رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كينيدي.. بيتهوفن.. وثورة البُوب!



كنيدي؟! ألم يجد ذلك المسكين (لا تقل العبيط) غير «كنيدي» ليستشهد بإحدى مقولاته؟! ألا يعرف أن أحد أسباب اغتيال الرئيس الخامس والثلاثين للولايات المتحدة، فى ٢٢ نوفمبر سنة ١٩٦٣، كان معارضته للمشروع النووى الإسرائيلى، ومحاولته إرسال فرق تفتيش للتأكد من سلمية البرنامج؟! ألا يعرف أن كنيدى، لو ظل حيًا، كان سيبصق عليه وعلى من سبقوه فى رئاسة الوكالة الدولية للطاقة النووية؟!
فى تغريدة ساذجة، نصح «البوب الصالح» أو الحاج محمد «كل من لا يفهمون أسباب الربيع العربى وحق الإنسان فى الحرية والكرامة»، بأن يستوعبوا مقولة جون كنيدى «من يجعلون الثورة السلمية مستحيلة، يجعلون الثورة العنيفة حتمية». وفاته، وربما لا يعرف، أن كنيدى أيضًا هو القائل إن «السياسة الداخلية قد تخذلنا ليس إلا، أما السياسة الخارجية فبإمكانها قتلنا». والرابط بين المقولتين هو أن مقولة «كنيدى» الأولى كانت ترجمة لبرنامج «التحالف من أجل التقدم» الذى اقترحه فى بداية فترته الرئاسية، وحاول به تصحيح موقف الولايات المتحدة من الحركات الثورية فى أمريكا اللاتينية.
بعيدًا عن تفسيرات أو هلاوس الحاج محمد أو «البوب الصالح»، فإن معنى «الثورة السلمية» الذى كان يقصده «كنيدي»، هو أن تقوم الولايات المتحدة بإحداث تغيير اجتماعى وتحسين ظروف المعيشة تدريجيًا، فى دول أمريكا اللاتينية، حتى لا تحدث ثورة عنيفة تطيح بأنظمة الحكم، وتؤثر على مصالح الولايات المتحدة فى تلك الدول. ويتضح المعنى أكثر من اعتراض السيناتور وليام فولبرايت على البرنامج أو الفكرة، وتأكيده على ضرورة اجتثاث نفوذ الأنظمة الحاكمة فى أمريكا اللاتينية، بدرجة ما، كبيرة أو صغيرة، من العنف. لأن التاريخ يؤكد ضعف فرص الثورة الاجتماعية السلمية، ولأن فرصة إنجاز نمو اقتصادى أو إصلاح اجتماعى تكون ضئيلة أمام قوة الطبقة الحاكمة الراسخة فى كثير من الدول اللاتينية.
مقولة «كنيدي» الثانية هى التى قتلته. وهناك بدل الدليل مئات، على سياسته الخارجية هى التى قتلته، وأن «لى هارفى أوزوالد» لم يكن إلا أداة الاغتيال. ولم يتوقف كشف تلك الأدلة منذ صدر قانون فى ١٩٩٢ يقضى بنشر كل الوثائق الخاصة بعميلة الاغتيال، مع إبقاء بعضها سريًا حتى ٢٦ أكتوبر الماضى (٢٠١٧). صحيح أن «ترامب» تعرض لضغوط من المخابرات المركزية الأمريكية (سى آى ايه) ليمنع نشر بعض الوثائق، إلا أن ما تم السماح بنشره، تضمن وثيقة كشفت أن جاك روبى، قاتل «أوزوالد»، زار تل أبيب فى الفترة من ١٧ مايو وحتى ٧ يونيو ١٩٦٢. وكانت رسائل متبادلة بين كينيدى والرئيس جمال عبد الناصر قد كشفت أنهما توصلا إلى حلٍّ للقضية الفلسطينية، واتفقا على تنفيذه. وستكتمل الصورة بإضافة معارضة «كنيدي» للمشروع النووى الإسرائيلى، ومحاولته إرسال فرق تفتيش للتأكد من سلمية ذلك البرنامج.
بهذا الشكل، استحق الحاج محمد أو البوب الصالح «بصقة» كبيرة من الرئيس الأمريكى الأسبق، لأنه كان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة النووية، ذات التاريخ غير المشرف مع الملف النووى الإسرائيلي. وقريبًا قد نتناول محاولات مصر الأزلية والدائمة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط بالكامل، ودون تمييز، من أسلحة الدمار الشامل وفى مقدمتها السلاح النووى، قبل وبعد مبادرة الرئيس الأسبق، مبارك، التى أطلقها فى أبريل سنة ١٩٩٠ ولقيت ترحيبًا (شفهيًا) من المجتمع الدولى، ومرورًا بمشروع القرار المصرى (الأزلي) حول تطبيق نظام ضمانات الوكالة فى المنطقة، الذى تنجح مصر فى استصداره سنويا ويلزم الوكالة ومديرها العام بتنفيذه واتخاذ ما يلزم من خطوات عملية وجادة لإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية. وهو مشروع القرار الذى قامت الوكالة، منذ أسبوعين تقريبًا، تحديدًا فى سبتمبر الماضى، باعتماده للمرة الـ«مش عارف كام»!.
الثورة، كما قال جيفارا، «يصنعها الشرفاء، ويرثها ويستغلها الأوغاد». وقد ثبت أن «البوب» ليس شريفًا، وأنه وكل معارفه وصبيانه وغلمانه، أوغاد حاولوا استغلال ثورة واستماتوا حتى يرثوها. ومن خلال الثورة، كما أكد «جورج أورويل، «نصبح أنفسنا أكثر وليس أقل»، بما يعنى أن الثورة ستجعل الـ«بوب» وصبيانه وغلمانه، حقراء أكثر مما هم. وهم قطعًا حقراء، ويمكنك أن تتأكد من ذلك بمراجعة تسريبات المكالمات التليفونية، التى كشفت بلاوى، جمع بلوى. و«الثورة قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا القاتل للوطن»، وفقًا لتصور جيفارا. وعليه، لن يكون لثورة البوب، إن قامت، أى عمق لأن الوطن لا نصيب له من حبه «القاتل»، الذى يحتكره لنفسه ثم نفسه ثم نفسه، وقد يترك فتاتًا منه لصبيانه أو غلمانه!.
.. وتبقى الإشارة إلى أن «لودفيج فان بيتهوفن» بعد أن غادر «بون»، مسقط رأسه، وذهب إلى فيينا ليبدأ غزوه للعالم بموسيقاه، اكتف أنه «لا ثورة فى النمسا.. ما دامت البيرة موجودة». وعليه، يكون على «البوب» أن يغادر النمسا.. أو يقلع عن تناول «البيرة»، أو يتوقف عن تعاطى «البرشام».. أو يستأجر «حد بيفهم» يكتب له!.