رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف عبدالشافي يكتب: اسمى أشرف!


اسمى أشرف، وليس فى ذلك ما يدعو إلى الفخر، فقد تردد اسمى بين السائق والمحصّل أكثر من ٣٠ مرة فى الطريق من الشيخ زايد حتى نزولى ميدان عبدالمنعم رياض فى ساعة كاملة، هى الأغبر فى تاريخى مع المواصلات العامة، فكما هو معلوم للسادة ركاب أتوبيسات القاهرة والجيزة، أن «السيم» بين المحصّل فى المؤخرة والسائق فى المقدمة هو: «أشرف»، «الباب ورا يا أشرف.. واللى طلعوا من قدام يا أشرف».. ويتم هرس الاسم وهو يمر هكذا بين آذان المحشورين والقابضين على الحلقات الجلدية المتدلية والمقطوعة غالبًا.
ليس فى اسمى ما يدعو للعار أيضًا، فنحن لا نختار أسماءنا، لكن الوقت لم يكن يسمح بالشوشرة على أفكارى والتى تأتى غالبًا وأنا متوحد مع الفراغ من نافذة الأتوبيس متجنبًا الخبطات الخلفية قدر الإمكان، وفى تلك اللحظات التى كان اسمى يتحول فيها إلى كرة تنس رايحة جاية، كنت مشغولًا بتجريم الدروس الخصوصية، أفكر مع الذين يفكرون داخل وزارة التربية والتعليم فى هذه الوسيلة لمنع تعاطى الدروس فى السناتر، وأتساءل: هل ستتحول الدروس إلى تجارة سرية يصل ثمن الحصة فيها إلى أضعاف الحالى؟، كيف سيكون الوضع لو تمت موافقة مجلس النواب على مشروع التجريم وحبس أصحاب المراكز؟، وهل سيكون هذا علاجًا ناجعًا لإدمان المصريين تعاطى الدروس الخصوصية؟!، المدرس سيغامر ويُعرّض حياته للخطر والحبس، وعلى السيد ولى الأمر أن يتفهم ذلك ويدفع الطاق طاقين!، وكلما شحت السناتر ارتفعت أسعار الشقق والحصص، وتلك حكمة الفنان محمود عبدالعزيز فى فيلم الكيف، كان يبذل مجهودًا خرافيًا لمقابلة «الكرف» متخفيًا من البوليس فى المقابر ليضغط على المعلم كى يرفع سعر المخدرات، والسناتر فى مصر مخدرات حضرتك، فما أن يصل نجلك أو نجلتك بحمدالله إلى الصف الثانى الثانوى حتى تجد نفسك وبشكل لا إرادى أحد ممولى السناتر إن أسعدك الحظ ونجحت فى الحجز عند أحد التجار البارعين فى بيع البضاعة وتسويقها، والعيال فى هذه السن لا تفكر ولا تسمعك، فالخوف يسيطر عليهم بمجرد النجاح فى أولى ثانوى فيرتبكون ويسدون الآذان ولا يهتمون سوى بالبحث عن مدرس يضمن لهم التفوق فى كل مادة، فهذا ينصح بسنتر فى الدقى، وآخر يرشح المهندسين، ويتوه صوت أولياء الأمور مع هذا الضجيج، وقد جربت مع ابنتىّ (ضحى وشيرى) فى تجربتين متتاليتين أن نتخلص من السنتر، وأن نحدد بعض المواد التى نحتاج أن نفهمها، وشرحت للأولى كم ساعة ستقضيها استعدادًا للذهاب إلى السنتر، وكررت للثانية كم ساعة فى طريق العودة وكم جنيهًا أدفع؟، فلم تشفع لى أسطوانة الدراما ولا معزوفة النصائح، وكنت ضحية للسناتر فى ثانويتين عامتين دفعت فيهما دم قلبى.
الأزمة الآن ستتحول إلى صراع بين المدرسين وأولياء الأمور، والاختلاف حول مكان تسليم البضاعة سيضاعف من سعرها، نحن فى منظومة جشع جاهزة وتدور بأقصى سرعة وتصنع إمبراطوريات، وحصار السناتر سيزيد المدرس حنقًا وغضبًا وكراهية، وكل ده هيطلع على العيال طبعًا، بمعنى أن الرهان على الشرح فى الفصل خيال فى خيال، وأذكر أننى أبلغت الناظر عن مدرس الإنجليزى فى الإعدادية وكيف يهددنا بالرسوب إن لم نأخذ درسًا خصوصيًا، فوضعنى فى دماغه وضع جبار مفترى، وكان اسمه «منّاع»، فأضفت «الخير» إليه فأصبح «منّاع الخير»، ما يعنى أن الاسم قد يحمل بعض صفات صاحبه، ربما! ولعل رواج اسم «خاشقجى» هذه الأيام جعلنى أتوقف حول دلالات أسمائنا وارتباطها بمصائرنا وانتبهت إلى التلعثم الذى يصاحب نطق اسمه، فالقاف والجيم والخاء والشين وحتى الياء، حروف تائهة ومشردة يصعب تلاحمها تمامًا مثل عدم الاتفاق على سيناريو واضح حول أسباب مقتله على هذا النحو المأساوى، وارتباك الحروف جزء من غموض صاحب الاسم ومصيره، ولكنك قد تجد «أمين» خائنًا للعشرة، و«ظريف» ثقيل الظل ورخم، وقد لا تجد رائحة فى «ياسمين أو فيحاء»، زوج أختى ليلى- رحمها الله- قال إنه هو الذى اختار اسمى، كان مجندًا فى سلاح الإشارة ومقربًا من قائد الكتيبة «أشرف بيه»، وتصادف مولدى مع عودته فى إجازة فأطلق علىّ اسم القائد حبًا وتزلفًا بالطبع، عمى محمود- رحمه الله- نفى هذه الرواية وقال إنه أطلق علىّ الاسم حبًا فى أشرف مروان، وللدكتورة سامية الساعاتى كتاب فريد فى موضوعه بعنوان «أسماء المصريين الأصول والدلالات والتغير الاجتماعى»، ترصد فيه انتقال الأسماء من الحضر إلى الريف، وتشير إلى المواسم والأعياد الدينية وإلى التفاؤل والتشاؤم فى اختيار المصريين لأسماء أولادهم، فلم يظهر اسم «شحات» إلا خوفًا من الحسد، واسم «عيد» عند المسلمين هو «بشاى» عند المسيحيين، وفى فترة الزحف الوهابى على مصر انتشرت أسماء حذيفة ومصعب وإسلام وشيماء وأسماء، وأشرف اسم لطيف ظريف خفيف لا يستحق المرمطة فى الأتوبيسات، لكن مشروع تجريم الدروس هو الذى يحتاج دراسة ونقاشًا وحوارًا مجتمعيًا قبل أن نجازف بحل يزيد الأزمة تعقيدًا.