رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخوف.. «ترامب فى البيت الأبيض».. أسرار أخطر كتاب يقرؤه الأمريكيون الآن


- صدر الثلاثاء بالتزامن مع ذكرى 11 سبتمبر.. ويكشف أسرارًا من داخل «المدينة المجنونة»

استكمالًا لـ«حمى» الكتب المعارضة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، صدر أمس الأول الثلاثاء، كتاب «الخوف.. ترامب فى البيت الأبيض»، للصحفى الشهير «بوب وودوارد»، عن دار نشر «سايمون أند شوستر». أهمية الكتاب تنبع من كون مؤلفه «وودوارد» هو الصحفى المخضرم الذى كشف فضيحة «ووترجيت» التى انتهت باستقالة الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون، بجانب موضوعه الذى يدور حول طريقة إدارة «ترامب» لـ«البيت الأبيض»، وتزامن إصداره مع الذكرى الـ١٧ لهجمات ١١ سبتمبر، وقبل الانتخابات النصفية لـ«الكونجرس».
ويكشف «وودوارد» عن الكثير من أسرار قلعة الحكم الأمريكى، وهو ما عبّرت عنه شبكة «سى إن إن» الأمريكية فى عرضها للكتاب بقولها: «يعطى للقرّاء مقعدًا فى الصف الأمامى لمشاهدة كواليس البيت الأبيض، ويجعلهم كأنهم وجه لوجه أمام ترامب فى حواراته التفصيلية مع أشخاص شاركوه صنع القرارات الحاسمة والمصيرية داخل الغرف المغلقة».فلتحجز إذن مقعدًا فى الصف الأمامى، وتشاهد كواليس الحكم داخل البيت الأبيض أو «المدينة المجنونة» خلال جولة «الدستور» بين جنبات الكتاب الأكثر إثارة للجدل على مدى الـ٤٨ ساعة الماضية.

مستشاره سرق وثائق من مكتبه لحماية البلاد من قراراته.. ووزير الدفاع اعتبره يتصرف وكأنه طفل
يضطر مستشارو الرئيس الأمريكى لسرقة الوثائق المتعلقة بالقضايا المهمة ورفعها من على مكتبه، لمنعه من رؤيتها أو توقيعها، بهدف حماية الصفقات التجارية والأمن القومى للبلاد، وفق الكتاب.
ويستشهد «وودوارد» على ذلك بإخفاء المستشار الاقتصادى فى البيت الأبيض جار كوهن خطابًا من على مكتب «ترامب» كان يعتزم الرئيس توقيعه لخروج الولايات المتحدة من اتفاقية التجارة الحرة مع كوريا الجنوبية، وهو ما كان سيؤدى إلى تقويض برنامج الأمن القومى بشأن تحقيق السلام فى شبه الجزيرة الكورية.
ويشير إلى أن المستشار السابق قال لأحد مساعديه بخصوص الخطاب: «لقد سرقته من مكتبه، لن أسمح له برؤيته، لن يرى هذه الوثيقة أبدًا، يجب أن أحمى البلد»، فى حين أن الرئيس ترامب لم يلحظ اختفاء الخطاب.
ولم تكن هذه الواقعة الأخيرة لـ«كوهن»، الذى ترك منصبه بالبيت الأبيض فى مارس الماضى دون إبداء أسباب، بل تكرر الأمر حينما كان ينوى الرئيس فى ربيع ٢٠١٧ الخروج من اتفاقية منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية «نافتا» الموقعة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وهو أمر طالما هدد به «ترامب».
ويوضح مؤلف الكتاب أن «ترامب» أمر روبرت بورتر، سكرتير البيت الأبيض آنذاك، بإعداد رسالة لإعلان الخروج من الاتفاقية بشكل رسمى، وبالفعل نفذ «بورتر» الأمر ووضع رسالة الانسحاب من «نافتا» على مكتب الرئيس، لكنه كان قلقًا للغاية من إمكانية أن تؤدى هذه الخطوة لأزمة اقتصادية وسياسية، فلجأ إلى «كوهن»، الذى أجابه: «أستطيع إيقاف كل ذلك.. سآخذ الورقة ببساطة من مكتب الرئيس».
وينقل المؤلف عن «بورتر» قوله: «كنا نشعر دائمًا وكأننا نسير على حافة الهاوية. وفى أحيانٍ أخرى كنا نشعر بأننا سنسقط من الحافة وأن قرارًا خطيرًا سيُتخذ».
فى السياق ذاته، كشف «وودوارد» عن تشكيل تحالف يضم عددًا كبيرًا من المقربين لـ«ترامب»، مثل «كوهن» ووزير الدفاع الأمريكى جيمس ماتيس، لوقف قرارات الرئيس «الطائشة» و«النابعة عن جهله بالشأن العالمى بجانب احتقاره آراء القادة العسكريين والاستخباراتيين».
وورد فى الكتاب أن «ماتيس» وصف «ترامب» بأنه «يتصرف وكأنه طفل فى الصف الخامس أو السادس عندما يتعلق الأمر بملف شبه الجزيرة الكورية»، مستشهدًا بما حدث منه خلال اجتماع لمجلس الأمن القومى فى ١٩ يناير الماضى، حيث «أظهر استهانته بالوجود العسكرى الأمريكى فى شبه الجزيرة الكورية، وحاول إلغاء عملية للمخابرات الخاصة تسمح لواشنطن باكتشاف إطلاق كوريا الشمالية صاروخًا فى ٧ ثوانٍ بدلًا من ١٥ دقيقة».
واعترض «ترامب» على إنفاق الحكومة مواردها فى هذه المنطقة، فرد عليه «ماتيس» قائلًا: «نحن نفعل ذلك لمنع نشوب حرب عالمية ثالثة»، وخرج بعد الاجتماع غاضبًا ومنزعجًا للغاية وأخبر مستشاريه بأن «الرئيس يتصرف بعقلية طفل فى الابتدائية»، معربًا لهم عن قلقه واستيائه منه، متابعًا بسخرية: «وزراء الدفاع لا يختارون دائمًا الرئيس الذين يعملون معه».
وذكر الكتاب أن كبير موظفى البيت الأبيض «جون كيلى» وصف «ترامب» فى حديث مع مساعديه بـ«غير الخلوق» و«الأحمق»، وأن تقديم المشورة إليه أصبحت «عبثًا»، مضيفًا: «نحن فى مدينة الجنون. أنا لا أعرف حتى لماذا نحن هنا، هذه أسوأ وظيفة عملت بها على الإطلاق».
يونيو ١٩٤٦ ولد ترامب فى مدينة نيويورك

