رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر تعود إلى إفريقيا


عندما وصل محمد على بجيوش مصر إلى منابع النيل، كان يدرك جيدًا أن أمن مصر الحقيقى يبدأ من عمق إفريقيا، وأنه لكى يُنشئ دولة مصرية قوية، يجب أن يؤمّن لها عمقًا إفريقيًا ليس احتلالًا لدولة أو تغييرًا لحدود، ولكنه كان يهدف إلى تأمين حدوده وتأمين ظهير لدولته.. وعندما أراد الرئيس السيسى أن تعود مصر دولة قوية كان عليه أيضًا أن يعيد مصر إلى العمق الإفريقى، فأسس الأسطول البحرى الجنوبى الذى أصبح الحامى ليس لحدود مصر الجنوبية أو الشرقية فقط، ولكنه أصبح مصدر أمان لدول إفريقية وعربية أخرى.
السيسى لم يكتفِ بما قام به محمد على من تأمين عسكرى فقط أو تأمين لمنابع النيل، ولكنه أعاد لمصر دورًا إفريقيًا فقدته فى السنوات الماضية، أو تحديدًا السنوات الخمس عشرة الأخيرة فى حكم مبارك.. فعندما خرجت كتيبة الموت الإخوانية لتحاول اغتيال مبارك فى أديس أبابا، لم تستطع تنفيذ جريمتها ونجا الرئيس الأسبق وعاد لمصر، ولكن فى المقابل نجحت المحاولة فى اغتيال العلاقة بين مصر وإفريقيا.. عاد الرئيس ناجيًا بحياته ولم تعد مصر إلى إفريقيا التى كانت بالنسبة لها مصدر أمن وأمان، وأيضًا مصدر دعم سياسى مهم على مر السنوات السابقة. ففى عهد عبدالناصر استطاع أن يبنى علاقة قوية بين مصر والقارة الأم، وتحولت مصر إلى النموذج الذى يسعى إليه كل الأفارقة، وتحول ناصر من زعيم لمصر إلى زعيم لكل إفريقيا.
وأذكر دائمًا أن أول ما يعرفه الأفارقة حتى الآن عن مصر، أنها بلد عبدالناصر وأن كثيرًا مما يكنونه من الاحترام والوفاء لمصر هو بسبب حبهم لعبدالناصر.. وشاء القدر أن يجمع شهر سبتمبر بين احتفال العالم بمئوية ميلاد نيلسون مانديلا الزعيم الإفريقى الأشهر، والذكرى التى تقارب الخمسين لوفاة الزعيم عبدالناصر.. وجاءت كلمة الرئيس السيسى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ أيام، لتعيد إفريقيا إلى قلب مصر مرة أخرى.. تحدث الرئيس عن أهمية إفريقيا ومشاكلها وعن موقف أبنائها وما تريده شعوبها.
تحدث الرئيس بلسان إفريقى وكانت كلمته معبرة عن شعوب إفريقيا، ولم يغب البعد العربى فى حديثه عن سوريا واليمن وليبيا.. الدول الثلاث التى عاشت عبر سنوات ثمانٍ وما زالت حتى الآن مأساة الربيع العربى التى صنعها الغرب ليدمروا بها العرب دولًا وشعوبًا.. جاءت كلمة الرئيس لتقول للعالم إن مصر التى ستتولى قيادة الاتحاد الإفريقى العام المقبل سيكون لها دور مهم فى تغيير نظرة العالم لإفريقيا ونهضة الدول الإفريقية واستعادة حقوق إفريقيا.. إفريقيا التى قدمت نيلسون مانديلا وعبدالناصر ونماذج مهمة فى السياسة والأدب والعلم، تعود مرة أخرى إلى مصر وتعود مصر إليها بعد غياب واقعى يصل إلى عشرين عامًا، وغياب سياسى وضعنا فيه الإخوان بتشويه صورة مصر عقب ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وأيضًا بعد حرب دبلوماسية دولية استطاع فيها الرئيس السيسى أن يعيد العلاقات المصرية، وأغلب الدول الإفريقية إلى وضعها الحقيقى التاريخى.. إفريقيا التى تحدث عنها الرئيس تنتظر من مصر الكثير ليس فقط بسبب قيادتها الاتحاد الإفريقى، ولكن لأن هذا هو الدور الحقيقى لمصر تجاه إفريقيا.
على مدار الشهر السابق، التقيت عدة مرات الإعلاميين الأفارقة الدارسين بأكاديمية التدريب الإعلامى الإفريقية التابعة للمجلس الأعلى للإعلام، لمست منهم مدى حبهم لمصر ومدى انتظارهم لدور مصرى- إفريقى يعيد للقارة السمراء بريقها.. تساءلوا عن غياب إعلامى عن سماء إفريقيا.. غياب القنوات التليفزيونية والإذاعية.. غياب التواصل الثقافى.. غياب دور اقتصادى كانت تلعبه شركة «المقاولون العرب» المصرية وكذا شركة «النصر للتصدير والاستيراد».. غياب دينى من قوافل دينية سواء من الأزهر أو الكنيسة.. الحضور قليل والساحة خالية أمام إسرائيل وتركيا وقطر.. والصومال نموذج لذلك وأيضًا بعض مناطق القرن الإفريقى.
هذا الغياب يجب أن يتم ملؤه، وقد سعدت بما رأيت فى أكاديمية الشرطة من مركز متخصص لتدريب الضباط الأفارقة، وما رآه الإعلاميون من وجود إفريقى فى الأكاديمية العربية للنقل البحرى، ولكن المرحلة المقبلة تتطلب دورًا أقوى للهيئة العامة للاستعلامات وعودة لافتتاح مكاتبها فى العواصم الإفريقية، عودة أكثر فاعلية لقوافل الأزهر والكنيسة.. ووجودًا مكثفًا لوزارة الرى فى دول حوض النيل.. عودة إلى وجود صحى عبر فتح مستشفيات مصرية مغلقة فى السودان والصومال وتشاد، وتوجهًا اقتصاديًا إلى إفريقيا بدولها التى تحمل مخزون العالم الزراعى والاقتصادى والخام.
إفريقيا ليست فقط عمقًا أمنيًا لمصر، وليست تأمينًا لحدودها، ولكن مصر دولة إفريقية عادت لتقود بقوة، ولذا يجب أن تعود فعليًا على الأرض.. افتحوا الجامعات المصرية للأفارقة واذهبوا إليهم، فالغرب وتركيا وقطر وإسرائيل تحديدًا أصبح لها وجود كبير على الأرض فى دول عدة، والمهمة أصبحت صعبة أولًا لإزاحة هذا الوجود ثم عودة الوجود المصرى مرة أخرى.. عام ٢٠١٩ هو عام إفريقيا، عام عودة مصر إلى رئاسة الاتحاد الإفريقى وأيضًا عودة مصر إلى إفريقيا.