رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصر «تميم» الطائر.. هدية بالإكراه


 

إلى أسطول الطائرات الرئاسية التركية الذي يضم ١١ طائرة، أضيفت طائرة «بيونج» فاخرة أو قصر طائر، قيل إن الفتى تميم، حاكم إمارة قطر بالوكالة، أهداها إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وقيل في رواية أخرى، إن الثاني أو «السيد» اشتراها من الأول أي من «التابع» ولن نقول «العبد».

لم تعلق الحكومة التركية على الأمر، لكن وسائل إعلام موالية لـ«أردوغان» أكدت فرضية «الهدية»، بينها موقع كوكبيت، Kokpit، الذي قال إن «هذه الهدية من الأمير تميم تأتي تعبيرًا عن حبه وثقته في أردوغان وتركيا، بعد أن أعرب الرئيس التركي عن اهتمامه بالطائرة إثر عرضها للبيع». كما ذكرت جريدة «جونيش» الموالية للرئيس التركي أن الطائرة «الهدية» وصلت بالفعل إلى تركيا. وفي مقابل فرضية «الهدية» أعلنت غمزة تاشجير، نائبة رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، أنها ستطرح استجوابًا في البرلمان التركي بشأن مزاعم عن شراء الطائرة. فهل تصمد تلك المزاعم أو فرضية الشراء أمام حقيقة وقوع الإمارة بما فيها ومن فيها وحاكمها بالوكالة، تحت سيطرة تركيا، عسكريًا وسياسيًا؟!.

الطائرة كانت، بالفعل، معروضة للبيع. وسبق أن ذكرت مجلة «كابيتال» الفرنسية، أواخر أغسطس الماضي، أن الطائرة تم بيعها لرئيس دولة لم يتم الإعلان عن اسمه، وأنها واحدة من طائرتين من طراز بوينج «٧٤٧ - ٨i» تملكهما قطر، تعدّان هما الأغلى في العالم. وقالت المجلة إن قيمة الطائرة تزيد على ٤٠٠ مليون دولار، وقد تصل إلى نحو نصف مليار دولار بسبب تجهيزاتها وإمكانياتها الضخمة. ولم تكن المجلة الفرنسية وحدها هي التي تناولت الموضوع، فقد تناولته أيضًا مجلة «درايف» الأمريكية في تقرير أوضح أن عرض الأمير القطري إحدى طائراته الخاصة للبيع، يأتي بعد أن باعت العائلة الملكية القطرية «العائلة الضالة» طائرتين أخريين هذا العام.

الطائرات من هذا الطراز تضم عادة ٤٠٠ مقعد، لكن تمت إزالة أغلب تلك المقاعد بطائرة تميم لتسع ٧٦ راكبًا فقط، وطاقمًا مكونًا من ١٨ شخصًا، مضيفين وفنيين وطيارين، و٧ غرف نوم وغرفة طبية ومنطقة خاصة بطاقم الطائرة. كما توجد بمقدمة الطائرة قاعة استقبال رسمية وقاعة أخرى تسع ١٤ راكبًا وغرفة اجتماعات بها مائدة عشاء طولها ٦.٢ متر.. و.. و.. إلخ. وكان مضحكًا جدًا أن تتزامن هذه الأنباء، أنباء بيع الطائرة، مع تعهد أمير قطر بضخ استثمارات مباشرة قيمتها ١٥ مليار دولار، دعمًا للاقتصاد التركي المضطرب، ولمواجهة انهيار الليرة بعد الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها أنقرة. وهو التعهد الذي تم بالإكراه وليس عن طيب خاطر. والأرجح هو أن يكون قد تنازل بالصيغة نفسها عن الطائرة أو القصر الطائرة.

ترجيح أن يكون الفتى تميم تنازل بالإكراه عن القصر الطائر، يدعمه، كما أشرنا، وقوع الإمارة، فعليًا وواقعيًا، بما فيها ومن فيها، تحت سيطرة الجيش التركي. فالثابت هو أنه منذ ٧ يونيو ٢٠١٧ ظلت القوات التركية تتدفق على قطر، كما بث التليفزيون القطري الرسمي، مقاطع مصورة لآليات ودبابات تركية وهي تلهو وتلعب وتنتهك السيادة القطرية. بل إن هناك مساعي لدمج الجنود الأتراك في النسيج الاجتماعي للبلاد. وبدأت تلك المساعي، بقرار تدريس اللغة العربية لهم، تمهيدًا لتجنيسهم، أي منحهم الجنسية القطرية. وقيل في تفسير ذلك إن الفتى تميم يريد «تتريك» المؤسسة العسكرية خوفًا من «العناصر الوطنية» داخل الجيش القطري، الذي يصعب رؤيته بالعين المجردة!.

خوفًا من تلك العناصر الوطنية أيضًا، وسعيًا إلى «تتريك» الجيش القطري، أحال الفتى تميم عددًا كبيرًا من الضباط القطريين إلى التقاعد المبكر، لتفريغ المؤسسة العسكرية من القطريين، واستبدل بهم عناصر من المرتزقة الأتراك. والأكثر من ذلك هو أن ٢٥٠ جنديًا قطريًا فروا من الخدمة، وتقدم عدد آخر بطلبات لإنهاء خدمتهم، بعد إهانات وجهها إليهم ضباط وجنود أتراك. كما يشكو القطريون من التضييق على حرية تنقلهم، داخل بلدهم، بسبب الحواجز الأمنية التي أقامها الجنود الأتراك في المناطق السكنية تحت ذريعة حفظ الأمن، بينما كان الهدف الفعلي هو إذلال القطريين وإهانتهم والتحرش بنسائهم.

استبعاد فرضية البيع أو الشراء، وترجيح فرضية الهدية، بالإكراه أو حتى عن طيب خاطر، يدعمه أيضًا كون تركيا وقطر طرفين أساسيين في معادلة الإرهاب بالمنطقة، أو ذيلين من ثلاثة، لحيَّة واحدة، ثبت بشكل قاطع أنها تدعم الإرهاب، تمويلًا وتسليحًا وتدريبًا. وظهرت عشرات أو مئات الدلائل على رعايتها الإرهابيين بتوفير الملاذات الآمنة لهم، أو بمنحهم ستارًا أو غطاءً سياسيًا وأيديولوجيًا، أحدثها اعترافات عصام الهنا، المعروف باسم أبومنصور المغربي، القيادي في تنظيم «داعش» الإرهابي، التي أكد فيها العلاقات القوية والوثيقة التي ربطت ذلك التنظيم الإرهابي بالسلطات التركية - القطرية.. والإسرائيلية. ولو كنت قرأت مقال «قيادي داعش فضح الحية وذيولها الثلاثة»، أو لو عدت إليه، ستتفق معي في أنه يمكنك بسهولة، استنتاج أن هذه العلاقات تمت بأوامر الولايات المتحدة الأمريكية، رأس الحيّة، أو على الأقل برعايتها.