والمسجد، من وجهة نظرى، مبان عادية يجب أن تخضع لقوانين البناء والإنشاء، مثل أى مبان عادية دون أى حاجة لقوانين وشروط خاصة.

وأرى أن هذا الأمر «عبثى»، لكن ما تسبب فيه هو ثقافة المجتمع وبعض المتطرفين الذين لا يقبلون بوجود دور عبادة للديانات الأخرى بجوارهم، رغم أن هذا حق لأى شخص، وتغيير الأمر لن يحدث سوى بتغيير ثقافة التطرف التى يروج لها بعض القيادات الدينية، فالكنيسة ليست مفاعلا نوويا يجب أن يحظر تواجده فى بعض الأماكن.

■ كيف ترى جهود البابا تواضروس فى دعم ثقافة الحوار بين الكنائس؟

- البابا تواضروس الثانى شخصية تمثل المحبة الحقيقية لكل الكنائس، كما أنه دائمًا ما يقدم المحبة للجميع، وهو مثال لراعٍ حقيقى يسعى للاتحاد فى الله، ويسعى بكل جهده لدعم الحوار والوحدة والتقارب بين الكنائس المختلفة، رغم العقبات التى يواجهها.