رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناء رهينة.. يحررها الجيش


جرت فى النهر مياه كثيرة وأصبحت هذه التنظيمات رقما فاعلا فى المعادلة رغما عن الجميع، ولأسباب عديدة محلية وإقليمية كان على رأسها بالطبع وصول الرئيس محمد مرسى إلى كرسى السلطة فى مصر ومن خلفه الجماعة التى قبضت على مقاليد الأمور والأحداث، وحان وقت الحصاد المر لما أنجزته الجماعات لصالح جماعة الإخوان وما أفسحت الإخوان لهم من مناخ ملائم للتطور ولتعاظم القوة والإمكانيات.

افتتحت سيناء مشهدها الخاص مبكرا بالطلقات الغادرة التى استهدفت العميد محمد هانى مفتش الداخلية لمديرية أمن شمال سيناء فألحقته بركب شهداء جهاز الشرطة، وكان هذا المشهد الافتتاحى الذى وقع فى قلب مدينة العريش العاصمة إيذانا ببدء معركة الإستنزاف السيناوى المبكر لحدث 30 يونيو والتى خطط لها مبكرا فى إتفاق شيطانى معلن ما بين نظام الإخوان والجماعات الإرهابية المسلحة الرابضة هناك، وأريد لهذا الإتفاق أن يكون معلنا حتى يستخدم فى إرهاب الأجهزة الأمنية للدولة من ناحية ولإرباك المنظمين والداعين لإحتجاجات يونيو من ناحية أخرى، وكان عنوان هذا التآمر بوضوح أنه فى حالة تأزم موقف نظام الرئيس مرسى أمام أحداث القاهرة ستعلن سيناء مباشرة كإمارة إسلامية تحت سطوة سلاح وإرهاب الجماعات الموجودة بالمنطقة.

هذا الوحش الشرس الذى استجلبه نظام الإخوان مباشرة بعد قيام ثورة يناير من جبال أفغانستان وشريط باكستان الحدودى قاموا بالتعاون مع عناصر الحماس المدربة والخبيرة بهذه الشئون بتسكينه فى المنطقة الحدودية المسماة بشرق العريش، ووضعت لهذه المجموعات خطط عاجلة لتكوين مجموعة من المنظمات الإرهابية المسلحة لبعضها فروع فى غزة ولبعضها إرتباطات عضويه بتنظيم القاعده، ونجحت هذه التنظيمات التى رفعت الرايات التكفيرية التقليدية فى خلق مجال حيوى للعمل فى منطقة جبل الحلال وما حوله إستغلالا لحالة الإنسحاب الأمنى العام فى هذه المرحلة، ووقع هذا التحالف الشيطانى فى هذا التوقيت بحروف سوداء ما بين جماعة الإخوان التى كانت تبدأ رحلتها السياسية العلنية لأول مرة فى تاريخها وبين هذا الإرهاب المنظم الذى دأب على بيع سلاحه دائما لمن يدفع أو لمن يقدم التسهيلات والخدمات اللازمة.

جرت فى النهر مياه كثيرة وأصبحت هذه التنظيمات رقما فاعلا فى المعادلة رغما عن الجميع، ولأسباب عديدة محلية وإقليمية كان على رأسها بالطبع وصول الرئيس محمد مرسى إلى كرسى السلطة فى مصر ومن خلفه الجماعة التى قبضت على مقاليد الأمور والأحداث، وحان وقت الحصاد المر لما أنجزته الجماعات لصالح جماعة الإخوان وما أفسحت الإخوان لهم من مناخ ملائم للتطور ولتعاظم القوة والإمكانيات.

وضع التآمر الشيطانى المعلن فى مواجهة الشعب الذى ضج من الجماعة ورئيسها وإستمع الناس لأول مرة فى مصر صراحة من يهدد باقتطاع جزء من الوطن لصالح الرئيس، لكن لم يفطن هؤلاء المتآمرون أن رمال سيناء التى يقفون عليها إبتلعت قبلهم جيوشا أقوى وأعتى من هذا الهزل الذى يهددون به، كانت قوات الجيش قد اتخذت خطوة مهمة إستباقية لهذا المخطط بعدم سحب قواتها التى اشتركت فى عملية تحرير الجنود السبعة الذين تم اختطافهم منذ شهرين، ولم تفصح القوات المسلحة أو الشرطة عن سبب عدم سحب تلك القوات بعد إنتهاء عملية تحرير الجنود، كانت القوات المسلحة بأجهزتها المعلوماتية تعرف مسبقا أنها ستواجه بالفعل عمليات على الأرض فى وسط أحداث سياسية صاخبة وكبيرة ستدور فى العاصمة، وسيتم استخدام الورقة السيناوية كورقة ضغط صريحة للنيل من الثبات الذهنى لقواتها التى سيقدر لها أن تشتبك مع المشهد بقوة، بقيت القوات وظلت طائرات الآباتشى رابضة فى مطار العريش وأعلن عن إستمرار حملات تطهير المناطق التى تأوى الإرهابيين وهو إعلان خداعى تماما، فقد مارست القوات المسلحة الموجودة بمناطق العريش والشريط الحدودى أكبر قدر من السكون اللازم وإكتفت بتطبيق رقابة صارمة على منطقة الأنفاق للحيلولة دون وصول أى نوع من الدعم البشرى من الجانب الآخر، وكانت تعرف أن هناك من هم بالداخل منذ فترة بعيدة أوكلت مهمة متابعاتهم إلى أجهزة القاهرة وحرصت على أن يتم هذا الإجراء بأكبر قدر من الهدوء وعدم ترويجه إلا كأخبار تعطى الإيحاء بالروتينية.

