رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: لماذا يجب أن يدعم المسيحيون السيسي؟

محمد الباز
محمد الباز

لا أميل أبدًا إلى التفريق بين مسلم ومسيحى، ولولا الضرورة ما استخدمت عنوانًا فيه كلمة «المسيحيين» بمفردها، فالواقع يقول إن السؤال ينبغى أن يكون «لماذا يجب أن يدعم المصريون السيسى؟».. هو نفسه- الرئيس- وباعتراف البابا تواضروس لا يحب أن يستخدم كلمتى مسلم ومسيحى.. فالجميع عنده مصريون.

لقد أثار استقبال الجالية المصرية بالولايات المتحدة الأمريكية الرئيس فى نيويورك جدلًا وغبارًا ونقاشًا، وقف وراءه من لا يريدون خيرًا لهذا الوطن، وهؤلاء نعرفهم، ونعرف دوافعهم وأهدافهم، وهو ما يجعلنا لا نلتفت إليهم، ما يهمنا هنا هو التأكيد على معنى نتمنى ألا يضيع فى زحام رغبة البعض فى إشاعة الفوضى والشائعات والتحريض والهمز واللمز والغمز لشق الصف الوطنى.

ما خرج المسيحيون لاستقبال الرئيس فى نيويورك بطلب من أحد، ولو أنهم استجابوا لمن أوصى بذلك، لما كان الاستقبال حماسيًا بهذه الطريقة، فقد رأيناهم وهم يحملون الأعلام المصرية، يلوّحون بها فى سعادة كاملة تعكس اقتناعًا كاملًا بما يفعلون، يهتفون بصدق، ولم يكن هتافهم مقصورًا على اسم الرئيس، بل هتفوا بدعم مصر ودعم الجيش المصرى، وكأنها رسالة واضحة من الجميع للعالم كله بأنهم ما خرجوا إلا للوقوف إلى جوار بلدهم.

لا ينكر أحد أن هؤلاء المسيحيين خرجوا من مصر منذ سنوات بعيدة، لكن لا يزال لهم أهل فيها، لم تنقطع صلاتهم بها، بل يأتون إليها ويزورونها، فهم مواطنون مصريون، حتى لو ابتعدوا عنها وحملوا جنسيات أخرى، فلا يمكن لأحد أن يتخلص بسهولة من انتمائه لبلد عظيم مثل مصر، حتى لو مر بظروف صعبة، حالت بينه وبين أن يستمر فيها.

هذه الروح التى تجمع المصريين بوطنهم تجعل أعينهم عليه طوال الوقت، فى كل أزمة تجدهم داعمين له ولأهله، وأعتقد أن شعور المصرى المهاجر بوطنه يتعاظم وقت الأزمات، فعندما خرج المصريون فى ٣٠ يونيو فى ميادين مصر المختلفة، كان المصريون فى الخارج يقفون هم أيضًا لينددوا بحكم الإخوان فى عواصم العالم المختلفة، ويمكنك ببساطة أن تستعيد الصورة دون عناء.