قال لـ«ماتيس»: «فلنغتل بشار الأسد».. و«البنتاجون» منع إعلانه الحرب على كوريا الشمالية
من أخطر المعلومات التى كشف عنها الكتاب، أن «ترامب» أوشك على إعلان الحرب ضد كوريا الشمالية مطلع ٢٠١٨، بتغريدة مقترحة، لم تنشر، تسببت فى ذعر وزير الدفاع جيمس ماتيس، فتدخل لمنعها واقنع الرئيس بالتراجع عن نشرها.
وكشف «وودوارد»، فى مقابلة مع قناة «سى بى إس»، عن أن التغريدة التى أراد «ترامب» نشرها عبر حسابه الرسمى بموقع «تويتر» كانت تتضمن عبارات مثل: «الأمر كله يتوقف على مواجهة زعيم ضد زعيم.. رجل ضد رجل.. أنا ضد كيم»، بجانب توجيهه فيها عائلات ٢٨ ألفًا و٥٠٠ جندى أمريكى بمغادرة كوريا الجنوبية.
وأصابت التغريدة المقترحة مسئولى الأمن القومى الأمريكى والعاملين فى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» بالذعر والهلع، خصوصًا بعدما أكد مسئول بارز فى كوريا الشمالية أن أى إجلاء سيتم التعامل معه على أنه علامة على هجوم أمريكى وشيك، وهو ما يجعل «بيونج يانج» تنظر إلى التغريدة على أنها بمثابة «إعلان حرب» عليها، ويزيد من احتمالية شنها هجومًا على كوريا الجنوبية، كما أشار «وودوارد» فى كتابه.
وتزامنت التغريدة التى لم تنشر مع تباهى «ترامب» بأن لديه زرًا نوويًا أكبر من ذلك الذى يمتلكه زعيم كوريا الشمالية، الذى سبق أن نشره على «تويتر».
فى سياق قريب، كشف الكتاب عن تخطيط «ترامب» لاغتيال الرئيس السورى بشار الأسد، بعد الهجوم بالأسلحة الكيماوية بمدينة «خان شيخون» فى أبريل ٢٠١٧، إذ اتصل بوزير الدفاع وقال له: «فلنقتله.. لنذهب إلى هناك ونقتل الكثير منهم».
أجابه «ماتيس» بأنه سيسعى لتنفيذ ذلك، لكنه بعد أن انتهى من المكالمة، أخبر أحد كبار مساعديه: «لن نفعل أيًا من ذلك، سنقوم بالإجراءات المعتادة وسنكون أكثر عقلانية»، وهو ما تمثل فى الغارة الجوية العقابية التى أمر «ترامب» بتنفيذها فى نهاية المطاف.
وتطرق الكتاب إلى جوانب فى الحياة الشخصية لـ«ترامب»، وتحدث عن واقعة حدثت خلال فترة الحملة الانتخابية عام ٢٠١٦: «طلب ترامب من زوجته ميلانيا الجلوس بجانبه لدى إجرائه حوارًا تليفزيونيًا، فرفضت وقالت: لا.. لا.. لا.. مستحيل، لن أفعل هذا»، وهو ما أرجعه الكاتب إلى فيديو فاضح مسرب يعود إلى ٢٠٠٥ ظهر فيه «ترامب» يتباهى بسلوكه اللاأخلاقى مع النساء وملامسة مناطق حساسة من أجسادهن.
وأظهر «وودوارد» السيدة الأولى على أنها «لاعبة مهمة وصارمة من خلف الكواليس»، ونقل عن كبير الاستراتيجيين السابق فى حملة «ترامب» الانتخابية، وصفه لها بأنها مثل «المطرقة»، مشيرًا إلى أنها ذات أكبر تأثير على الرئيس الأمريكى و«مهووسة وتركز بنسبة ١٠٠٪ على تربية ابنهما بارون».
ولم تنج، إيفانكا ترامب من قلم «وودوارد»، وكشف عن مشادة بينها وبين كبير المستشارين الاستراتيجيين السابق ستيف بانون بشأن تجاوزها مع كبير موظفى البيت الأبيض السابق رينس بريبوس، حتى تصل لأبيها.
ووفق الكتاب، قال «بانون» لـ«إيفانكا» صارخًا بوجهها: «تتجولين فى المكان وتتصرفين وكأنك مسئولة، لكنك لست كذلك، أنت موظفة.. أنت موظفة ملعونة»، مشددًا على ضرورة أن تعمل من خلال «بريبوس» شأنها شأن باقى مساعدى «ترامب»، لكن «إيفانكا» ردت غاضبة: «لست موظفة ولن أكون أبدًا كذلك.. أنا الابنة الأولى».