و إنشغلت القوات حقيقة بالمهمة الأكبر والأهم وهى تنظيم خطة دفاعية كاملة حول مدن العريش العاصمة ومدينة الشيخ زويد ورفح وهو المثلث المرشح للإستهداف فى حالة تأزم موقف النظام، وهو على رأس الإتفاق الشيطانى الذى وضعت أجهزة الجيش يديها على تفصيلاته مبكرا، فقد كان القيام بمجموعة من العمليات حول إحدى هذه المدن الصغيرة والمحدودة السكان ثم الإعلان ـ حتى ولو كذبا ـ عن السيطرة على إحدى هذه المدن أو كلها ورفع راية الجماعات التكفيرية عليها كفيلا بدخول المشهد إلى منطقة لن يقبل بها الجيش تحت أى ظرف سياسى، ويخصم خصما فادحا من إمكانية إدارته لما هو قادم من طوفان إحتجاجى فى القاهرة والمحافظات الأخرى بدأ الجيش مبكرا تنسم رائحته ورصد دخوله وعبوره لكل مناطق الأمان.

عند وصول أحداث يوم 28 يونيو إلى ما يمكن تسميته ببداية الثورة وصدور بيان القوات المسلحة الذى أعطى أطراف العملية السياسية مهلة الإسبوع الزمنية لحل التأزم، وضح على الأرض إمساك القوات المسلحة بخيوط اللعبة الرئيسية وسارت الأمور فى القاهرة وباقى محافظات الجمهورية فى طريق اللاعودة بين المحتجين وبين نظام جماعة الإخوان المسلمين، أسست المحافظات المختلفة حالة إحتجاجية منظمة كل منها على حدة واتسع النطاق بصورة تجاوزت أحداث ثورة يناير، وخرج خطاب الدكتور محمد مرسى ليغلق كل مسارات الحلول السياسية إيذانا بالإحتكام لما سيتم من أحداث على الأرض.

فى سيناء دخلت الجماعات الإرهابية إلى المعادلة بمجموعة من العمليات المتفرقة فى محاولة لتنفيذ ما تم التخطيط المسبق له لكنها وبسرعة قوبلت بمقاومة صارمة ويقظة لتحركاتها جعلت مسألة دخولها إلى المدن محفوفة بالمخاطر، حاولت تغيير تكتيكاتها سريعا والبحث عن عملية إعلامية صاخبة من خلال مهاجمة مطار العريش بالصواريخ وإستهداف طائرات الآباتشى العسكرية الرابضة فيه، لكن العملية تعثرت بصد المهاجمين بسرعة فاقت توقعاتهم، وأتبع ذلك مباشرة خروج الآباتشى لملاحقتهم وإستهدافهم وتم بالفعل إصابة المهاجمين وتدميرهم قبل مغادرتهم إلى الصحراء، ومرت الساعات ثقيلة على الجماعات التى وجدت حائط صد يقظا يطوق المنطقة ما بين العريش حتى الشريط الحدودى برفح فبدأوا بممارسة عمليات مسلحة متناثرة لم تنتج إلا مجموعة محدودة من الشهداء والمصابين فى صفوف قوات الأمن والجيش ولكنها عمليات لا تخلق تغيرا فى الموقف بأى صورة.

حتى عندما دخلت العمليات مرحلة اليأس بمهاجمة مبنى ديوان المحافظة ليلا ورفع علم تنظيم القاعدة عليها لم تستغرق عملية إستردادها وتطهيرها سوى ساعات الفجر حتى أشرق الصباح بالأمور وهى فى حالتها الطبيعية، وإنقضت أيام الثورة الباقية بهذه الجماعات وهى تتخبط فى إغتيال كاهن لكنيسة المساعيد أو إطلاق نار عشوائى بشارع البحر تجاه قوات الأمن وتحدث إصابات، وتخرج آخر ما لديها فى هذا السياق وهى تفجر خط الغاز فى جنح ليل السبت الماضى فى عملية اشارات بأصابعها سريعا لمن كان يقوم بالتفجيرات السابقه ومن كان يحصد ثمنها، وجددت فى القاهرة حديث الإبتزاز الذى كانت تمارسة جماعة الإخوان قبل الموجود بالحكم وهى تمارس الإرهاب ضد الشعب ليلا وتقبض ثمنه صباحا إستحقاقات سياسية.

ملف الجماعات الإرهابية المسلحة فى سيناء ملف مفتوح على مساحة واسعة من الخطر والتهديد وأظنه سيكون على رأس أولويات النظام الجديد بعد أن نزع عن هذه الجماعات الغطاء السياسى الذى كانت تعيش تحته وتتكاثر، لكن اليوم ووسط أحداث ثورة يونيو الكبيرة سيسجل فى تاريخها أن مؤامرة عزل سيناء والسيطرة عليها فشلت تماما، ولم تتمكن الجماعات من استخدام مدنها كرهينة تساوم بها الشعب المصرى فى أسوأ مؤامرة يمكن أن تتم على الوطن، فقد اجتهد الجيش والأمن هذه المرة ومارس عمله بجدية وصرامة مطلوبة ووضع أقدامه على الأرض فى الموضع الصحيح فلم تسقط سيناء.

■ كاتب ومحلل سياسى