ما رأيكم أن نواجه أنفسنا بصراحة أكثر؟
فلو أن هناك توجيهًا من القيادة الدينية لاستقبال الرئيس، فإن المسيحيين فى الولايات المتحدة ما كانوا ليستجيبوا لهذا التوجيه من البابا، أو من أى من الأساقفة، لو لم يكونوا مقتنعين تمامًا بأن الرئيس عبدالفتاح السيسى يستحق الدعم والوقوف إلى جواره.
بعيدًا عن حملات التشكيك وزرع الفتنة، يعرف المسيحيون قيمة عبدالفتاح السيسى وحقيقة موقفه منهم ومن قضاياهم، هذا الموقف الذى تأسس من البداية على أنهم مواطنون مصريون، لم يُنظر لهم فى أى لحظة على أنهم يختلفون فى شىء.
يدرك المسيحيون فلسفته الواضحة، التى لم يعبر عنها بكلمات إنشائية فى خطاب معلن يدغدغ به المشاعر سعيًا وراء حصد الأصوات، ولكنه تحرك على الأرض وأثبت أن الجميع عنده سواء، وهو ما تجلى فى مشاهد عديدة، لعل أهمها دخوله الكاتدرائية الكبرى بالعباسية أثناء الاحتفالات بأعياد الميلاد والقيامة المتتالية، وحرصه على أن يتحدث للجميع، وهو ما لم يفعله رئيس مصرى آخر من قبله.
كان يمكن أن يكتفى عبدالفتاح السيسى بإرسال مندوب يمثله، أو بكلمة يُلقيها البابا نيابة عنه، لكنه كان يحرص على التواجد بنفسه، لتكون الرسالة واضحة وكاملة غير منقوصة على لسانه، وهو ما ترك أبلغ الأثر فى نفوس المسيحيين وأرواحهم فى الداخل والخارج.
لم يكن الكلام وحده هو ما قدمه عبدالفتاح السيسى، ولكن أفعاله كانت تسبق كلماته، راجع مواقفه فى التعهد ببناء الكنائس التى هُدمت واحترقت بعد فض اعتصام رابعة الإرهابى، وترميم الكنائس التى تعرضت لتفجيرات ضمن سلسلة الأعمال الإرهابية التى شهدتها مصر خلال السنوات الماضية، وكان يفعل ذلك على نفقة القوات المسلحة، والإشارة كانت واضحة جدًا، بأن الدولة تتحمل عن الجميع علاج آثار ما تقترفه يد الإرهاب.
فى المدن الجديدة التى يبنيها عبدالفتاح السيسى، قبل أن يسأل عن المسجد يسأل عن الكنيسة، فى إشارة إلى إيمانه العميق بحرية العقيدة والعبادة أيضًا، فكل مكان فيه مسيحيون من حقهم أن تكون لهم كنائسهم التى يعبدون الله فيها.
فى عهده تم إصدار قانون بناء دور العبادة، وهو القانون الذى تعطل لسنوات طويلة دون أن يكون هناك مبرر واحد منطقى لذلك، وهو القانون الذى يعتبره الجميع انتصارًا واضحًا لدولة المواطنة التى نسعى جميعًا لها.
يمكن أن تحتج على ما أقوله ببعض ما يحدث على الأرض، فلا يزال المسيحيون يتعرضون لأزمات ومشاكل، وما جرى فى عزبة «سلطان» وقرية «دمشاو هاشم» فى المنيا ليس ببعيد عن الأذهان.
لن أنكر عليك ما تقوله أبدًا، بل يمكن أن أقول لك ما هو أكثر منه، ولكن علينا أن نضع الأمور فى نصابها وحجمها الطبيعى حتى لا تكون الصورة مشوهة أو المعلومات مغلوطة، فنمنح بذلك الفرصة لمن يريدون تعكير الماء حتى يحلو لهم الصيد فيه، ويسهل لهم تحقيق ما يخططون له.
إننا نعانى فى مصر من منظومة قانونية تحتاج إلى كثير من التعديل، ونعانى من أفكار متطرفة لا تزال ترقد تحت جلد البعض فيما يخص المسيحيين، وهى أفكار زُرعت على مدار سنوات، وأعتقد أننا فى حاجة إلى سنوات لنقتلعها من جذورها، ونعانى من جماعات متطرفة لا تزال ترى أن رضا الله عنها مرهون بمضايقات المسيحيين وحرمانهم من عبادة الله فى كنائسهم.
عندما تضع هذا الواقع المتراجع والمتردى فى مواجهة فلسفة الرئيس ومنهجه فى معالجة مشاكل المسيحيين، ستجد أننا أمام فجوة كبيرة جدًا، ما يعنى أن هناك فارقًا كبيرًا فى السرعات بين ما يريده الرئيس عن قناعة تامة به وبين مجريات الأمور على الأرض، لكن لا يمكن أن ينكر أحد أنه يعالج أوضاعًا مترهلة بإعلاء قيمة القانون، وهو أمر يحتاج إلى سنوات طويلة.
هذه هى القيمة الكبرى التى يعرفها المسيحيون عن عبدالفتاح السيسى، يستشعرون صدقه فيما يتعلق بقضاياهم، الصدق الذى يقوده إلى تصرفات عملية، فعندما تم الاعتداء على سيدة المنيا خرج معتذرًا على الملأ لها، وعندما تم تفجير الكنيسة البطرسية وجّه بضرورة الكشف عن مرتكبى الحادث، وهو ما تم خلال ساعات قليلة.
يستشعر المسيحيون أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قريب منهم تمامًا، يعرف ما يجب أن يحدث، لا يتأخر عنه ولا عنهم، وهو ما يتجلى فى إجراءات وتصرفات على الأرض، وهو أمر لا يمكن أن ينكره أو يتغافل أحد منهم عنه.. وحتى لو كانت هناك مضايقات على الأرض، فهى لا تعبر أبدًا عن منهجية دولة بقدر ما تعبر عن تصرفات عشوائية وطائشة سرعان ما يتم التعامل معها بالقانون.
لن أبالغ إذا قلت إن هناك حالة من الاطمئنان يشعر بها المسيحيون، ولو قلت إن هناك من لا يزالون يفكرون فى الهجرة خارج مصر، سأقول لك إن لهؤلاء أسبابهم الخاصة بهم، التى لا تتعلق بالحالة العامة التى تعيشها مصر، ولو فحصت كل حالة على حدة، ستجد صدق ما أقوله، وعليه فدعم المسيحيين للسيسى واستقبالهم له بكل هذه الحفاوة فى نيويورك أمر طبيعى، وأعتقد أنه كان سيحدث سواء طلب منهم البابا ذلك أو لم يطلب.