مسئولو الإدارة الأمريكية تعاونوا سرًا مع وودوارد.. والمؤلف استضافهم مرات عديدة داخل منزله
أثارت كل هذه المعلومات العديد من التساؤلات حول مصدرها، وهو ما يفسره مؤلف الكتاب بقوله إن «معظم مسئولى إدارة ترامب يسعون بشكل سرى إلى التآمر عليه ومحاولة الحد من سلطاته حتى لا تضار البلاد نتيجة أفعاله»، معتبرًا ذلك «انقلابًا إداريًا» و«انهيارًا عصبيًا» فى البيت الأبيض، ما يشير إلى تعاون مساعدى «ترامب» مع المؤلف بشكل سرى لإعداد الكتاب.
هذه الفكرة أكدها مصدر مطلع لـشبكة «سى. إن. إن» الأمريكية بقوله: «جميع المقابلات الخاصة بالكتاب سجلت بإذن من المصادر المعنية.. ترامب لم يجلس لإجراء مقابلة مع وودوارد، وآخر مقابلة بينهما فى ٢٠١٦ هى التى ألهمت الأخير تأليف عنوان الكتاب».
ووفقا لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، يستمد الكتاب عنوانه من تصريحات أدلى بها «ترامب» لـ«بوب وودوارد» والمحرر السياسى للصحيفة روبرت كوستا فى أبريل ٢٠١٦ عندما كان مرشحًا للرئاسة، إذ سأله «كوستا» ما إذا كان يتفق مع الرئيس أوباما فى تصريحه الذى أدلى به لمجلة «ذى أتلانتك» بأن «القوى الحقيقية تعنى أن تحصل على ما تريد دون الاضطرار لممارسة العنف»، فبدا «ترامب» متفقًا وقال: «القوة الحقيقية من خلال الاحترام»، لكنه أضاف بعد ذلك لمسة شخصية وتابع: «القوة الحقيقية، لا أريد حتى استخدام كلمة (الخوف)».
وفى حوار للكاتب مع هيئة الإذاعة الوطنية العامة فى الولايات المتحدة «NPR»، الإثنين الماضى، قال إن المصادر التى اعتمد عليها «ليست مجهولة» وكانت جزءًا من صناعة القرار فى البيت الأبيض وشاركت فى كل الأحداث التى تناولها فى كتابه، مضيفًا: «الضرورة السياسية هى التى جعلتهم يخفون هويتهم، وينفون ما أورده الكتاب على لسانهم».
ووفقًا لتقرير نشرته مجلة «بوليتيكو» الأمريكية، لم تجرِ عملية إعداد الكتاب فى البيت الأبيض بشكل رسمى على الإطلاق، بل لم يسمح لمؤلفه مطلقًا بالدخول إلى البيت الأبيض، ولم يمنح إذنًا بإجراء مقابلات مع الرئيس أو جمع معلومات من العاملين هناك، ولم تقدم إدارة الاتصالات فى المبنى أى شىء لمساعدته، حسبما ذكره مجموعة من المسئولين السابقين والأشخاص المقربين من الإدارة.
وأضافت أن بعض كبار المسئولين تحدثوا مع «وودوارد» من تلقاء أنفسهم وأعطوه شهادتهم عن «ترامب» ومنحوه ساعات من وقتهم شريطة عدم ذكر أسمائهم للحفاظ على سمعتهم الشخصية.
وأشارت إلى أنه كان يدعو كبار مسئولى «ترامب» والمصادر التى كان يعمل معها إلى منزله الخاص، حيث كانوا يسلمونه الملفات واليوميات والمذكرات اليومية، وأحيانًا كان يزورهم فى أوقات متأخرة من الليل دون سابق إنذار للحصول على المستندات التى كان يحتاجها.