رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الإفتاء" تعيين شخص سيئ السمعة فى إمامة الصلاة غير جائز

جريدة الدستور

ورد سؤال إلي دار الإفتاء يقول: هل تجوز إمامة من تمت إدانته وحُكِم عليه في قضية أخلاقية كالسرقة والكذب والتدليس، مع وجود وثائق أخرى تثبت عمليات التدليس التي قام بها، مع رفض المصلين إمامته، وذلك في بلاد غير المسلمين، علمًا بأنه إذا عُين إمامًا فسيقوم بتعليم أطفال المسلمين الإسلام والسلوكيات الإسلامية، كما أن تعيينه إمامًا مع إدانته في جريمة سَيُنَفِّرُ غير المسلمين ممن يريدون اعتناق الإسلام وسيجذب انتباه الإعلام.

وأجابت الدار بأن هذه الفتوى يتعلق بها أمران: الأول: أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة في نفسها عند جمهور الفقهاء طالما أنه يقيم أركانها وشروطها؛ إذ الأصل عندهم أن كل مَن صحت صلاتُه صحت إمامتُه، وذلك خلافًا للحنابلة القائلين ببطلانها ووافقهم المالكية في قول عندهم إذا تعلق فسقه بالصلاة.

والآخر: أن هناك فارقًا بين صحة الصلاة خلف الفاسق وبين تعيينه إمامًا راتبًا للمسلمين، فالإمامة فيها نوع من التشريف الذي لا يتناسب مع الفسق، خاصة إذا كان صاحبه مجاهرًا أو ممن عُرِف واشتهر فسقُه، فإذا انضاف إلى ذلك كراهيةُ المأمومين لإمامته كان ذلك أبعد عن مقصودها وأمنع له من توليها.

واستدلت بما رواه ابن أبي شيبة في "المصنَّف" عن القاسم بن مُخَيْمِرَةَ، أن سلمان رضي الله عنه قدَّمه قومٌ يصلي بهم، فأبى، فدفعوه، فلما صلى بهم قال: أكلكم راض؟ قالوا: نعم، قال: الحمد لله؛ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «ثلاثةٌ لا تُقبَل صلاتُهم: المرأة تخرج من بيتها بغير إذنه، والعبد الآبق، والرجل يَؤُمُّ القومَ وهم له كارهون»، وهذا إسناد رجاله ثقات كما قال الحافظ البُوصِيري في "إتحاف الخيرة المهرة".

وأشارت الإفتاء إلى أن الفقهاء لم يختلفوا في أن توليةَ الفاسقِ الإمامةَ منهيٌّ عنها شرعًا، ولكنهم اختلفوا في كون هذا النهي محمولًا على الكراهة مع صحة الصلاة خلفه كما يقول الشافعية والحنفية، أو أنه يُراد به التحريم مع بطلان الصلاة خلفه كما يقول المالكية في قول والحنابلة، ومن القواعد الشرعية أن الخروج من الخلاف مستحب، حيث قال ابن العربي المالكي في "أحكام القرآن": [من لا يُؤتَمَن على حبة مال كيف يَصِحُّ أن يُؤتَمَن على قنطار دين].

وتابعت: هذا كله إذا لم يوجد غير الفاسق أو لم يمكن تولية غيره، فإذ وُجد غيره أو أمكنت تولية غيره فلا ينبغي أن يُختَلَف في وجوب تولية الأصلح؛ لأن إمامة الصلاة من جملة الولايات كما ذكر المصنفون في الأحكام السلطانية وغيرها، والولايات مبناها على العدالة، والفسق من موانعها وخوارمها؛ بحيث إن ولاية الفاسق إنما جازت عند تغلبه أو عدم وجود غيره، منعًا للفتنة ودرءًا للمفسدة وصونًا للدماء والأعراض.

وأردفت: هذا عن إمامة الصلاة وحدَها، فإذا كان سيترتب على توليه لهذه الإمامة أنه سيعلم أطفال المسلمين التعاليم والأخلاق والسلوكيات الإسلامية، وما يستتبعه ذلك من مباشرتِه شئونهم وتداخله مع أُسَرِهم وحلوله منهم محل الثقة والأمانة، فإن تعيينه في هذا المنصب يصبح أشد تحريمًا وأبعد عن مقصود الشرع الشريف.

ولفتت الإفتاء إلى فرض أن الشخص قد تاب مما صار به فاسقًا وانتفى بذلك عنه وصف الفسق، فهذا أيضًا لا يكون مسوِّغًا لإمامته في هذه الحالة؛ لأن هناك اعتبارات أخرى يجب وضعها في الحسبان، ككونه في بلاد غير المسلمين وما قد يؤدي إليه ذلك من الفتنة وتنفير غير المسلمين من الإسلام، وجذب الإعلام الذي قد يتخذ مثل ذلك تُكَأَةً للطعن في الإسلام والمسلمين، وإذا خيفت الفتنة فدرؤها مقدم على مصلحة توليته، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، كما أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.

ونوهت بأنه إذا كان أهل السياسات الدنيوية يمنعون مَن سبقت إدانتُه في جريمة مُخِلَّة بالشرف مِن تولية المناصب المرموقة، فإن المناصب الدينية أحوج إلى التحري فيمن يتولاها؛ لأن صاحبها مبلغ عن الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

وأوضحت أنه بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال، فلا يجوز تعيينُ مثل هذا الشخص في إمامة المسلمين للصلاة؛ لِمَا يَجُرُّه ذلك من المفاسد على الإسلام والمسلمين.